السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حذاء نيكي والصفقة الموعودة....م. زهير الشاعر
 

لم تكن كلمات سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي أمام المنظمة اليهودية الأمريكية "إيباك" هي كلمات عابرة، والتي هددت من خلالها بأنها ستقذف بالحذاء كل من يعادي إسرائيل في مقر الدبلوماسية الدولية في إشارة منها على مساندة حكومتها المطلقة لإسرائيل، لا بل هي كلمات لها أبعاد سياسية لابد من التوقف عندها والبحث فيها.

كان واضحاً أن السفيرة نيكي كانت منفعلة عاطفياً ولكنها كانت تعني كل كلمة أدلت بها بهذا الحماس الغير مسبوق أمام هذه المنظمة النشطة والفاعلة، كونها تمثل الدبلوماسية الأمريكية في المؤسسة الدولية الجامعة، التي تبحث عن إرساء العدالة في العالم وتعمل من أجل إرساء السلام بين الأمم وتسعى لتغيير لغة التهديد والوعيد إلى لغة تسامح وإلتقاء من أجل صناعة الأمل لشعوب العالم.

السفيرة الأمريكية هالي نيمراتا رانداوا ولدت في بامبرج Bamberg ، ساوث كاروليناSouth Carolina ، في 20 يناير 1972، وهي إبنة عائلة هندية أمريكية تنتمي إلى طائفة السيخ. كانت هالي تسمى دائماً من قبل عائلتها ،نيكي، وهذا الإسم يعني "القليل". والدها أجيت سينغ رانداواAjit Singh Randhawa كان أستاذاً جامعياً في جامعة البنجاب الزراعية في منطقة أمريتسار البنجابية الهندية، وكانت والدتها قد حصلت على شهادة البكالوريوس في القانون من جامعة دلهي وماجستير في التعليم من الجامعات الأمريكية.

أيضاً ، نيكي هي سياسية أمريكية تابعة للحزب الجمهوري حيث شغلت منصب محافظ ولاية ساوث كارولينا South Carolina منذ عام 2011 وكانت بذلك هي أول امرأة تحصل على منصب محافظ هذه الولاية وذلك في سن ال 43، حيث مثل ذلك أنها كانت أصغر محافظ في الولايات المتحدة في تلك الفترة، وهي المحافظ الأمريكي الثاني من أصول هندية في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد بوبي جندال من لويزيانا، كما أنها شغلت أيضا منصب رئيس مجلس أمناء جامعة ساوث كارولينا.

هذا يعني أن نيكي جاءت من أسرة حظيت بتعليمٍ عالٍ ، هذا بالإضافة إلى أنها كانت منخرطة بالعمل الحزبي والتعليمي والسياسي بقوة مما فتح أمامها المجال لكي تصبح ناشطة سياسية مقتدرة في موقع متقدم كسفيرة للولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة.

كما يبدو بأن نيكي تحظى بإهتمام كبير من قبل المنظمات اليهودية الأمريكية التي توفر لها الدعم الكامل للسير قدماً في العمل على تحقيق طموحاتها التي لربما تتجاوز مكانتها السياسية الحالية.

لكن في تقديري أن هذا لا يعني بأن تصريحاتها الأخيرة والمستمرة على نفس النغمة المتشددة حيال إنتقاد السياسة الإسرائيلية بأنها تمثل وجهة نظرها الشخصية ، لا بل هي بالتأكيد تمثل هامش من السياسة العامة التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية وهذا ما عبرت عنه الأخيرة في كل المناسبات.

وفي تقديري أن هذه اللغة التي أظنها عاطفية هدفها دغدغة المشاعر والعمل على الإسترضاء لضمان كسب الود والتأييد بطريقة مدروسة ومحنكة، هي ليس بالضروة ستعتمد هذا الصوت المقاتل بإخلاص ولربما في كثير من الأحيان بمبالغة واضحة وذلك بالمطلق بعيداً عن المصالح الأمريكية مع الأطراف الأخرى التي تربطها معايير وتحديات دولية وإقليمية لابد من أخذها بعين الإعتبار.

لذلك لا أرى في تعبير السفيرة نيكي الذي إستخدمت فيه لغة التهديد غير الدبلوماسية هو خارج عن نص صفقة موعودة يبدو بأن العمل على إتمامها يتم من خلال رفع السقف العاطفي عند الطرف المتعنت وهو الإحتلال، وذلك من خلال توفير كل الدعم المعنوي والمادي غير المحدود له بشرط أن لا يخرج عن سياق رغبة الإدارة الأمريكية في ضمان تساوقه مع تسجيل نجاح في قضية متعسرة لم تستطع أي من الإدارات الأمريكية السابقة أن تحقق فيها أي نجاحات من قبل ، تستطيع من خلاله الإنطلاق نحو تحقيق أجندتها الداخلية والدولية وهي الأهم بالنسبة للمصالح الأمريكية.

