الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تفاعلات قضية اغتيال ياسر عرفات....م.زهير الشاعر

 خلال حفل نظمته حركة فتح بمناسبة ذكرى رحيله الثاني عشر الذي يصادف يوم 11 / 11، أشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى أنه يعرف الشخص المسئول عن وفاة الراحل، ياسر عرفات، مؤكداً أنه سيُكشف قريباً!. وقال كما أكدت وكالات الأنباء وبعض الحضور ذلك عندما وجه حديثه إليهم ، بأنه لو سألوه من الذي قتل عرفات!، فهو يعرف القاتل ولكن شهادته لا تكفي في إشارة منه إلى محاذير موقعه الرسمي، وقال بأنه لا بد للجنة المكلفة بهذا الملف الشائك أن تصل لكل التفاصيل، وفي أقرب فرصة سيُعلن اسم القاتل أو اسم الجهة التي تولت ذلك، وستدهشون من النتيجة والفاعلين وسيكشفون".

لا شك بأن كلام الرئيس الفلسطيني محمود عباس ملغوم ولا يحمل معه تأكيدات على شيء واضح ومواعيد محددة أو آلية تتناسب التحديات الشائكة التي تواجهه ، بل ترك الباب مفتوحاً أمام تساؤلات واجتهادات لا أول لها ولا أخر في ظل يقينه بأنه لا زال يمسك بأوراق اللعبة في يده لوحده!، مما أثار دهشة الجميع وخلق حالة من البلبلة في الشارع الفلسطيني الرسمي والشعبي الذي انقسم بين ثلاث أراء متجاذبة ، الأول ، متسائلاً عن سبب صمت الرئيس عباس طوال الاثنتي عشرة عاماً الماضية طالما أن القاتل معروف لديه ، خاصة أن الأمر يتعلق بقضية تمثل هي الأكثر جدلاً واهتماما لدى المواطن الفلسطيني الذي لا زال يعيش حالة عشق مع الراحل ياسر عرفات ورمزية كوفيته وما يعنيه ذلك بالنسبة إليهم!، أما الرأي الثاني، فقد ذهب بعيدا في تفكيره المتطرف، وموقفه تلخص بالمطالبة بجلب الرئيس محمود عباس إلى القضاء الفلسطيني للإدلاء بشهادته ومحاسبته عن سبب كتمانه لها طوال الأعوام الماضية أو الحجر عليه!، أما الرأي الثالث ، فتلخص في استنكار هذا التصريح الذي صدر عن الرئيس محمود عباس كونه وجد فيه بأنه جاء في سياق وسيلة ابتزاز سياسي في ظل الصراع القائم بين الخصوم على السلطة والنفوذ!.

في تقديري أن من أشار على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بطرح هذا الموضوع في هذا التوقيت الحساس للغاية، لم يكن موفقاً أو لربما لم يكن بريئاً في نواياه وأراد أن يورط الرئيس في قضية هي الأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني ، أو أن الرئيس الفلسطيني نفسه أراد خلط الأوراق وبعثرتها من جديد ، وذلك في محاولة مستميتة منه لخدمة تعافي منظومته الحاكمة التي باتت تعاني الوهن والضعف والصراع والتفكك، أو لربما أنه جاء كرسالة مبطنة في سياق رد عصبي على الصدمة من وصول الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب إلى سدة الحكم من خلال انتخابات ديموقراطية تاريخية !.

لذلك بغض النظر عما جاء من تقاطعات وشطحات فيما سبق ، أجد أنه من المناسب تحكيم العقل وفرملة عجلة الأحقاد التي تتزايد سرعتها على الساحة الفلسطينية بطريقة جنونية وتحمل معها نتائج وخيمة ، حيث أن المكابرة التي بات يتحدث بها البعض الفتحاوي المنقسم على نفسه تمثل انعكاسا واضحاً لحالة القلق والفوضى التي تعصف بالوضع السياسي الفلسطيني في ظل الخلافات الداخلية القائمة!.

أما بالنسبة لما جاء على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي فسره البعض بأن فيه إشارة لاتهام محمـد دحلان الذي يمثل خصماً شرساً له ، يتحمل وزر أخطاء منظومته كلما دخلت في مأزق سياسي أو مواجهة داخلية ، حتى تتمكن من حرف الأنظار عن المأزق الحقيقي الذي تعيشه هذه المنظومة وعن حجم التحديات التي تواجهها وعجزها عن القدرة على مواجهتها، فإنني أرى أنه لربما لم يكن الرئيس محمود عباس يقصد ما ذهب إليه البعض في هذا المضمون على الإطلاق!، لأنه في تقديري، لو كان ذلك فما الذي يمنعه من الإفصاح مباشرة عن ذلك؟!، وهو من أشار إلى ذلك سابقاً صراحةً في لحظات غضب خلال كلمة له أمام أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح! .

في تقديري أنه إن كان ولابد من فتح ملف اغتيال الراحل ياسر عرفات بالتزامن مع حالة الصراع القائمة حول عقد المؤتمر السابع لحركة فتح، وأن هناك تسليماً بأن اللجنة القانونية المكلفة بهذا الموضوع قد فشلت بالتوصل إلى نتيجة أو تم حجب هذه الشهادة المهمة عنها طوال الفترة الزمنية الماضية بشكل تكتيكي مقصود!، فلماذا لا يتم التعطي مع هذا الملف بالمجمل من حيثياتٍ فنية وقانونية بحتة بعيداً عن كيل الاتهامات هنا وهناك، كي لا يفسر استخدام هذا الملف لخدمة أجندات خاصة لا تخدم الشأن العام ولا السلم الاجتماعي بشكل عام؟!.

