لا يغفل الجمهور الفلسطيني عن وجود أزمة في العلاقة الفلسطينية المصرية في الآونة الأخيرة. لكن الطرف الفلسطيني الرسمي لم يعلن أو يوضح؛ رغم الهمهمات والثرثرات هنا وهناك في "الغرف المغلقة" عن هذه الازمة، أو يرغب في الولوج الى صٌلبِها أو الحديث عن تجليات انفجارها رغم وضوحها للعيان.
تعود "جذور" هذه الازمة الى قمة العقبة التي رتب لها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري السابق دون الإفصاح عنها، تلاها تدخل الرباعية العربية في الخلاف الفتحاوي الداخلي بطلب إعادة النائب محمد دحلان لحركة فتح، ومن ثم التقارب المصري الحمساوي والتغيير في طبيعة العلاقة مع قطاع غزة ومنح النائب محمد دحلان دورا مركزيا في فتح معبر رفح ومن ثم مؤتمرات عين السخنة، وسحب مصر لمشروع قرار ادانة الاستيطان من أمام مجلس الامن، وكان آخرها منع اللواء جبريل الرجوب من دخول الأراضي المصرية وعودته من مطار القاهرة؛ وكأن الامر يسير بالاتجاه المعاكس للرئيس محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. أغلب هذه الأمور تبقى في إطار السياسية والمصالح وعض الأصابع يمكن تحملها من قبل الجمهور أو كأنه يقول لا دخل لنا في المناورات السياسية أو في مناكفة كهذه.
يعلم الفلسطينيون ان العلاقة بين مصر، في ازمنتها المختلفة، وفلسطين ثابتة لا انفصام فيها مهما تغيرت النظم أو تبدلت أولويات الدولة أو اختلفت المصالح "إذا جاز التعبير"، ويدرك الفلسطينيون مساهمة مصر الكبيرة، شعبا وجيشا ونظاما، في نصرة القضية الفلسطينية، وحرصها "أي مصر" على استقرار الوضع الفلسطيني الداخلي واستتبابه. ويستوعب الفلسطينيون بشكل كامل الهواجس المصرية سواء على نظام الحكم في السلطة الفلسطينية أو في وضع قطاع غزة ومدى خطورة الانقسام الفلسطيني، وفي خطورة الإجراءات الاحتلالية في الضفة الغربية. ويتفهم الفلسطينيون أيضا أن الحكومات المصرية تنظر الى فلسطين، وبشكل خاص قطاع غزة، أنها جزء المجال الحيوي للدولة المصرية. والذي ترغب بان يكون مستقرا ومحققا لمتطلبات الامن المصري.
لكن في المقابل لدى الفلسطينيين حساسية عالية ومرتفعة في أمرين رئيسيين هما: التدخل في الشأن الفلسطيني أو كما يراه الفلسطينيون بأنه شأن داخلي؛ كتدخل الرباعية العربية في حل الخلاف الفتحاوي الداخلي وان بقي ضمن المؤسسة الرسمية الفلسطينية والفتحاوية. كما اثار إعادة أمين سر اللجنة المركزية لحركة من فتح من مطار القاهرة "غضبا شعبيا مكتوما" بسبب الحساسية المفرطة لدى الفلسطينيين لما تعرضوا له في العقود الماضية من طرد وترحيل وتوقيف على حدود الدول العربية والأجنبية، بل ان الفلسطينيين يرتادهم الخوف وأحيانا الرعب عند عبور كل حدود عبر الجسر أو المعابر البرية أو المطارات أو الموانئ وحتى ان كان يحمل جواز سفر دبلوماسي أو أجنبي وليس فقط المواطن المغلوب على أمره وينظر الفلسطيني عادة خلفة ليتأكد أنه قد سمح له بالمرور على الرغم من عبوره اصلا.
هذا المقال لا يحمل الدعوة الى أزمة بقدر تشخيص هذه الازمة بل بشكل أعمق يحمل الى العودة لركائز العمل المشترك والعودة لمعالجة تجلياتها وجذورها عبر المؤسسات بصراحة ووضوح دون مواربة ودون التقليل من اختلاف المصالح بين الطرفين. وفي ظني أن انعقاد القمة العربية المنتظر نهاية هذا الشهر بالعاصمة الأردنية فرصة للحوار الجدي لتجاوز الازمة وتحدي الصراحة الممكن، وأيضا وضع قواعد لتطوير العلاقات الفلسطينية المصرية المستقبلية.