الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سرطان في الكبد....بدوي الدقادوسي

سرطان بالكبد

طرقاتٌ خفيفة بقبضة معروقة على باب غرفة ، تزداد القبضة تشنجا فتزداد الطرقات ارتفاعا ، تشهر صاحبة القبضة سلاح العويل والصراخ في وجه الفضاء الساكن ؛ تتجمع كل كفوف البيت ، الباب الموصد لا يفتح ، استجار الأب بنجار ؛ ليجدوا الفتاة على فراشها تنظر صوبهم بعين خالية . قررتْ ألا تدخل اختبار السنة النهائية بالطب؛ وألا تبرح غرفتها ، لم يهتز لها جفن أمام عين الأم المنسكبة وصمت الأب العاجز ، الغرفة قبر تهرب فيه إلى حياة ، لا يعرفون عنها شيئا إلا من خلال صرخات تشق سكون الليل وتشنجات وضحكات ودبيب . سكنت الخطوات وسكتت الصرخات وماتت الضحكات ، فالتاع قلب ذات العينين المنسكبتين، والرجل المهزوم يهرع ثانية نحو النجار ، ليجدوها جثة . ذاع الخبر ، بدأت العقول في ترتيب قصص تناسب الحدث ، ومقدمة برنامج " سبايا الليل " تستقبل مُخرجات عقولٍ أصابها إمساك وألسنة أصابها إسهال ، أكد الشاب الوسيم أنها لم تمت ؛ ففي هدأة من الليل تفتح له شباك غرفتها لتقدم ما تعجز عنه عاهرة . الشيخ الجليل الذي لم يقترف ذنبا أكد أنها تأتي للمسجد في السَحر ، لتُرتّل آي الذكر، حتى إذا ما قدموا لرفع آذان الفجر انصرفت بسلام . بعصبية ضغطتُ " ريموت " التلفاز ، استوقفني برنامج " صدق الشمس " يناقش المذيع مع ضيوفه الحكم الصادر بإعدام خمسة آلاف شاب في القضية المعروفة إعلاميا " باللوح المحفوظ" و ترجع أحداثها لشهور مضت ، وقد وضح من أحراز القضية أن هؤلاء الشباب يستحضرون روح هامان ليبني لهم صرحا يلجون منه للسماء ويسرقون اللوح المحفوظ . ضغطت " الريموت" بتشنج ، استوقفني تسريب بالصوت والصورة على قناة " المهمشين " لاجتماع دعا إليه مدير العسس بالإعلاميين ، وقد وجه الشكر لمذيعة برنامج " سبايا الليل " التي ظهرت في الاجتماع كما ولدتها أمها وقد اقترب منها مدير العسس وهو يحمل لفافة تبغه التي شارفت على الانتهاء ، التفتَ يمنة ويسرة لم يجد مكانا يطفئ فيه اللفافة ؛ فضمتْ ثدييها بين كفيها ليطفئها بينهما ؛ أخذت تصدر أصواتا تشي بلذة ومتعة فكافأها بابتسامة تنم عن رضا . ازدادت الابتسامة اتساعا حين وقعت عيناه على مذيع برنامج " صدق الشمس " الذي هرول منحنيا وهو يرفع يديه بالتحية حتى هوى على الحذاء مقبلا . التفت الرئيس نحو بقية الحضور ، قال بتجهم : و عزتي وجلالي " إن لم تشعل برامجكم الفضاء ، لأصلبنكم و لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف " وأشار بيده فانصرفوا يتوارون خلف بعضهم . حين اختلى بمساعديه وجه كلامه نحو أحدهم غاضبا " لقد انتشرت رائحتك كحريق شب في مصنع إسفنج ، وليس لدينا وقتا نزيل خزيا قد يعفر جبهة مولانا الوالي ، نفذت رصاصة في منتصف الرأس . مددتُ يدا مرتعشة ؛ قلبت القناة توقفتُ أمام برنامج " الثورة البيضاء " .. إذا تحلل جسد الوطن لا يستطيع شخص أن يتحمل رائحة نقية ، فتبا لمن ينشرون السم في العسل .. ساداتي آنساتي كونوا برفقتي إلى زنزانة مساعد مدير العسس الذي انتحر أمس بعد القبض عليه متلبسا برشوة مائة مليار دولار ، وقد جاء في تقرير الطب الشرعي أن النزيل ظل يضرب رأسه بالحذاء طوال الليل حتى سقط المخيخ مستقرا في كف القدم . عدت لبرنامج " سبايا الليل " الكاميرا على وجه الأب الذي انزوى مواريا أشلاءه وقد أبى أن يدلي بكلمة ، انتقلت الكاميرا لوجه الأم ، الحروف تخرج مبتلة بدموع القهر " ابنتي نبع من الطهر لوثته دلاء اعتادت نزح بيارات بيوت نجسة . قناة " المهمشين " تبث تسريبا جديدا بالصوت والصورة لرئيس العسس والمذيعة عارية بمكتبه وقد اقترب منها وأخذت سبابته تلهو في مكان بجسدها كان يطلق عليه في حقبة ولّت " موطن العفة " ثم قال مبتسما : " استمري فمازالت قرارات كثيرة تحتاج إلى تمرير " اقشعر بدني ، عدت للبرنامج ، مقيم الشعائر بالمسجد يؤكد أن الفتاة لم تمت وأن ما تم دفنه لم يكن سوى دمية ، وأنه يرى الفتاة كل ليلة بالمسجد وما قاله الشباب الماجن عنها محض هراء وهو وحده الذي يملك الحقيقة الساطعة ! فحين تخرج الفتاة ليلا يرتبك الليل ، تتقافز البيوت محتمية بها ، وأن كثفا من السماء تستقر في كفيها ، و النجوم تتشبث بخصلات شعرها ، وأن الله عاقب نساء الحي حين لم ينصفنها بأن يحملن كُرها ، ويضعن كرها ، وأن تدمى خصورهن بدم فاسد كل شهر . بادرته المذيعة: إذن الفتاة لم تمت على حد زعمك؟ نظر صوبها دامعا " لقد أنهكتها آثامنا فاعتزلتنا وقد أسندت ظهرها لجذع نخلة على قارعة البسيطة ، مر بها كهول راودوها عن نفسها ، استعصت ، ثقبوا صدرها ، اجتثوا قلبها ‘ زرعوه بين أفخاذهم وهم منتشون . انتقلت الكاميرا على وجه الشقيق المكلوم وقد راع الجلوس سكينا بيده وهو يقسم أنه سيقتل جثتها ويخلص من عار يلاحقه ، هرع خارج الاستوديو والكاميرا تلاحقه والرجال والنساء والأطفال ، وصل القبر أخذ ينبش بجنون ولكنه لم يعثر على الجثة . سرى همس في الوقوف أن موعد حلقة الشيخ " ميزو " قد اقترب ؛ سيقص على الناس كيف رأى الله جهرة . انطلقتُ صوب الشرفة ‘ وددت لو ابتلعتُ كماً من الهواء يعيد الحياة لرئة كادت أن تلتصق ، انتبهت على " الريموت " في يدي ،طوحته بأقصى ما يمكنني، شعرت براحة لم أشعر بها من زمن ؛ عدت لفراشي أحلم بنوم عميق ، تسمرت مكاني مرعوبا حين وجدت " الريموت " يتمدد بطول الفراش .

2017-03-09