الأربعاء 26/10/1444 هـ الموافق 17/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جرحى الوطن,,, الأحياء الأموات!!!...رامي الغف

 سنوات وسنوات مرت على اندلاع الانتفاضات والحروب ومازال جرحى الوطن الفلسطيني، يعانون ويكابدون أوجاعا لا تنتهي بل هي تزداد يوما يعد يوم، أوجاعا رسمها القدر على أجسادهم وفي قلوبهم وفي ذاكرتهم، أوجاعا لن تمحي مع مرور الزمن، بل وتتعمق يوما فيوما، شبان وأطفال ونساء وحتى كبار في السن كانوا يصولون ويجولون ويملئون الدنيا عملا وفرحا وسعادة، تحولوا في ليلة وضحاها إلى مقعدين وإلى عاجزين عن قضاء أبسط شؤونهم تحول الفرح في منازلها إلى وجع يؤنسهم في حياتهم، توقف الزمن لديهم منذ ذلك التاريخ وتوقفت حياتهم كذلك، تعقدت حياتهم النفسية والبدنية وأصبحوا أسرى الحزن والألم واستسلموا لعجز لم يستطيعوا مقاومته ولم يقووا على تجاوزه والتغاضي عنه.

جرحى فلسطين ما زالوا إلى اليوم ينتظرون ولو بصيص أمل في الخروج من حالة الإحباط التي دخلوا فيها، ولو لفتة تعيد إليهم النزر القليل مما افتقدوه من صحتهم ومن عمرهم ومن راحتهم ومن مستقبلهم، الذي انتهى لحظة إصابتهم برصاصة أو قذيفة قضت على آمالهم وأحلامهم وأطفأت شمعة عمرهم باكرا وانطفأ معها مستقبل واعد لشبان وأطفال مازالوا يلتمسون طريقهم نحو الحياة، فقدرهم الذي لا مفر منه جعلهم رهائن الإصابة الملازمة لهم منذ لحظة الحادثة حتى آخر أنفاسهم في الحياة الأولى، معادلات كثيرة بل عقوبات قاسية فرضتها آلة الحرب الإسرائيلية على شريحة واسعة من أبناء شعبنا رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً، باتت أجسادهم رهائن لجراح مختلفة في درجة عمقها وخطورتها، خلّفتها أسلحة الحقد الإسرائيلية على مدار حروب ثلاث وانتفاضتين، وفي حقيقة الأمر طويلة تلك القائمة التي دونت فيها المراكز الصحية والجمعيات الخيرية أسماء الجرحى في سجلاتٍ خاصة بحاجةٍ إلى جهود مضاعفة من جميع الجهات الحكومية والخاصة.

إن الوطن الفلسطيني منطقة حروب مستمرة نظراً لوقوعها تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، فينتج عن تلك الحروب آلاف الجرحى، وهو ما يتطلب فورا ضرورة وجود تشريعات قانونية تكفل حمايتهم وتضمن لهم الحقوق والامتيازات، وتضمن لهم سبل مقاضاة المحتل الصهيوني عن جرائمه الدولية، كذلك ضرورة العمل على سن قانون خاص بالجرحى وضحايا الحروب ليضمن حقوقهم القانونية والاجتماعية والمعيشية والصحية، إضافة إلى تأهيل المرافق العامة بما يتناسب مع ذوي الإصابات وضرورة إيجاد آليات للتنسيق بين المؤسسات القانونية والجرحى فيما يخص قضاياهم القانونية ونقل قضيتهم للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، فوضعية الجرحى في القانون الفلسطيني، فالقانون الأساسي نص على ضرورة رعاية الجرحى وضحايا الحروب على أن ينظم ذلك بقانون ولم يصدر قانون للجرحى حتى هذه اللحظة.

ومن هنا نؤكد إن رعاية الجرحى مسؤولية تقع بدرجة أساسية على الحكومة الفلسطينية، فمنظمة التحرير الفلسطينية وضعت قضية الجرحى إلى ملف “ الشهداء و الجرحى” وغُيّب دور الحكومة؛ لأجل ذلك ظهرت المؤسسات الأهلية التي تهتم بالجرحى، وتكمن المشكلة هنا في عدم وجود قوانين خاصة بالجرحى والمتضررين أو وزارة معنية بالجرحى؛ والجريح مشتت بين وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية واسر الشهداء والجرحى، ويعامل كالمعاق بحسب نسبة الإعاقة.

