ناقشت الحكومة في اجتماعها المنعقد الثلاثاء الفارط موازنة السلطة للعام 2017، وهو أمر متأخر قانونيا لكنه اجرائيا أفضل من السنوات الفارطة، لكن لم تعد الأطراف المختلفة تهتم به بقدر الاهتمام بمعرفة العجز والإجراءات المالية اللاحقة لإقرار الموازنة ذاتها. في السياق نفسه ما زالت الحكومات المتعاقبة غارقة في الحديث عن التقشف عند مناقشة الموازنة دون ممارسة فعلية أو الحصول على نتائج لهذا التقشف.
أجزم أن التصريحات أو النقاشات المتعلقة بالموازنة التي لا تترجم الى إجراءات فعلية لا تعدو عن كونها فقعات هوائية غير قادرة على التغيير أو إحداث تطور ذي قيمة أو أي قيمة إضافية. فالحديث عن "المحافظة على نفس مستوى التعيينات الوظيفية وترشيد آليات صرف الإعانات الاجتماعية والمراجعة الدورية لها، وترشيد تكلفة عقود التشغيل، واستكمال ترشيد وتصويب صافي الإقراض (المبالغ المقتطعة من الجانب الإسرائيلي) خاصة في قطاع الكهرباء، وترشيد التحويلات الطبية الداخلية، وتحسين جباية الضرائب" كما جاء في البيان الحكومي. وهو حديث مكرر بشكل سنوي لم تقوَ أي حكومة على إنجازه، ولعدم المغالاة فإن الإنجاز في هذه الموضوعات محدودة للغاية، أو السيطرة عليه. وذلك بسبب أن المشكلة الرئيسية ليست في هذه الموضوعات لوحدها بل في الخلل الهيكيلي البنوي، على حد تعبير تقارير لجنة الموازنة في المجلس التشريعي الأول على مدار سنوات طويلة.
في ظني أن حل مشكلة عجز الموازنة لا يمكن أن يكون ببرامج تقشف أو ترشيد دون حلول جذرية للخلل الهيكلي في الموازنة المتمثل بالرواتب واشباهها والتي تشكل ثلثي الموازنة ذاتها، وهي تدل على تضخم كبير في القطاع العام بشقيه المدني والعسكري، وتحول الحكومة بهذا المعنى الى مقدمة لمساعدات اجتماعية أكثر منها تشغيلية. وفي ظني أيضا أن الحكومة لن تجرأ على نكأ هذا الجرح الغائر والمكبل لها ولأي حكومة في المستقبل؛ فهي لم تجرأ على تفعيل قرارها المتعلق بالتقاعد المبكر الذي يحتاج الى جرأة في الاجراء وابداع في الموضوع، في انجاز موازنة متوازنة أو قادرة على تلبية متطلبات العمل الحكومي وخدمة المواطنين وتحويلها الى موازنة برامج وأداء بدلا من موازنة بنود.