الخميس 3/6/1446 هـ الموافق 05/12/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كان اسمها وردة...مجد مالك خضر

 كان اسمها وردة... فتاة صغيرة حلوة... لها من سنوات عمرها عشرة، وردة تحبُ اللعب مع صديقاتها في حقولِ قريتها، وتشعرُ بالسعادة عندما تقطفُ الورود التي تشبهها، وتصنعُ منها طوقًا تضعهُ على رأسها، وتخرجُ لرعيّ الخراف في الحقول، وتنجحُ في مدرستها في كل الفصول.

في يومٍ من الأيام قالتْ أمُ وردةٍ لها: أصبحتِ فتاةً كبيرة، وعروسًا جميلة وجاء عريسٌ لخطبتكِ، ووافق والدكِ عليه... لم تفهم وردة كلام والدتها، ولكنها شَعرتْ بالسعادةِ لسعادتها، وتوقعتْ أن ما تقولُهُ لها دعابة، لذلك لم تشعر بكلامها أيَّ غرابة، ولم تمضِ الكثيرُ من الأيام، حتى قال لها والدها: سوف تتركين المدرسة، وتتزوجين في أقربِ فرصةٍ ممكنة.

بكتْ وردة... وقالت لوالدها: أرجوك يا أبيّ لا أريدُ تركَ المدرسة... فأنا بدراستيّ نجيبة، وأتمنى عندما أكبرُ أنْ أُصبحَ طبيبة، غضب والدها غضبًا شديدًا، وقال لها: آخرتك على بيت زوجك، ما عنا تعليم للبنات... ساندُهُ أخوها في رأيِه، وقال لها: زوجتيّ أصغرُ مني بعشريّن سنة، وتعرفُ القراءة والكتابة... وهي بطهيّ الطعام ورعاية الأطفال موهوبة، لذلك لا تجعليّ التعليم يسيطرُ عليكِ فهو ليس إلا أكذوبة.

لم يتوقف بكاء وردة، وصارتْ دموعها تنهمر كلّما شاهدتْ صديقاتها في الصباح يذهبن إلى المدرسة، وتذكرت قصة فتاةٍ من قريتها تزوجتْ منذُ وقتٍ طويل، وتُوفيت بعد شهورٍ من زواجها، ولم تُذكر عن وفاتها أيُّ تفاصيل، وصارت قصتها منسيّة كأنها لم تكن يومًا تعيشُ أحلامًا طفوليّة.

في أحدِ الأيام طلب والدُ وردة منها أن تأتيّ إلى غرفةِ الجلوس... كان والدها يجلسُ برفقةِ رجلٍ أكبر منه بالعُمر، والشيبُ يغطيّ رأسه، وأسنانهُ الصفراء تزيدُ من قبحِه، وطلبَ منها والدها أن تسلمَ عليه، وشَعرتْ بالخوفِ عندما رأت عينيه، ووضع يدهُ على رأسها، وقال لها: أنتِ وردة يا وردة... وهربتْ وردة من الغُرفة، ولم تتوقف عن البكاء من الصباحِ حتى المساء.

جاء يوم زفافِ وردة وزاد من ذبولها، وارتدتْ فستان زفافها الأبيض، ودموعها على خدودها لم تنضب، وخسرتْ جديلتها الشقراء وأصبح شعرها على كتفيها يُشاركها البُكاء، وصارتْ الحياةُ من حولها خواء... عندما ظلّت وحدها في غرفتها قررت أن تهربَ من قدرها... وتأكدتْ من انشغال الجميع عنها... وهربتْ من بيتها لا تعلمُ إلى أين تذهب بفستانها؛ الذي أصبح مليئًا بالسواد، وهي في كل دقيقةٍ تقتربُ من مستقبلها غريب الملامح والأبعاد.

ومنذُ ذلك اليوم حتى هذا اليوم لا أحد يعلم شيئًا عنها، وكل ما يعرفونه عن قصتها أنه كان اسمها وردة...

 

2016-10-23