هذا بدأ يتضح جلياً من خلال تغيير المواقف الأمريكية وجنوحها نحو المرونة أكثر في سياق تفهمها لمصالح بلادها، حيث بدأت بفتح بوابات مغلقة أوحت قبل تسلمها الحكم بأنها ستكون صعبة، في حين أنها بدأت تعطي إشارات أمل بأنها ستكون الإدارة القادرة بالفعل على صناعة السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من جهة وبين العربي والإسرائيلي من جهة أخرى.

لذلك لو تأملنا ما جاء من تأكيد جديد على تبني القادة العرب للمبادرة العربية للسلام سنجده بأنه لم يخرج من هذا المضمون وهذا السياق الذي تريده الإدارة الأمريكية ، لا بل كان واضحاً بأن هناك إنسجاماً تاماً بين الموقفين، وذلك بعد أن إستمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوجهتي النظر السعودية والأردنية من قبل، هذا قبل الزيارات المرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي على ما يبدو بأنه سيتمتع بعلاقات دافئة وغير مسبوقة مع البيت الأبيض، والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي على ما يبدو أيضاً بأن جميع الأطراف إقتنعت بأنه الأصلح في هذه المرحلة ليتمم جوانب هذه الصفقة إن خرجت إلى النور بالفعل.

في تقديري أن الصفقة السياسية الموعودة ستعتمد على تبني إتفاقية سلام إقتصادي في المنطقة ، تسقط قضية اللاجئين من ناحية ومن ناحية أخرى تؤسس للإعلان عن الإعتراف بيهودية الدولة .

مخاطر ذلك هو عدم الأخذ بعين الإعتبار تطلعات الأجيال التي لا زالت تنتظر حلم الدولة ، وهي الأجيال التي عبرت القناة الإسرائيلية الثانية في لقاءات لأحد إعلامييها مع قاصرين من الأسرى الفلسطينين عن توجهاتهم وطريقة تفكيرهم التي باتت تحتاج إلى إعادة صياغة عادلة، وهم الذين عبروا عن رؤية قاتمة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني طالما بقي الإحتلال ، لابد من التوقف عندها والعمل على إيجاد السبل الكفيلة بإعادة الأمل لهؤلاء بأن هناك إمكانية لتحقيق السلام وإمكانية التعايش، بدلاً من إستخدام لغة تهديد فوقية مرفقة بالأحذية لا تليق بمسؤول دبلوماسي رفيع.

هنا لابد من الإشارة إلى أنني تذكرت وأنا أخط كلماتي هذه ذاك الرجل الأمريكي المسن وزوجته اللذين رافقاني وأسرتي في المصعد الكهربائي في أحد المؤسسات في العاصمة الأمريكية واشنطن وهما يحرصان على بث الدفئ في نفوسنا كوننا عرب مسلمين، وتوفير كل وسائل الترحيب بنا كإنعكاس سوي للثقافة الأمريكية الراقية المعروفة لدي من يعاشر ويعرف الشعب الأمريكي عن قرب، وهذا بالتأكيد لا يتناسب مع لغة الأحذية خاصة أمام مؤتمر لأهم منظمة تمثل شريحة كبيرة من أبناء الجاليات الأمريكية.

كما تذكرت أيضاً أصدقائي الهنود البنجاب عندما عملت في الهند ولا زلت أحتفظ بكثير من علاقات الصداقة مع الهنود من كافة الطوائف حيث أنني على قناعة بأن هذا الشعب هو شعب جامع للثقافات الإنسانية ويحرص على بث الحب في نفوس أبنائه ، ولم ألحظ يوماً بأنه شعب عدائي لغوياً أو ثقافياً أو سلوكياً عندما يتعلق الأمر بأسس العدالة ومتطلباتها، حيث تجدهم دائماً أصحاب موقف يميل إلى إنصاف الحق والدفاع عن العدالة التي لا يمكن تحقيقها بوجود إحتلال.

أخيراً ، في تقديري أنه لا لغة الأحذية ولا الصفقات ممكن أن تجلب سلام عادل، بل هي لغة صناعة الأمل وحدها على أساس مساندة العدالة والوقوف إلى جانب الحق ، الكفيلة بأن تصنع السلام وأن تخلق حالة من التعايش والنمو والإزدهار.

تنويه : إلى صديقي سعادة السفير حسام زملط أقول بأن بناء المواقف السياسية لا يعتمد الشعور نهجاً، بل الجد والإجتهاد والفهم للواقع ومتطلباته والإنفتاح على الأخرين وفهم ثقافتهم، هو الذي يخلق رؤية ناضجة مبنية على أسس علمية لا علاقة لها بالمشاعر في كل حالاتها، مع أمنياتنا بالتوفيق!.

 

2017-04-02