إن البحث والتمحيص في مدى قانونية القرار الصادر من -رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية- برفع الحصانة البرلمانية عن خمسة نواب بالمجلس التشريعي وذلك بتاريخ 12/12/2016, يقتضي منا أن نقوم بالبحث في مدى قانونية القاعدة التي بُني عليها وما أقصده هنا بالقاعدة ,القرار التفسيري للمحكمة الدستورية رقم (3) لسنة 2016م بتاريخ 3-11-2016م, والذي منح لرئيس السلطة الحق في رفع الحصانة البرلمانية عن أية عضو من أعضاء المجلس التشريعي وذلك عبر اصدار قرار بقانون.
بادئ ذي بدء, إن قرار المحكمة سابق الذكر يُعتبر من الناحية القانونية منعدماً ولا يرتب أية آثار قانونية أي خالٍ من أي قيمة قانونية فهو العدم سواء وسندنا في ذلك ما يلي :-
1-من المعروف قانوناً أنه لكي نصبغ هذا القرار بالصبغة القانونية فإنه يتوجب أن يكون صادراً عن محكمة مُشكلة تشكيلاً صحيحاً لا اعوجاج فيه ولا يشوبه أية مخالفة لأحكام القانون, وألا ينطوي مضمونه على أي تعديل أو مخالفة صريحة أو ضمنية لأحكام القانون الأساسي ,وبناء على الشق الأول من هذا السند فإننا اذا ما نظرنا لتشكيل المحكمة سالفة الذكر سنجد أنه جاء منتهكاً ومخالفاً لأحكام قانونها والقانون الأساسي الفلسطيني ,حيث تم أداء اليمين القانونية في ظل عدم وجود رئيس المجلس التشريعي وفي ذلك انتهاك صارخ لما جاء بنص المادة (7) والتي توجب أن يؤدي رئيس المحكمة ونائبه وقضاتها اليمين أمام –رئيس السلطة الوطنية –و بحضور رئيس المجلس التشريعي ورئيس المجلس القضاء الأعلى قبل مباشرة أعمالهم ,وأيضاً يُشكل انتهاكاً لما جاء بنص المادة (103) من القانون الأساسي,وبناء على ذلك يعتبر القرار التفسيري رقم (3) لسنة 2016 منعدماً لصدوره عن محكمة مشكلة تشكيلاً باطلاً.
2-على الرغم من كفاية السند الأول لوحده بجعل القرار التفسيري الصادر عن المحكمة الدستورية منعدماً وبالتالي يعتبر قرار الرئيس الصادر برفع الحصانة منعدماً ايضاً وذلك عملاً بقاعدة "ما بُني على باطل فهو باطل", إلا أن هناك سنداً آخر كفيل ايضاً بجعل هذا القرار منعدماً,جيث اذا ما سلمناً جدلاً بأن المحكمة الدستورية تم تشكيلها بشكل صحيح لا يشوبه أي شائبة بطلان ,فإن السؤال المطروح هنا هل القرار التفسيري سابق الذكر يوافق أحكام القانون الأساسي الفلسطيني ؟!
بدايةً إن الحصانة البرلمانية تعتبر استثناء من القانون العام ,اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى ,وهذه الحصانة لم تُقرر لمصلحة النائب كشخص بل لمصلحة سلطة الأمة ولحفظ كيان التمثيل النيابي وصيانته ضد أي اعتداء, وقد كفل القانون الاساسي هذه الحصانة ونظم بعض أحكامها بنص المادة (53), بل وإنه لم يُجز للعضو التنازل عن الحصانة البرلمانية دون الحصول على إذن مسبق من المجلس التشريعي وهذا إن دلل على شيء, إنما يدلل عن رغبة المشرع وإمعانه في حماية الحصانة البرلمانية , عبر عدم اعتداده بأي تنازل خارج إطار المجلس وذلك لمظنة أن يكون قد تم ذلك التنازل تحت وطأة الإكراه أو التهديد من قبل السلطة التنفيذية تجاه النائب, وكذلك يوضح لنا بشكل جلي ان مقاصد المشرع حينما وضع القانون الأساسي كانت تتجه لإرساء استقلالية مطلقة للسلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية الأمر الذي يغدو معه رفع الحصانة البرلمانية بواسطة أي سلطة أخرى بمثابة مخالفة سافرة لمقاصد المشرع .