فلماذا مثلاً لا يتم البحث في وضع مرافقين الرئيس الراحل ياسر عرفات طوال الفترة الزمنية الماضية حتى تاريخه؟!، فمنهم مثلاً تم إقصائه بالكامل والبعض اختفوا من شاشات الرادارات على الساحة الفلسطينية وتم تسهيل أمورهم في الإقامة والعيش في الخارج ولا زالت تصرف لهم رواتب عالية، على أنهم مصنفين على سفارات هم في الأساس غير ملتحقين بها ، هذا عوضاً عن الأموال الطائلة التي تقاضوها أو لربما استفادوا من موقعهم السابق في جمعها!.

لماذا أيضاً لا يتم البحث في ألية توفير شبكة الأمان التي تزامنت مع ذلك الحدث والتي لازالت موجودة من خلال تصعيد أشخاص غير مؤهلين ولربما غير أمناء وبدون تاريخ وطني إلى موقع المسؤولية تتقاطع المصالح بينهم بطريقة مشكوك بنزاهتها أو بخضوعها للمعايير المهنية، وذلك على حساب أخرين يقول المحللين بأنه لربما لذلك علاقة بتغييب الحقيقة المتعلقة بهذا الملف بعد رحيل ياسر عرفات ؟!.

يبدو أن الملف شائك وأن الحبكة متشابكة وأن الآلية التي استخدمت لتنفيذ هذه الجريمة متداخلة ومتقاطعة!، ولن تساعد أحد في الكشف عنها خاصة أن طريقها وعرة للغاية ، وبالتالي لربما أن ترك هذا الملف مفتوحاً بين يدي جهات الاختصاص المحلية والدولية سيكون افضل بكثير من الدخول في متاهاته المتشعبة ورمي التهم هنا وهناك جزافا!.

أما بالنسبة لاستغلال تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس للغمز من إتهام محمـد دحلان بالتورط في جريمة قتل ياسر عرفات من جهة ، فإنني أرى من خلال نظرة حيادية بحتة ، بأنه لو كان ذلك صحيحاً لما عانى الأخير كل هذه المعاناة وكان أخرها منع زوجته الفاضلة د. جليلة دحلان من الوصول إلى قطاع غزة عبر الجسر القاطع بين الأراضي الأردنية والأراضي الفلسطينية والتضييق عليها لإفشالها في إتمام برامج أعمال مؤسسة خيرية ترأس هي مجلس إدارتها، والتي كان أخرها إتاحة الفرصة أمام ما يقارب العشرين شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة من الجرحى من أبناء قطاع غزة للزواج وفتح بيوت لهم لرسم الابتسامة على وجوههم وخلق حالة أمل لديهم في مبادرة إنسانية حميدة!، لذلك يبدو أن الأمر لا يتعلق بتهم حقيقية بقدر ما يتعلق بصراع على النفوذ والمصالح والتبعية!.

من جهة أخرى لابد من التوقف أيضاً عند محاولة الغمز من قناة د. سلام فياض من خلال ما جاء في كتاب جلعاد شارون، بأنه جاء على لسان الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال مقابلته مع شمعون بيرس الذي توفي قبل عدة أسابيع ، حيث كان مضمونها يدور حول الراحل ياسر عرفات ، بأن فياض كان مطلعاً على معلومات كانت تهدف إلى التخلص من مرحلة الراحل ياسر عرفات، حيث أنه لربما لا يعلم الكثيرين أن من أسباب خروج فياض من رئاسة الحكومة وتعرضه لضغوطات هائلة أثناء توليه رئاستها ، هو رفضه الاستمرار في السياسات المجحفة التي تمارس ضد أبناء قطاع غزة ، كما أنه من المفيد طرح أمر لا يعرفه الكثيرين عن فياض وهو بأن فياض حوصر مع ياسر عرفات عندما كان محاصراُ من الدبابات الإسرائيلية في مقره في المقاطعة في رام الله، هذا عوضاً عن أنه كان يحظى بثقته ولم نسمع يوماً من الراحل ياسر عرفات بأنه حذر منه بل بالعكس أثنى عليه! ، ومن يعرف فياض عن قرب يدرك بأنه رجل دولة حضاري ومسالم وليس رجل تآمري وعدواني!، كما أنه يستحضرني هنا في هذا المقام بأن أذكر موقفاً إنسانياً عظيماً له لربما يزعجه ذكره ولكن لا بأس!، وهو عندما طلب منه أحد طلاب الدارسات العليا من أبناء قطاع غزة أن يساعده في دفع رسومه الدراسية بعد أن خرج من رئاسة الحكومة الفلسطينية!، فأبى فياض إلا يبادر باقتسام راتبه مع هذا الطالب لمساعدته!، لذلك في تقديري بأن من يفكر بهذه الطريقة الإنسانية الراقية ويتمتع بهذا الفكر الإنساني السوي ، لا يمكن له أن يكون جزءاً من خطة تآمرية قذرة تمس بتاريخ شعب بأكمله!.

كاتب ومحلل سياسي

2016-11-12