د. حميد لشهب، النمسا:أكد مؤتمر ميونيخ الأخير للمرة المليون بعد الألف بأن فلسطين قد بيعت بأبخس الأثمان من طرف تركيا والسعودية في المزاد العلني العالمي. "فالسلطان البهلوان" التركي، الذي يمشي قُدما في تأسيس أبشع ديكتاتوريات العالم المسلم في بلاد أتاتورك، مضحيا بالغالي والنفيس من أجل ذلك ليغض عنه الأمريكان وإسرائيل وأروبا الطرف في ذلك، قد عرى عن عورته في الساحة السياسية العاليمة في ميونيخ وسقطت كل الأقنعة التي يرتديها أمام الملأ ولم يعد يتمتع بأية مصداقية للحديث كمسلم. حاشى لله أن يكون أردوغان مسلما وهو يبيع ويشتري في مصير المسلمين عامة والفلسطينيين بصفة خاصة. إن الأمة المسلمة تتبرأ من إسلامه، لأنه بالكاد راضع من ثدي الصهيونية وحامي أيديولوجيتها وتدبيحها للشعب الفلسطيني. لا داعي هنا لذكر القذارة التي تتعامل بها السعودية مع العالم المسلم، وكأن حال لسانها يقول: من أجل مصلحة حفنة من "عبدة الدولار"، ليذهب الإسلام والمسلمون وحتى كل السعودية إلى الجحيم. فثلة من أمراء النفط، الخدام الأوفياء للإمبريالية الصهيو-أمريكية، وبإيهام العالم السني بأنهم "يحاربون" من أجل ردع الشيعة، الممثلين في إيران، يتسابقون كالذباب إلى بركة المستنقع الإستعماري، ووأد القضية الفلسطينية في محراب الكلونيالية الجديدة. لا يعرف أي مسلم ما هو الخطر الذي تُمثله الشيعية على العالم المسلم، وهو الخطر الذي أصبح أيديولوجية في يد حكام السعودية، الذين يُعتبرون في حد ذاتهم -بشهادة الأمريكان ذاتهم- أخطر خطر على الإنسانية، بل أصبح أيديولوجية شعوبية تُرهب به السعودية السنة؟ (أقول هذا وأنا سني مالكي). الحال أن السعودية وتركيا قد أبانا في ميونيخ نهاية الأسبوع المنصرم، بأنهما مستعدان للتحالف مع الشيطان لكي لا يتحرر الشعب الفلسطيني. وتمثل السعودية طابورا من السلطات العربية المسلمة التي تسبح في فلكها من المحيط إلى الخليج، والتي عملت على خرس أفواهها بملئها بحفنة من الدولارات كلما خُيّل لها بأنها سينطق بكلمة ما، وتحكمت في رقبتها بإذلالها وتسخيرها لمصالحها. ليس هناك استثناء بين الحكام العرب، سواء في المغرب أو الجزائر أو تونس أو مصر أو الأردن أولبنان واللائحة طويلة، ممن يطوفون بكعبة آل سعود قبل طوافهم بالكعبة، وهذا هو بالضبط بيت القصيد. لقد انتظر العالم العربي والمسلم ما فيه الكفاية تطبيق حكامه لمبدأ التحرير الفعلي الكلي للأرض المسلمة من قبضة الإستعمار. ونالت كل الدول المسلمة "استقلالها" السياسي باستثناء فلسطين. والحال أن فلسطين هي كبش فداء حكام العالم العربي، يضحون بها كلما شعروا بتزعزع "عروشهم"، لأنه لم يتربعوا عليها بتفويض من شعوبهم، بل استولوا عليها وورثها لهم الإستعمار في الغالب ، قبل أن يغادر. لم يخب الأمل فقط في هؤلاء الحكام بُغية تحرير فلسطين من قبضة استعمار عنصري فاشي، بل اتضح بما فيه الكفاية بأنهم يشجعون الصهاينة على تنحية الفلسطيني من وجه الأرض ويساعدونهم على ذلك. والوجه الكارثي هو أنهم يوهمون شعوبهم العربية المسلمة بأنها "تستميت" في الدفاع عن فلسطين وأهلها. ونحن كشعوب، ولسذاجة الغالبية العظمى منا، نثيق في أقوال "حكامنا" ووسائل إعلامهم وأبواقهم الخفية والعلنية. حان الوقت أن نكسر كل القيود ونجهر بكل الحقائق. فمن يزعمون في فلسطين بأنهم يمثلون الشعب الفلسطيني ما هم في الواقع إلا نسخة مطابقة للأصل للحكام العرب. حان الوقت لتستيقظ الشعوب العربية من سباتها العميق فيما يخص القضية الفلسطينية، وتُخرس صوت العميل أردوغان وبيادق الصهيو-إمبريالية في شبه الجزيرة العربية. حان الوقت للشباب بالخصوص للقيام بشيئ بسيط: مسيرة عربية سلمية من المحيط إلى الخليج اتجاه أرض فلسطين ضد الإحتلال الصهيوني. لم يعد هناك أي أمل في حكامنا، لنأخذ كشعوب عربية بزمام المبادرة ولندافع عن قضية كل العرب بطريقة سلمية: مظاهرة شعبية حاشدة من شباب المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان وموريتانيا وسوريا والعراق ولبنان والأردن إلخ. ليست ككل المظاهرات، لكنها مظاهرة تنطلق من المغرب الأقصى اتجاه المسجد الأقصى مارة بكل الدول العربية الآنفة الذكر بمنطق الدفاع عن الحق المشروع بطريقة سلمية حضارية. لا يمكن تحرير فلسطين من الأبرتهايد الصهيوني إلا إذا تجند الشباب العربي لهذه القضية، وليجعل منها هدف حياته ما دامت السلطات القائمة في الدول المسلمة حرمته من أي هدف في الحياة بحرمانه من التعليم والتطبيب والتشغيل. ماذا بقي للشاب العربي المسلم في أيامنا هذه من غير النضال من أجل تحرير فلسطين؟ أهناك هدف أسمى آخر يضاهي هذا الهدف في الحياة؟ تخاذل أردوغان وآل سعود على القضية الفلسطينة مجددا في ميونيخ، وتآمرا، بمساندة غير معلنة من دول مسلمة أخرى، مع الصهاينة والإمبريالية الغربية ضد المسلمين، وآن الآوان ليستيقظ الشباب المسلم للدفاع السلمي عن قضاياهم بأنفسهم، فقد فهمنا بأن لوبيات العرب، إن كانت توجد بالفعل، تساند الإحتلال الغاشم لأرض فلسطين، وليمت كل العرب الخونة وتعيش فلسطين.