إن جرحانا البواسل يعانون من النقص الحاد الذي يعانيه قطاع غزة من الأجهزة والأدوات المساعدة نتيجة الحصار، فهم بحاجه ماسه إلى تهيئة بيئية ومنزلية، فعملية التأهيل لا تقتصر على توفير كرسي متحرك فحسب، وإنما تشمل التأهيل النفسي والبيئي، ودمج الجريح في المجتمع، وأن هذه العملية تحتاج إلى فترة طويلة، كذلك هناك عدة معيقات تقف أمام المؤسسات الأهلية التي تهتم بالجرحى وأهمها مشاكل الدعم والتمويل غير المنظم من قبل الجهات المانحة، إلى جانب نظرة المجتمع المحلي لهذه الفئة، والأكثر خطورة نظرة الجريح إلى نفسه، حيث يقع تحت تأثيرات الصدمة النفسية ويكون اتجاهات سلبية عن نفسه ومهنته وحياته المستقبلية.

إن جملة من المشاكل الناتجة عن الحصار والحروب الثلاث على واقع الجرحى، تبدأ هذه المشاكل من لحظة إصابة الجريح حيث يتأخر الإسعاف عليه في بعض الأحيان ما يُضاعف من إصابته، وحاجة كثير من الجرحى إلى عمليات جراحية لا يمكن إجراؤها داخل القطاع بسبب قلة الإمكانات والقدرات، ما أدى إلى وجود قوائم انتظار طويلة من الجرحى الذين هم بحاجة ماسة للسفر للعلاج، إلا أن الحصار وإغلاق المعابر حال دون ذلك، إضافة إلى عدم توافر أنواع عديدة من الأدوية والمستلزمات الطبية وأن هناك قوائم صفرية من الأدوية، كذلك الحصار والفقر والبطالة والذين أثروا على شريحة الجرحى بشكل سلبي ومُضاعف، إلى جانب أن فرصتهم في العمل أضحت ضئيلة، حيث لا تلاءم الجريح كل الوظائف والمهن.

إن من أبرز المشاكل التي تواجه الجرحى كذلك هي غياب الخدمات الصحية والاجتماعية عنهم خاصة في الشح الكبير من الأدوية و المستلزمات الطبية والعكاكيز والأطراف الصناعية وشبكات العيون والقرنيات، وأن المشكلة الأكبر غياب دور وزارة الصحة لاسيما في ظل حكومة الوفاق، ما أثر سلباً على واقع الجرحى في القطاع.

ومن هنا فإن مسؤولية رعاية الجرحى وتوفير الخدمات التي يحتاجونها؟ هي مسؤولية مشتركة تقع بصورة أساسية على المؤسسات الحكومية، إلى جانب تكاتف المؤسسات الأهلية في هذا الجانب، وعلى دور وسائل الإعلام المختلفة كذلك تفعيل قضية الجرحى وتسليط الضوء على معاناة وآلام الجريح، ودوره في تغيير ثقافة المجتمع تجاه الجريح.

في الواقع جرحى قطاع غزة لا يتمتعون برعاية كافية من الحكومة بل يعانون من نقص الخدمات التي من المفترض أن تسعى الحكومة إلى توفيرها، فيما تتولى الجمعيات الخيرية الجزء الأكبر من رعاية الجرحى، مبيناً أن المؤسسات الأهلية تبقى عاجزة ما لم يتوفر التمويل الذي يلبي احتياجات الجرحى، فيما يبقى دور الحكومة دون المستوى المطلوب في دعم هذه الشريحة المُغيّبة.

إن الرعاية التي يطمح بها الجرحى هي التأهيل المتكامل و الشامل للجرحى في جميع جوانب التأهيل الصحي، المهني، النفسي، الاجتماعي، على مستوى عالٍ من الجودة الشاملة، وهنا نطمح أن يتم تعزيز الوعي المجتمعي بمكانة الجريح وتضحياته، ويتم رفع صوت الجرحى للتعبير عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم لتمكينها ضمن قوانين ولوائح معترف بها في كافة الأصعدة والمحافل.

