الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
يا صاحبي السجن! ....بقلم الأسير المجاهد ياسين أبو لفح

إلى الشيخ المجاهد يوسف عارف الحاج محمد([1]) والشهيد الحبيب حسن ترابي([2])

في الذكرى السنوية الثالثة على رحيلهما عن الدنيا

بقلم الأسير المجاهد/ ياسين أبو لفح

سجن ريمون الصحراوي

من الجميل أن تقف على أطلال من تحب، ولكن صعبة تلك المشاعر إن كان طلل أحبابك في مستودع وجعهم، هنا حيث سجن مجدو "الإسرائيلي"!

لقد مررت بذكراكما وأنا في جنبات الغرف التي غُرِفَ لكم فيها من كل آه، عشت ذكراكما هذه الأيام وأنا في ساحة القسم الذي ربضتما كالأسود في سوحه! لقد رحلتما تاركين لنا العزاء في أنكما غادرتمانا على ما تحبان، هي هكذا إرادة الشهاد التي مثلتماها، أجريتم الرياح كرهاً كما تجري كل سفينة تريد دفنها إلى مقابض العز فيكما.

يا صاحبي السجن أما أحدكما فهو والدي العزيز، شيخي الحكيم، قدوتي وقيادتي، سيدي أبا مالك ، يا من خرج من سجنه للعالمين عزيزاً بالشهادة، لقد تنسمت رائحتك العنبرية بين الكتب التي توزعت في أروقة الغرف في أقسام سجن مجدو، جميعها ستجيء يوم البعث ترفع يديها لذكر اسمك شاهدة أنك ما تركت لحيظة للفراغ حتى لو عشت سنين من عمرك في مستقر الفراغ، كراساتك ما زالت تتداول من شمال السجون إلى جنوبها وكأنها أسفار تُرقى وتُلقى، كل من حُكي له عنك تمنى لو أسقيته من يدك الشريفة شربة علم لن يروى منها أبدا.

سيدي أبا مالك ها أنت في دار الحق، فكم صبرت على البلوى لما عصفت بك، واجهتها بفيضان من الإيمان العميق بأن "الله لن يضيعنا"!

أنا يا سيدي لا أكتب لك ما أرثيك به بل ما يواسي حالي بعدك، فكم سكنت نفوساً عايشتك وعاشت على أمل العيش معك لحظة بلحظة، فمدرستك بين فعل وقول وتقدير.

لقد حضرني مراراً وتكراراً ما أبلغت به حينما صدحت بي وبمن معي: "سيروا مجهولين في الأرض معروفين في السماء".

أنت تاريخ كامل لا يحصر في "مخزون الذاكرة"([3])، أنت مسيرة من العطاء لا تتوقف برحيلك في "المسيرة الجهادية"([4]) مستمرة كأنك فيها مع كل مجند جديد لسرايا القدس أو مثقف التحق مؤخراً بصفوف الرابطة الإسلامية أو صاعد سيرتقي يوماً في درجات الجهاد الإسلامي الذي كنت أنت نبضه في نابلس، جبل النار، بل كنت ناره التي لن تنطفئ لو أُهرق عليها مطر حمضي أسود.

أما الآخر، أنت أخي الحبيب يا حسن! لقد آلمني أن أعاود لذات الغرفة التي جمعتنا يوماً في قسم 5 بسجن مجدو لأتذكر ما روي عنك، كأن الحادثة عالقة في ذاكرة الجدران والأرض التي تبللت بدمائك! قرة عين كنت بين نزلاء ذاك القسم، أحبك كل من جاورك، فلك من اسمك نصيب، كنت تتمنى أن يراق دمك في ميدان المواجهة، ولكن الله اختارك لتكون رسول وجع من الأسرى للعالمين، هم الفئة المنصورة بإذنه تعالى والتي لن تُلقي عن كاهلها البنادق، ولن تخرج من الخنادق إلا بنصر يشفي صدور المؤمنين.

شيخي القدوة يوسف الحاج محمد، صاحبي العزيز حسن الترابي، يا صاحبي السجن، لقد منّ الله عليَّ رفقتكما في الدنيا ووحده أسال أن يرزقني شفاعتكما في الآخرة، كلٌ منكما أرجوه ذكري عند ربه فكلاكما للجنة على موعد بإذن الله عز وجل، كما كان مع الحرية في موعد رغم كل الذي كان من العدو في إخلاف المواعيد إلا أن قدر الله نافذ، حرية وجنة أعدت للمتقين.

 

 

 

([1]) الشيخ المجاهد (يوسف عارف الحاج محمد): من قادة حركة الجهاد الإسلامي بالضفة الغربية، من مواليد العام 1946م بقرية جالود من قرى محافظة نابلس، وافته المنية يوم الجمعة الموافق 11/10/2013م.

([2]) الشهيد الأسير (حسن عبد الحليم ترابي): مجاهد دفع حريته ثمنًا لكرامة فلسطين ليقبع خلف القضبان أسيرًا، ثم تتدهور حالته الصحية جراء سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها دولة الإرهاب الصهيوني حتى نال الشهادة بتاريخ 05/11/2013م.

([3]) من مخزون الذاكرة: كتاب يوثق السيرة الذاتية للشيخ المجاهد (يوسف عارف الحاج محمد)، وصدر عن مؤسسة مهجة القدس في العام 2012م.

([4]) المسيرة الجهادية لحركة الجهاد الإسلامي: كتاب من إعداد الشيخ المجاهد (يوسف عارف الحاج محمد) أصدرته مؤسسة مهجة القدس ضمن الإصدار الثاني من سلسلة فكر وأدب السجون في العام 2011م.

2016-11-07