الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
شكل التعليم الفلسطيني-1- .... بقلم: محمد عودة الله

في هذا المقال سيتم طرح شكل التعليم الفلسطيني للنقاش بمعزل عن محتوى المنهاج والذي سيتم نقاشه في مقالات لاحقة، ومن البديهي أن يتم التركيز على التربية والتعليم لأنها أحد أهم أدوات رقي الأمم وتحررها، ويمكن أن تكون أحد أهم عوامل ركودها وفسادها إذا أسيء استخدامها.

        في البداية دعنا ننظر إلى المهنة الأهم في التاريخ أي المعلم/ة، إن المعلم الفلسطيني يقع في قاع السلم الوظيفي للسلطة الفلسطينية حيث الأولوية القصوى هي للأمن حفاظاً على حالة الإختراق والتبعية للإستعمار الغربي، المعلم يكاد يكون بلا إمتيازات وحاله يبكي الكافر، وهو بلا أدنى شك لا يتقاضى الراتب الذي يليق بدوره بالحد الأدنى، الدافعية لديه بشكل عام متدنية نتيجة الراتب المهين وفقدان المشروع (الرؤيا) بانهيار المشروع الوطني وبالمساحة المتآكلة من الحرية والمكانة التي يتمتع بها المعلم في الوزارة والمجتمع، وإتقان المعلم لموضوع التدريس لا يمكن أن يكون كافياً وحده لينجح المعلم في مهمته المعقدة (التربية قبل التعليم)، إن مديريات التربية والتعليم والإشراف التربوي وإدارات المدارس وبعض المعلمون أنفسهم يمكن أن تشتغل كالمافيا في التخلص من النموذج التنويري إذا لم تتمكن من قمعه وسحقه (تجربة شخصية)، الوزارة وأجهزة الأمن وأشكال الإدارة المتعددة تشارك في طحن المعلم والذي بدوره لا يجد أمامه إلا الطالب للتنفيس، قليل من المعلمين شغوف بالمهنة، وسبب ممارسة التعليم لدى الأغلب يكاد ينحصر في لقمة العيش.

        بيئة النظام الفاشي والبوليسي تخترق الهواء وتتسرب إلى غرفة الصف، فيتم التركيز أولاً وقبل كل شيء على فرض النظام ولو على حساب كرامة الطالب وإنسانيته، بعد ذلك يقوم المعلم بالشرح ويطرح الأسئلة، يرفع الطلاب أيديهم ويختار المعلم من يجيب، ثم يجيب الطالب، والمعلم يقيم الإجابة بصح أو خطأ (لا يوجد وجهة نظر أو محاولة لاستكشافمن أين أتت الإجابة)، هذا الشكل كما كتب لمكي (Lemke) هو لإقامة السلطة مبكراً في الصف، ومن ثم تنتقل إلى المجتمع بشكل سلس حيث رموز السلطة فوق المسائلة ويعرفون كل شيء وما لا نعلم! فمن العيب في الثقافة التعليمية أن لا يعرف المعلم إجابةأي سؤال أو أن يخطئ (غرور)، مع أن المعلم إنسان وبالتالي يخطئ ولا أحد يعرف كل شيء، إذاً الأولوية لنظام متعجرف ومغرور وليس للتعلم، وهذا الشكل يجعل من الطالب ليس أكثر من متلقي سلبي يشعر بالملل ويكره المدرسة والكتاب والتعليم.

        كثيراً ما يركز المعلم في الصف على الطالب المتفوق على حساب الطالب الأقل مهارة في إحراز العلامات، وهذا بدوره يشعر الطالب الضعيف والمتوسط بعدم قيمته وأهميته ويغذي الغرور والنرجسية لدى الطالب المتفوق (بعضهم)، كما أن الضرب شائع جداً وخصوصاً في مدارس الذكور مع أنه ممنوع من الوزارة، الضرب سلوك مهين وعنيف لا يليق في التعامل مع بني البشر، وما يعقد المشكلة أن المعلم لا يمتلك من الأدوات ما يمكنه من التعامل مع الصف دون ضرب وهذه مسؤولية الوزارة التي يجب أن تدرب المعلم جيداً ليصبح معلم في القرن الواحد والعشرين وليس العصور الوسطى، والكارثة أن قرار الوزارة بمنع الضرب لا يأتي بناء على فلسفة تتمحور حول الإنسان وقيمته واحترامه، بل يأتي مراعاة للدول الغربية المانحة وهي الراعي الأصيل لأحد أكبر مصادر العنف في مجتمعنا ألا وهو الفصل العنصري والتطهير العرقي، وكثيرا ما تستعمل الشتائم المهينة والعنف اللفظي بحق الطلاب مثل أغبياء وبهائم ...إلخ، فيتخرج الطالب وقد عانى الأمرين من تدني اعتبار الذات والكراهية والعنف وغياب قيم العدل والمساواة.