ومن هنا فإننا ندعو لتشكيل وزارة أو هيئة رسمية ترعى شؤون الجرحى وتلبي احتياجاتهم، إضافة إلى إصدار قوانين خاصة بالجرحى تدافع عن قضيتهم وتحمي حقوقهم، واعتماد جرحى معركة الإعداد والتجهيز في المؤسسات الرسمية والأهلية كجرحى لهم كامل الحقوق فهم من صنعوا لشعبنا وقضيتنا مجدهم حسب تعبيره، كذلك نطالب بضرورة منح علاوة صحية لمن هم بحاجة لعلاج وأجهزة طبية وأدوات مساعده وتأهيل, بشكل متواصل تتضمن بدل لوازم طبية مثل أطراف صناعية وصيانتها واستبدالها بالإضافة إلى موضوع العيون واستبدالها بشكل دوري كل ثلاث سنوات، مشدداً على ضرورة إلغاء قانون نسبة العجز 40% الذي وصفه بالمجحف، لأنه يحدد العجز وفق مدى القدرة على العمل بعد الإصابة، فيجب العمل على أن ينال الجرحى حقهم من منح الحج السنوية أسوة بالأسرى والشهداء.

لذلك نطالب أيضا بتوحيد جهود الجرحى خلف قضيتهم وعدم ضياع جهودهم وجهادهم وآلامهم في تقسيمات فصائلية تضيع معها الحقوق فهم الضلع الثالث من مثلث النضال والجهاد والمقاومة إلى جانب الشهداء والأسرى، وإننا نتقدم في هذا المنبر بما يلي :

*ضرورة أن يكون الثالث عشر من شهر مارس من كل عام يوماً وطنياً للجرحى تقديراً لتضحياتهم، وضرورة تبني قضية الجرحى باعتبارها قضية وطنية لا تخص فصيل دون الآخر والعمل على المساواة بينهم.

*العمل على تبني قضية الجرحى من قبل الكل الفلسطيني باعتبارها قضية وطنية لا تخص فصيل دون الآخر والعمل على المساواة بينهم.

*العمل على تشكيل وزارة أو هيئة رسمية ترعى شئونهم وتلبي احتياجاتهم

*العمل على توفير كل ما يلزم من احتياجات طبية وتأهيلية واجتماعية

*ان يتم اعتماد جميع الجرحى الذين لديهم عجز من جميع الفصائل في مؤسسة الشهداء والجرحى دون تمييز.

*استيعاب الجرحى داخل كافة مؤسسات الوطن، والعمل على اصدار قوانين خاصة بالجرحى تدافع عن قضيتهم وتحمي حقوقهم

*منح علاوة صحية لمن هم بحاجة لعلاج وأجهزة طبية وأدوات مساعده وتأهيل, بشكل متواصل تتضمن بدل لوازم طبية مثل أطراف صناعية وصيانتها واستبدالها بالإضافة إلى موضوع العيون واستبدالها بشكل دوري كل ثلاث سنوات.

*أن يشمل التأمين الصحي الكراسي المتحركة والأحذية الطبية والعكاكيز واللوازم الطبية وعلاج التقرحات التي تصيب الجرحى وهي قضايا لا يشملها التأمين الحالي

*إلغاء قانون نسبة العجز 40% باعتباره قانونا مجحفا بحق العديد من الجرحى، وتحديد العجز وفق مدى القدرة على العمل بعد الإصابة.

*نطالب أن لا يبقى الجرحى وضحايا الحروب مستثنيين من منح الحج والتعليم الجامعي وترخيص المركبات أسوة بالأسرى والشهداء.

وختاماً ندعو الأخ الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله بالاستجابة لهذه المطالب العادلة والمشروعة للجرحى والمتضررين، كونها مطالب تنسجم ومكانة هؤلاء الأبطال الذين يحملون على أجسادهم نياشين وأوسمة البطولة والجهاد، وتأمين الحياة الكريمة لهم بما يحفظ مكانتهم فهم لم يبخلوا يوما في تلبية نداء الواجب فكانوا في الطليعة وفي الصفوف المتقدمة دفاعا عن الأرض والشعب والقضية، فأعداد الجرحى من أبناء شعبنا الفلسطيني قد بلغت أكثر من 140 ألف جريحٍ منذ احتلال فلسطين عام 48 وحتى العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فيما تجاوزت أعدادهم فقط في قطاع غزة المحاصر أكثر من 74 ألف جريح، ومقابل ضخامة أعداد الجرحى إلا أن قضيتهم لا تزال تلقى تهميشاً كبيراً.

إننا نثمن هنا دور الجرحى في الصمود، فبصبرهم وصمودهم يعززون إرادة الشعب وعلى الجميع الوقوف معهم، فهم يمثلون المحور الثالث بعد الشهداء والأسرى في صمود القضية الفلسطينية.

*الإعلامي والباحث السياسي

 

2016-11-28