الإثنين 3/4/1446 هـ الموافق 07/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'بصمات' على حيطان الأبيسية والحب....د. حميد لشهب.

تعالج رواية "بصمات"، للقاصة الجزائرية ليلى بيران، الصادرة عن دار كوكب العلوم للنشر والتوزيع الجزائرية صيف 2016، موضوع الأبيسية في المجتمع العربي الإسلامي، منضافة إلى العديد من الروايات في هذا الإطار. وطالما لم يحدث أي تغيير جذري في العقليات في هذه المجتمعات، فإن كل إثراء له لن يكون إلا مهما. ما يميز هذا العمل الإبداعي الجديد لبيران -بعد روايتين اثنتين-، هي أنها لا تُحمل مسؤولية "ديكتاتورية" الرجل إلى الرجل وحده، بل ترى بأن المرأة نفسها تتحمل جزء من هذه المسؤولية، لأنها لم تنجح بعد في القيام "بثورة" حقيقية ضد اضطهاد المجتمع لها وحرمانها من الكثير من حقوقها، ومنها على الخصوص الإهتمام الوجداني بها والإعتراف لها بما تقدمه للأسرة، وللمجتمع من خدمات.

 

الواقع أن بيران تضع الأصبع على الكثير من المشاكل التي تترتب على هذا الإرث الثقيل في ثقافتنا. ذلك أن أغلبية الرجال لا تعي بما فيه الكفاية أضرار هذا الأمر، ليس فقط على المرأة، بل على الرجل ذاته، وبالتالي على المجتمع قاطبة. ومن أهم مظاهر هذه الإشكالية اعتبار "حق الرجل" في التحكم في المرأة مسألة دينية، في حين أنها مرتبطة بعادات وتقاليد تسبح في أتون عقلية متخلفة من الألف إلى الياء. كما أن دور "الضحية" الذي أُقحمت فيه المرأة منذ غابر الأزمان، قد أصبح جزء من هويتها، وبالخصوص عند المرأة المنتمية للشريحة الإجتماعية الشعبية الواسعة، بحيث أنها ترى "تبعيتها" أمرا طبيعيا، بل تتقمص في الكثير من الأحيان شخصية المدافعة على الرجل.

 

كما أن الساردة في الرواية، تحكي عن بعض الأمور التي تلجأ إليها المرأة بُغية "سرقة" حقها في العيش الكريم. فأغلبية الفتيات "يَمُتْنَ" رغبة في الزواج، ليس بالضرورة حبا في هذا الأخير، بل للتخلص من كابوسين: سلطة الرجل، سواء أكان أبا أو أخا أو جارا أو حتى مارا في الطريق، وسلطة اختزال "شرف" العائلة في "قطعة لحم" بين فخديها، يطلق عليها إسم "العذرية". وقد نجازف بأطروحة عامة في هذا الإطار، تتمثل في كون الثقافة العربية المسلمة مؤسسة على فهم خاطئ للعذرية، التي تحمل في عمقها ظلما فادحا اتجاه المرأة. لا يخطر على بال أي رجل عربي مسلم، ولربما على بال أية مرأة كذلك، أن تطالب الرجل بعذريته، لكنها تعتبرها "شرط" الوجود تقريبا بالنسبة للمرأة. وإذا حصل أن تزوجت امرأة وتطلقت، فإنها تصبح فريسة رغبات كل الرجال، لأن مشكل العذرية يكون قد حُلَّ، ويمكن، في حالة "الفوز" بها أن تكون موضوعا جنسيا مثاليا؛ لا تضيع أهميته إلا إذا حبلت. وفي هذه الحالة، فإنها تُصبح لا شيئا قانونيا ومجتمعيا.

 

تحيك بيران للساردة حكاية حب غير عادية، ذلك أنها بتشبعها بموقفها من "ظلم" الذكور، لم تعد ترى العالم إلا من هذا المنظار، حتى عندما يتعلق الأمر بنفسها ذاتها. رفضت الحب، لأن الجانب الآخر كان رجلا، ولأنه في عرفها لا يختلف عن كل الرجال في أي شيئ؛ حتى وإن كانت تعترف له بدين تعليمها له لمهنتها. لم تنتبه إلى صدق حبه لها وجديته معها، إلا عندما أنهت العلاقة معه. وفي عز شوقها ولهفته إليه، بحثت عنه ولم تجده. لم يهجرها، بل هاجر بالمرة، لربما حزنا عليها. مثل هذه الأمور تصوير حي بالعدسة الباطنية للروائية لحالات توجد بالفعل، وبالخصوص عند عينة من النساء يختلط عندهن الكبرياء والحساسية المفرطة بظلم مجتمعي أبيسي، إلى أن يخسر المرء كل علاقة مع ذاته. قد تكون الرسالة "الموقوتة" في مشي نقد الأبيسية يدا في يد مع طيمة الحب، هو تنبيه الروائية إلى أن ما قد يجمع الرجل والمرأة هو الحب، والحب وحده، على اعتبار هذا الأخير -إذا كان صادقا من الجانبين- هو الحل الوحيد للعلاقة الغير المتكافئة بينها، بل الجائرة في حق المرأة.

2016-11-28