هذا المقال يتحدث عن آخر محطات مسيرة الخزي والعار للرأسمالية الغربية، محطات المسيرة كثيرة ويندى لها الجبين من هيروشيما إلى الأمريكيتين ومن ألمانيا النازية إلى جنوب إفريقيا، ولن اعبأ بالتوقف عند ما قدمه الغرب عموماً للإنسانية لأن رؤوسنا تصدعت من كثرةالحديث عن ذلك، وأود أن أشير إلى أني أقصد بالغرب الدول الإمبريالية مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول التي تزرع الموت في منطقتنا كي تحصد المال والنفط.
يمكن التوقف عند إبادة أمريكا للهنود الحمر بأبشع الوسائل، لفد كتم المجرمون أنفاس الهنود الحمر الأخيرة صارخين "إرهابيون"، في دلالة على أن الشعوب المرشحة للإبادة العرقية يتم اتهامها بالإرهاب، أي يتم تلطيخ سمعتها وتشويهها وشيطنتها وتجريدها من إنسانيتها بينما وبوحشية تباد، وكعرب ومسلمين وفلسطينيين علينا التأمل في ذلك جيداً، علينا أخذ العبر من الشعوب التي خسرت تحدي الوجود.
وتعالوا نستذكر العبوديةيوم كان مصير الإنسان يحسم بتفاهة لون الجلد، يوم أتهم السود بالبلادة والغباء بينما ساق الرجل الأبيض اطفالهم للبيع في السوق كما تباع الجزم وحرمهم من التعليم ومن كل اشكال الكرامة، هذا الشر كان مكون بسيط من جريمة نكراء ما زال السود يعانون من تداعياتها إلى يومنا هذا في كثير من البلدان، يكفي الإشارة إلى أن فرص نجاح الفرد في الولايات المتحدة تتناسب عكسياًمع درجة لون البشرة إلى اليوم.
محطة أخرى هي الهولوكوست الذي لم ينجوا منه الكثيرون بالمعنى الجسديأوالسيكولوجي، ولا يمكن لألمانيا أن تطهر نفسها بمجرد التعويضات، على ألمانيا إن كانت صادقة أن تلفظ كافة أشكال العنصرية حتى ما يتماشى منها مع "الموجة"، وعلاقة ألمانيا بٍإسرائيل هي نقيض تبرئها من العنصرية، المهم أن الصهيونية رأت أن خلاص اليهودي بالنتيجة يكون بتحول اليهود إلى فوهة مدفع للقوى الإمبريالية في منطقتنا وهذه سخرية القدر.
واجهت ألمانيا النازية مشاكل جمة نتيجة لخسارتها الحرب العالمية الأولى ضاعفهاالركود الأقتصادي، وقام هتلر بإختزال المشاكل في شخص اليهودي والحل في رأيه كان بالتخلص منه وهكذا فعل، ما نشهده في العصر الحديث ليس بعيداً كل البعد عن ذلك، لقد هاجرت الصناعات الغربية بحثاً عن الأيدي العاملة والموارد الرخيصة، وارتفعت معدلات البطالة في الغرب، وأخذت الدول الغربية تتحول من الديمقراطية إلى دول بوليسية، والفزاعة المستخدمة كغطاء هي الإرهاب الإسلامي.
الحقيقة أن الدول الغربية تروج للتطرف الإسلامي وعلى جميع الجبهات لعدة اسباب، داخلياً يسمح لها بضرب الحريات وإجهاض الحراك الإجتماعي الناجم عن البطالة وتردي الأوضاع الإقتصادية وتوسع قوى الرفض لمؤسسات الحكم، وخارجياً يساعدها في إحكام القبضة على الدول العربية والإسلامية التابعة والتدخل حتى في شؤونها الداخلية وفي نفس الوقت ضرب قوى الممانعة كما يحدث في سوريا.
إن الحرب المعلنة من الغرب على الإرهاب في المنطقة ليست سوى للتسويق، وما يحدث في سوريا من دعم لقوى التطرف من الغرب والدول التابعة له لخيرشاهد على عدم صدقية هذه الحرب، الحكومات الغربية تعلم انها كالكلب الأجرب في المنطقة ولا يوجد شعب عربي أو مسلم واحد يستسيغها، وهي تستغل هذا الإعلان عن الحرب على الإرهاب لدفع الشعوب العربية والإسلامية في أحضان داعش والتطرف لأن أعداء الغرب حتى لوإسما ينظر إليهم كأصدقاء طبيعيين لشعوب المنطقة.
إن من يبحث عن أصول الإرهاب في الدين الإسلامي سيجدها، ومن يبحث عن ثقافة التسامح في الإسلام سيجد الكثير، كلاهما يبحث خلف سراب، أصول الإرهاب هي في العنصرية الغربية وعلاقتها المرضية بالعالم العربي والإسلامي التابع، المسيحية الغربية بررت العبودية بنصوص من الكتاب المقدس، واليهودية تستخدم الآن لتبرير إبادة الشعب الفلسطيني، الثابت أن الإستعمار الكولنيالي يفعل فعله ويرتكب أفظع الجرائم بإسم الله.
علينا أن نسأل أنفسنا لماذا ينتشر التطرف الإسلامي بشكل كبير في الدول الغربية أوالدول العميلة لها؟ يوجد مهاجرون مسلمون في أمريكا الجنوبية وقد اندمجواً جيدا في مجتمعاتهم وكذلك يوجد مسلمون في البلد الشيوعي الصين وكثير من البلدان بلا مشاكل مضخمة، الحقيقة أن الإرهاب هو الوجه الآخر لعملة مقززة هي العنصرية الغربية، الغرب حول كلمة مسلم إلى رديف للإرهاب مثلما حول الأسود إلى رديف للعنف واليهودي إلى رديف لعبادة المال، وقد إشتغل على ذلك جيدا بجيوشه ومخابراته وأمواله وإعلامه والأنظمة العميلة له لتحقيق هذه الغاية منذ مطلع القرن الماضي وبشكل أكثر حدة منذ مجيء القائد عبد الناصر.
إن دونالد ترمب هو ذروة جديدة في العنصرية الأمريكية وهو لم يأتي من فراغ، وما فتيء يتغنى بإسرائيل كنموذج للتعامل مع "الإرهاب"، إنإسرئيل دولة تطهير عرقي وعزل عنصري تختبىء خلف ورقة توت هي السلطة الفلسطينية، وهي تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم إرهابييون حتى يثبت العكس (مثال ذلك نظام التصاريح) بحجج أمنية، وهذا هو تعريف العنصرية، دونالد ترمب يتحدث عن نفس المسوغات الأمنية، وهو يريد تعميم نموذج إسرائيل العنصري على الإمبراطورية الأمريكية وخصوصا الدول العربية والإسلامية العميلة لها ومن ضمنها سلطة أوسلو، ولا ننسى أن جزء من العرب قبل بإسرائيل ويتعامل معها، وعلينا أن لا نتوقع من الحكومات العربية المتخلفة موقف بطولي كالذي وقفته الدول الإفريقية مع نفسها أولاًفي وجه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وهي حتما لن تقف في وجه عنصرية سيدتها أمريكا حتى لو كانت الأنظمة العنصرية جريمة ضد الإنسانية، وبذلك فإن الأنظمة العربية فشلت ليس فقط في تحد التنمية والتطور للشعوب العربية بل هيالآن تفشل في تحدي الوجود عندما قبلت بإسرائيل كما هي وستقبل وترحب بدونالد ترمب الذي هو ليس خطر على الشعوب والحكومات العربية والإسلامية فحسب، بل خطر على العالم.