وفي ذات السياق بين النظام الداخلي للمجلس التشريعي أحكام واجراءات رفع الحصانة البرلمانية بنص المادة (96) بحيث جعلها أي رفع الحصانة ,سلطة حصرية واختصاص اصيلاً وجوهرياً للسلطة التشريعية فقط, و بناء على ذلك اذا ما دققنا النظر في القرار التفسيري رقم (3) لسنة 2016 الصادر عن المحكمة الدستورية سنجد أنه يُشكل انتهاكاً صارخاً لأحكام المادة (53) وكذلك (96) ,حيث أنها حينما خولت الرئيس صلاحية رفع الحصانة فإنها بذلك قامت بتعديل أحكام القانون الأساسي في حين أن السلطة المنوط بها تعديل أحكامه هي المجلس التشريعي وذلك بعد موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس على التعديل وذلك عملاً بنص المادة (120) .
3-إن المحكمة الدستورية عندما منحت الرئيس الحق في رفع الحصانة عبر اصدار قرارات بقانون ,استندت لنص المادة (43) من القانون الأساسي والتي تجيز لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير ادوار انعقاد المجلس التشريعي , إصدار قرارات لها قوة قانون,ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات,,
سؤالي الموجه لهيئة المحكمة مع الاحترام ,هل تعذر رفع الحصانة البرلمانية عن أي عضو بالبرلمان لأي سبب كان سواء تعطيل المجلس التشريعي أم غيره,يدخل ضمن نطاق حالة الضرورة التي قصدها المشرع؟؟!!
المنطق الدستوري يقتضي العودة الى مقصد المشرع من وراء تنظيمه لهذا النص ,المشرع رأى أن هناك حالات طارئة تهدد استقرار النظام العام في المجتمع بحيث أنها لا تحتمل التأخير أو الانتظار ريثما يتم انعقاد المجلس التشريعي ليقوم بتنظيم كيفية التعامل معها بسن قوانين ناظمة , وهذه الحالات كما يعرفها الفقه الدستوري هي الحالات التي تنطوي على خطر حال مباشر يهدد السلامة العامة للمجتمع السياسي أي كيان الدولة أونظامها الاجتماعي أو الاقتصادي بأضرار جسيمة,و كما نرى هي-الضرورة- حالة تتصف بعموميتها , وكما نعلم فإن "الضرورة تقدر بقدرها"باعتبارها استثناء يجب أن لا يُتوسع فيه وأن يُضيق في مداه بقدر الإمكان ,وبناء على ذلك إن اعتبار تعذر رفع حصانة النائب, يدخل ضمن نطاق حالة الضرورة, مع الاحترام , فيه كثير من الغلو والشطط في التفسير,ولا يمت للمنطق الدستوري بأي صلة كانت, ويتعارض مع مقصد المشرع وعلة النص ,وأن ذلك يعتبر بمثابة فتح الباب على المحراب للسلطة التنفيذية ومنحها الحرية المطلقة بخرق أحكام القانون وانتهاكها والتحجج بأن هناك حالة ضرورة استدعت ذلك.
سؤالي الأخير لهئية المحكمة الدستورية مع الاحترام, من باب القياس هل تعذر رفع الحصانة القضائية عن أحد القضاة أو أعضاء النيابة العامة في فلسطين تحت أي سبب من الأسباب,يدخل في نطاق حالة الضرورة بما يُجيز للرئيس اصدار قرار بقانون ورفعها عن القاضي الذي يريد ؟؟!!!
هذا والله ولي التوفيق،،،،