الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الزلازل السياسية المنتظرة في العالم الإسلامي....حميد لشهب

يتكهن العديد من الملاحظين السياسيين والإستراتجيين والعسكريين والإقتصاديين بأن العالم سيصبح بوجه آخر في الأيام القليلة القادمة، عندما يتسلم ترامب مهامه الرئاسية. والواقع أن أصحاب القرار في العالم الإسلامي عامة والدول العربية خاصة هي المعنية بالأمر أساسا؛ لأن أغلبية السلطات القائمة هشة ولا تتأسس على قواعد شعبية عريضة، بل "سرقت" الشرعية في غفلة عن العالم، كل واحدة بطريقتها، اللهم ما نذر كإيران مثلا. فقد استطاع هذا البلد، الذي تخلص من حكم تسلطي فيما يُسمى الثورة الإيرانية، من فرض نفسه في الساحة السياسية العالمية، لأسباب شتى، ومن بينها على الخصوص عزيمة مسيريه على حمل التحدي اتجاه الإمبريالية العالمية، وبالخصوص الأمريكية منها. في حين سبحت أغلبية الدول العربية في تيار هذه الأخيرة، بل احتمت بها في أكثر من مرة، لتكون النتيجة حاليا هي انجراف التربة من تحت أقدام الديكتاتوريات العربية مجتمعة، من المحيط إلى الخليج. فأزمة سوريا، وعلى الرغم من بشاعتها في حق شعب بكامله وحكومة شرعية لازالت قائمة، كانت المناسبة التاريخية المهمة ليعي المسلم والعربي البسيطين بأنهما مُقادين من طرف حكومات مجرمة، تتواطئ مع القوى الليبريالية الكولونيالية لهدم العالم المسلم جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، بُغية المحافظة على سلطتها ومصالحها؛ ولا يهم كيف ولا بأي شيئ تعيش شعوبها.

 

عندما نتمعن الوضع الراهن للعالم حيث نعيش، في كل تعقيداته وصعوباته، فيمكن أن ننطلق من بديهية بسيطة، تتمثل في كون ما يحدث حاليا ما هو إلا إرهاص، أي مرحلة انتقالية، للوضع العالمي الحالي. لا يتعلق الأمر بتحقق ما سُمي قبل سنوات "بالنظام العالمي الجديد"، بل بنوع من الإنفجار الأيديولوجي على مستويات عدة: فـ "الإمبراطورية" الأمريكية تنهار من الداخل رويدا ورويدا، و"الإمبراطورية الروسية" تحاول استرجاع بيادقها ومواقعها على رقعة الشطرنج العالمية، والأيديولوجية الوهابية لآل سعود تتآكل داخليا وخارجيا، و"البهلوانية الأردوغانية" تُسلي العالم إلى حين، وهيمنة الإتحاد الأوروبي في تراجع نظرا لاستفحال العُطالة وتدفق اللاجئين؛ ونظام الأبرتهايد الإسرائلي، المستفيد الكبير من هذا الوضع يتقوى أكثر؛ بينما يحاول النظام الإيراني، الذي عرف اضطهادا عالميا لسنوات طوال، ضمان موقع له في العالم الذي يتشكل.

 

على ضوء كل هذه المعطيات، وأخرى لم نذكرها هنا، يمكن استشراف واقع المسلمين من خلال أنظمتها القائمة حاليا. ترامب رجل أعمال في المقام الأول، وما استغنائه على راتبه الشهري إلا رمزا، يحاول من خلاله أن يقول بأنه ليس في حاجة إلى مال، بل إلى سلطة. وهي رسالة موجهة أساسا إلى الداخل، لكسب ثقة من اختاره. المشاكل الداخلية في أمريكا أكبر مما نتوقع، سواء على المستوى الإقتصادي والإرتفاع المهول للديون الأمريكية أو على المستوى الإجتماعي ومعايدة ظهور الميز العنصري وتقلص الطبقة المتوسطة. وبهذا، فإن ترامب سيركز أساسا على محاولة ترميم البيت الأمريكي من الداخل، والمحافظة على الفروق الإجتماعية والعرقية، لأنها أساس النظام الأمريكي منذ بدايته. على مستوى السياسة الخارجية، سيحاول ترامب عقد "هدنة" مع روسيا، لأن أمريكا فقدت الكثير من هيمنتها السياسية على المستوى العالمي. قد يحدث أن تتقوى العلاقات الإقتصادية بين أمريكا وروسيا في عهد ترامب، لأن السوق الروسية شاسعة، وقد يتم هذا على حساب العلاقات الإقتصادية لأمريكا مع الإتحاد الأوروبي، الذي يُعتبر منافسا اقتصاديا لأمريكا، لأن مجمل اقتصاده موجه نحو التصدير، مع الإبقاء على التعاون العسكري. لا داعي للتأكيد بأن إسرائيل قد تستفيد من رئاسة ترامب لأمريكا، بل قد تحقق الإستعمار الكامل لفلسطين، في غياب أي دعم عربي للقضية الفلسطينية، بل بالظهور الواضح لخذلان المسؤولين الفلسطينيين لبعضهم البعض من جهة ولغسل العرب والمسلمين أيديهم من قضيتهم، بل تواطئهم مع إسرائيل ضد الحق الفلسطيني كما يتضح ذلك من خلال سياسة التطبيع التركية مع الكيان الصهيوني والعلاقات المباشرة وغير المباشرة لدول الخليج وغيرها مع هذا الكيان الإستعماري والعنصري.

