حاز تقرير لجنة التحقيق بأحداث مجمع المحاكم في مدينة البيرة استحسان شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني الامر الذي يضع تحديا أمام الحكومة الفلسطينية في مسألة لجان التحقيق الرسمية التي سيتم انشائها مستقبلا للنظر في أي قضية أو مسألة أو حدث.
فقد بدا أن تحولا نوعيا جرى في طريقة تفكير الحكومة الفلسطينية وفي الإجراءات التي تم اتخاذها في مسألة الاعتداء على المحتجين أمام مجمع المحاكم بداية هذا الشهر. هذا التحول يمكن رصده في أربع نقاط مركزية في تعاطي الحكومة مع هذا الحدث وهي؛ الاولى: تتمثل ببنية اللجنة المشكلة من الحكومة والمجتمع المدني، حيث تشكل مؤسسات المجتمع المدني أغلبية واضحة، وهي تحوز على ثقة الجمهور الفلسطيني بوجود الهيئة المستقلة ونقابة المحامين بالإضافة الى وزارة الداخلية. والثانية: تحديد آجالا واضحة لإنهاء لجنة التحقيق أعمالها "تم تجاوز الأجل لكن التأجيل كان معقولا"، والثالثة: نشر تقرير لجنة التحقيق كاملا دون نقصان أو اختزال. والرابعة: اعتماد الحكومة توصيات لجنة التحقيق ومن ثم في اليوم التالي اصدار رئيس الحكومة/ وزير الداخلية د. رامي الحمدالله قرارات للجهات المعنية لتنفيذ توصيات لجنة التحقيق.
تقرير اللجنة الذي حوى العديد من الاستنتاجات والتوصيات يستحق القراءة بتمعن من الأطراف المختلفة بانفتاح وذهنية ناضجة، كنضج التقرير ذاته، لاستخلاص العبر والاستفادة في طريقة عمل ليس فقط المؤسسة الأمنية بل أيضا المؤسسات الأخرى. وفي السياق نفسه لا توجد جزر معزولة في النظام السياسي يمكن لها أن تتذرع بإجراءاتها أو استقلاليتها دون وجود حساسية واضحة للشأن الوطني والسياق العام للأحداث لبتر توصيات لجنة التحقيق؛ فخطأ الجزء يعمم على النظام السياسي جميعه. هذا الامر طبعا لا يدعو لتجاوز الإجراءات أو التقليل من الاستقلالية لهذه السلطة أو تلك لكن في ظل الانكشاف العام نحتاج الى توسع النظر وتطوير أدوات العمل.
في ظني أن الجمهور ينظر إلى وينتظر رؤية تنفيذ التوصيات، والاعلان عن الإجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية بهذه التوصيات وذلك لاستكمال الإجراءات التي بدأتها الحكومة تعزيزا للمصداقية ولاستعادة ثقة المواطنين في إطار تحقيق معادلة التوازن بين فرض النظام العام وبين التمتع بالحريات العامة بما فيها حرية الاحتجاج وحمايتها.