        إن التعليم الفلسطيني يركز على مباحث العلوم الطبيعية كالفيزياء والأحياء ويكاد يخلو من العلوم الإنسانية والتي نحن في أمس الحاجة إليها كالأخلاق والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع، وفي العلوم الطبيعية هناك تباين حاد بين الصواب والخطأ على عكس العلوم الإنسانية، مع أن أغلب المشكلات في حياتنا اليومية تحتمل الصواب والخطأ، ومن الفقر والسطحية رؤية الحياة بتعقيداتها على أنها أبيض أو أسود، جدير بالذكر أن دراسة بريطانية حديثة وجدت أن أغلب الإرهابيين هم من دارسي العلوم والطب والهندسة، انكى من هذا أن المعلم غالباً ما يقيم على ما هو موجود حرفياً في الكتاب ولا يوجد مساحة للإبداع أو التركيب أو المهارات العقلية التي تتجاوز الحفظ والتلقين، وشكل التعليم لا يمنح مساحة لطرح وجهات النظر ومناقشتها، إنها ثقافة تعليمية لا تخلق مساحات للتفكير والحوار والنقد، وعليه تعد الطالب إلى تقبل آراء رموز السلطة كرجال الدين والسياسيين، وتفتح المجال لدخول أفكار تعادي العقل والمجتمع بين شبابنا لأنهم لم يتعودوا التفكير والتحليل والنقاش والحوار.

        كثيرا ما يوكل المعلم مهمة مراقبة الصف في غيابه إلى أحد الطلاب (العريف)، وفي هذا ترويج لقيم الجاسوسية وهدم لقيم المساواة والعدل والتضامن الأخوي بين الطلاب أنفسهم، ناهيك عن ما يتركه من أثر في نفس الطالب بأن الأخلاق والتهذيب ليست قيماً داخلية وإنما خارجية ودافعها هو الرقابة وليست نابعة من إيمان لا يلتوي بها.

        إن الشعوب الحية تتأمل دائماً في قيمها المركزية وتحاول جاهدة غرسها في نفوس أبنائها، وحاولت جاهدا أن أجيب على سؤال ما هي القيم المركزية التي يتم زرعها في نفوس طلابنا، أولاً، لا يوجد أهداف معلنة حقيقية للمنهاج الفلسطيني، والقيم المركزية هي بالتأكيد ليست قيم المساواة ولا العدل ولا الإنسانية ولا الحرية ولا حرية التعبير، وبحذف هذه القيم يمكننا فقط أن نتخيل حال مجتمعنا بالمعنى الأخلاقي وبالممارسة، في المدرسة هناك تلقين لا يكل للدين ليس بما هو علاقة بين الإنسان وربه، بل بما هو عبادات وطاعات وحتى ايدولوجيا قمع وتنكيل بكل من يخالف الرأي، المدارس أصبحت محملة بمشروع ظلامي للدنيا ووردي للآخرة وعلى حساب مجتمعنا وتكاثفه وحياته والأهم إنسانه.

        بإختصار إن شكل التعليم لدينا من الرداءة بحيث أنه يخرج شباباً لا يدرك قيمته كإنسان بل مستعد للعمل مع الإستعمار ليرفع من قيمته على شكل راتب كل آخر شهر، نحن بحاجة إلى شكل تعليم قيمي وتحررييحترم الإنسان ويرعى الطفولة ويرتكز على رؤيا تنسجم مع القرن الواحد والعشرين.

2017-03-30