 

كيفما قوَّم المرء الأمر، فإن الواضح هو أن النظام السعودي الحالي هو الخاسر الأكبر حاليا، فقد ظهرت ملامح "اصطدامه" مع الإدارة الأمريكية في السنوات الأخيرة وسيتعزز هذا الإصطدام مع إدارة ترامب، ذلك أن ملف "مشاركة السلطات السعودية" في أحداث 11 شتنبر 2001 -حسب الأمريكيين- سيحضر بقوة، وسيزيد سوء حال الإقتصاد السعودي أكثر مما هو عليه، بل قد تحدث أمور داخلية في السعودية جراء هذا. لا داعي للتذكير بأن ترومب ينتمي للمحافظة المتشددة في أمريكا، وهي محافظة ترى في الإسلام أكبر مشكل في العالم وبأن السلم العالمي لن يتأتى إلا بالقضاء على هذا الدين، لأن مشكل الإرهاب في نطرهم مُتجذر في هذا الدين.

 

لن يكون حال تركيا الأردوغانية أحسن منه من حال آل سعود، فمع ترومب سيفصح المشكل الرئيسي لأردوغان مع الغرب عموما عن نفسه، على الرغم من أن أردوغان، احتسابا لمثل هذا الموقف، ارتمى في حضن الصهاينة. وحتى "انتماء" تركيا إلى الحلف الأطلسي لن يقدم لها أية خدمة تذكر في علاقتها مع الغرب، على اعتبار أنها لا تعتبر في نظر هذا الأخير إلا وسيلة وليس شريكا أمنيا. بإرجاعه لتركيا إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، وانتشاله لبعض النبتات التي حاولت أن تنمو في التربة والمناخ التركيين: العلمانية، حقوق الإنسان، إلخ، يساهم أردوغان في تسريع وتيرة تطور الهوة بينه وبين الغرب، وسيجد نفسه مع ترامب وجها لوجه مع ظله؛ دون أن يعي -نظرا لنرجسيته- بأن القطار قد مر وبأن وجه العالم قد تغير.

 

ما هو مؤكد، اعتمادا على فرضياتنا، هو أن المشكل السوري سيحل، لكن خارطة المنطقة ستتغير، فقد "يصنع" الغرب بمساعدة الروس دويلة بين سوريا والعراق مثلا، وقد تستحوذ إسرائيل على الجولان إلى غير رجعة. وهنا يبقى الدور الإيراني واضح، بما أنها لاعب أساسي في مشكل سوريا. قد تُلهى إيران بهذه الدويلة الجديدة، التي قد تكون شيعية، مقابل تخليها على اليمن؛ وقد يكون العكس، أي تمزيق اليمن إلى قسمين: سني وشيعي، ليستمر التقاتل بين "المسلمين" تحت غطاء عقائدي.

 

هناك إذن زلازل استراتيجية وعسكرية وجغرافية واقتصادية إلخ تنتطر المسلمين في عز هذا المخاض العسير الذي يعيشه العالم الحالي. وهو مخاض سيغير الكثير من الأمور في الأوطان المسلمة، التي دخلته وشاركت فيه من منطلق ضعف. وأهم نتيجة حصلت هي أن المسلمين انقسموا جوهريا بطريقة لم نعهدها في التاريخ، ولن يحدث هناك أي اتحاد، لأن الإختلافات الطائفية لم تؤد إلى خلافات، بلا إلى تطاحنات وتسابق على التسلح وعلى السلطة، ليس فقط بين الشيعة والسنة، بل بين الفرق السنية ذاتها. ستستجمع أمريكا قواها الإقتصادية على عهد ترامب، دون "تلطيخ" يدها بدماء المسلمين من جديد، لأنها وكلت هذه المهمة للمسلمين أنفسهم. كما أن الخطر الحقيقي لأمريكا آت من آسيا لا محالة: اقتصاديا من الصين وعسكريا من كوريا الشمالية. لم تعد الدول المسلمة، والعربية منها بالخصوص، محور السياسة الخارجية الأمريكية، بقدر ما ستركز على هذين البلدين، وحاولة تأجيل صراعها مع روسيا بنوع من "التطبيع" معها إلى أجل غير مسمى.

2016-11-21