ثلاثة حروب إستهدفت البشر والحجر والشجر تعرضت لها قطاع غزة , قتلت وشردت ودمرت, شعارها إخضاع غزة ونزع سلاحها , إنهزم العدو وإندحرت قواته المجرمة تجر أذيال الخيبة في حروبها الثلاثة , وبقيت غزة شامخة رغم جراحها , منتصرة رغم آلامها, لتعلن غزة من وسط الركام الثقيل , إعتزازها بمقاومتها وإفتخارها بصمود وببسالة شبابها وصبر وجَلُد نسائها , لقد خرج أهل غزة عن بكرة أبيهم , بعد كل حرب غادرة ,ليصفعوا عدوهم ومن راهن على هزيمتهم , بكلمات قليلة تنطق بها القلوب الصابرة ولها مفعول الصاعقة , نحن صامدون وجاهزون للتضحية أكثر من ذلك , ولن نُسقط المقاومة ولن نُسلم بندقيتها, وهي مواقف عظيمة لها تأثير قد يفوق تأثير طلقات وقذائف وصواريخ المقاومين التي صُبت على رؤوس المحتلين , وهي دلالة عن مدى إحتضان أهل غزة , لمقاومتهم وحرصهم على افتدائها بالدماء والتضحيات الجسام , فلا غرابة ولا عجب أن ترى إمراة فلسطينية حرة , تخرج من بين الركام تصرخ بكل عنفوان , إنها تقدم أبنائها جميعاً , شهداء في طريق المقاومة ضد المحتل الغاشم , وذاك رجلا شامخا وقد هدم بيته يقف بكبرياء الفلسطيني المعهود , يردد بكل رضا هذا بيتي فداء للمقاومة, وما هدم من حجر سوف نعمره , ولكن لتبقى المقاومة بخير وسلام , أي قوة تستطيع أن تخضع هذا الشعب الأبي ؟ , أي مخططات تلك التي تحاول عبثاً أن تنفذ إلى عزيمة هؤلاء الأحرار , سيكون مصيرها الفشل المحتوم والخيبة المؤكدة .
بعد عشرة أعوام من الحصار الجائر على قطاع غزة , وثلاثة حروب مدمرة , وحرمان من مقومات الحياة الإنسانية , وإستمرار خنق قطاع غزة بإغلاق المعابر وتشديد الحصار, مع ما يرافق ذلك من محاولات لتوليد لأزمات جديدة في كافة المجالات , هدفها الوحيد إرهاق الفلسطيني وإخضاعه وإذلاله, صرفا له عن همومه الوطنية وتطلعاته في الحرية والإستقلال ,ليركع هذا الشعب المقاوم , أمام الإرادة الغربية والأمريكية والتي بمقتضاها يجب الإعتراف بكيان الإحتلال , والتسليم له بشرعية الإقامة على أرضنا المغتصبة , والإذعان لمطالب نبذ المقاومة وتسليم سلاحها , قد يئس الشيطان الصهيوأمريكي من تركيع هامات أباء الشهداء , وفشلت آلة الحرب المدمرة في ترويع أمهات الشهداء , فهل تبقى للحرب على قطاع غزة من وقود ؟ , وهل هناك من لازال ينفث في نار المكائد ضد أهل غزة ؟ , وهل هناك من يعتقد بإمكانية نجاح المؤامرة بإستئصال روح غزة المتمثل بسلاحها الطاهر والمقدس ؟.
بعد أن تغافلت حكومة التوافق التي ليس لها من التوافق غير الإسم , عن قطاع غزة ومشاكله وإحتياجاته , منذ تشكيلها في يونيو2014 , حيث تجاهلت قطاع غزة بشكل كلي , وأسقطته من خططها الحكومية , متعللة بأسبابه واهية وغير مقنعة , تسقط أمام إختبار تنفيذها لإتفاقية الشاطئ , التي جاءت ولادتها بناء على ما تم الإتفاق عليه في حينه , بعد ثلاثة أعوام من تشكيلها تواصل حكومة الحمد الله التضييق على قطاع غزة , بصور متعددة منها فرض ضريبة البلو على وقود محطة الكهرباء في قطاع غزة , وحرمان قطاع غزة من الوظائف العامة , مع مواصلة التنكر لموظفي الحكومة في غزة , وهم يمثلون العمود الفقري للهيكل الحكومي في قطاع غزة , وكذلك حرمان قطاع غزة من خطط التطوير الإستراتجية , ومع ذلك يجاهر رئيس الحكومة في رام الله بجريمة إستغفال العقول , ويحاول تمرير بعض الأرقام الفلكية , للدفاع عن إتهامات التقصير والإقصاء والتمييز بحق قطاع غزة و التي تلاحقه في كل مكان , ليقول بأن أكثر من (17) مليار تم صرفها عن قطاع غزة خلال عشرة أعوام , فأين أوجه الصرف لتلك الأموال الضخمة ؟ هل تم بناء مستشفى في قطاع غزة ؟ وما أحوج غزة لمستشفى متخصص للأمراض المستعصية , هل تم بناء مدرسة أو تشييد معهد تقني ؟ , هل تم شق طرق أو إقامة جسور ؟ هل بنيت مدن إسكانية للأزواج الشابة والعائلات الفقيرة ؟ بكل تأكيد لم تقوم حكومة الحمد الله بأي من ذلك , حيث أن مساحة التفكير بقطاع غزة والمسموح بها لحكومة الحمد الله تتركز في خانة الكيد والتضييق ويمنع على الحمد الله وحكومته التفكير خارج تلك المساحة المحددة .
ما أقدمت عليه حكومة الحمد الله من خصم رواتب الموظفين بنسبة 30% , يأتي في إطار إنهاء العلاقة الحكومية مع قطاع غزة وسلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية , وما حدث من تراجع لفظي وتجميلي للواقع المر المرتقب , ويأتي هروباً أمام ثورة الغضب التي تكللت بوقفة حاشدة من جمهور الموظفين في ساحة السرايا , وهذا يعني أن تطبيق قانون التقاعد الإختياري والإجباري سيتم خلال الأشهر القادمة , وبالتالي يكون قطاع غزة بموظفيه خارج هياكل حكومة الحمد الله وإهتماماتها , تمهيداً لتطبيق المشاريع الإقليمية بإستهداف القضية الوطنية في عهد إدارة ترامب , والرأس المطلوبة هي المقاومة وكسر شوكتها وإضعاف حاضنتها في قطاع غزة , عبر إشاعة الفوضى وحرمان قطاع غزة من حقوقه ومقومات الحياة لسكانه , لينطبق عليه بعد ذلك مصطلح إقليم متمرد وخارج عن السيطرة , ويصار إلى إعتبار قطاع غزة مصدر الإزعاج والأذى لمحيطه ومنهم "إسرائيل" , وبالتالي يكون لأي طرف الحق في حرية التحرك عسكريا ضد قطاع غزة , من أجل مواجهة وإخماد الخطر المزعوم , وهنا تأتي الدعوة المشبوه للكاتب المقرب من الأنظمة العربية جهاد الخازن , عندما طالب قبل أيام الجيش المصري بإحتلال قطاع غزة - في تحريض جديد وإتهام كاذب وتضليل مفضوح بأن قطاع غزة مصدر "الإرهاب" - , وهدف دخول الجيش المصري لقطاع غزة كما قال الخازن , هو نزع سلاح المقاومة وإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة , ويتبجح الكاتب بالقول بأن هذا الحل يفيد "إسرائيل" من حيث وقف الصواريخ وتوقف حفر أنفاق المقاومة , وهذا هو حلم الشياطين بنزع سلاح المقاومة في قطاع غزة منذ زمن بعيد .
من يحاول أن يكون سيفاً على أهل غزة سيلحق بأبو رغال , ويفوز باللعنات المتلاحقة والمتجددة مع كل جيل , وسيكتب التاريخ كيف أن ذو الألسن العربية واللكنة الفلسطينية , قد كانوا عونا لليبرمان وترامب على حرق أجساد الأطفال في غزة هاشم , ورغم كل هذا الكيد و التآمر الدولي لن تسقط غزة ولن تسقط المقاومة والمستقبل لفلسطين وأهلها , والحتمية لدينا تقول بأن "إسرائيل" إلى زوال .
كاتب وباحث فلسطيني
15-4-2017م