نكرر ما قلناه قبل سنوات، وليس تعاطفا أو دفاعا عن حماس، فأنا شخصيا لا أريد حماس في الحكم وحدها، لان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وقد أسديت النصح لحركة حماس عدة مرات وأبرزها في مقال مستقل بعنوان "مأزق القيادة السياسية في حماس وضرورة الانسحاب" المنشور مطلع أكتوبر 2016، بان تترك الحكم كله، ولتعود كجهة رقابية أو كجماعة خدماتية، ولكن حقيقة وإدراكا للواقع في غزة بما أننا نعيش فيها ومطلعين على ظروفها، وقناعات أهلها، وآليات الحكم فيها. فإن التصريحات التوتيرية و التهديدات التي يستسهل إطلاقها شخصيات مسئولة في رام الله ليس لها أي وقع أو قيمة أو مسحة من واقعية. فحسب قراءاتي ومتابعتي فان حماس قد تولدت لديها قناعة بان تركها للسلطة هي خيانة للوطن، وإنها تستطيع الإصلاح وخدمة المجتمع وهي في السلطة والحكم، هكذا تفكر حماس،،، ويبقى إسقاطها وانتظار الشعب أن يشن هجوما عليها في المساجد مدمرا مقراتها وقاتلا العاملين في مستشفياتها ومدارسها ومؤسساتها والالتحام مع عناصر القسام واعتقالهم ووضعهم تحت السيطرة ومصادرة قنابلهم وصواريخهم التي ضربت عمق إسرائيل هو أمر مثير للسخرية وليس له أي محل في واقعنا. ومجرد التفكير بذلك والتعويل على مخرجات الحصار وانتظار الضغط الشعبي هو مضيعة للوقت، وسرقة للفرص لصالح القطط السمان و المستفيدين من الانقسام. وموظفو حماس على استعداد أن يصبروا على 25 % من نسبة الراتب لسنوات طوال سيفنى فيها جيل الأربعينات والخمسينات حتى الستينات والسبعينات، ويستطيعون من خلال جهازين لابتوب أن يديروا الأمور الحكومية في غزة، كما حدث أثناء الحروب الثلاثة التي زادت القناعة لديهم بضرورة الثبات، ولم تنل من عزيمتهم قيد أنملة، ولم تزحزح قناعاتهم البتة، نصيحتي لمن ينتظر الشعب أن يحصل له على السلطة في غزة أن لا تكونوا كبعض أجهزة الشرطة عندما يأتيهم تبليغ بان عائلتان تتشاجران، فيركنوا إلى قناعة مفادها؛ أن يتركوا العائلتان تقتتلا حتى يستغيث الجميع طالبا الشرطة، فتأتي الشرطة تلقي القبض على أعداد كبيرة من الطرفين لكي يتم حل الخلاف بين العائلتين. وهذه طريقة غير مسئولة و سلبية وبائسة في الحل، ينتج عنها أضرار كبيرة وضحايا وشرخ نفسي يتعمق مع الأيام.
فابحثوا عن حلول إبداعية أفضل. ابحثوا عن مشاركة حقيقية. ابحثوا عن تجديد الشرعيات و الحياة الديمقراطية. ابحثوا عن استعادة المسار الديمقراطي والبدء في انتخابات عامة. الناس في غزة تشتاق إلى الفرح والعيش مثل باقي المجتمعات، ولا تنسوا بان هناك عشرات آلاف الخريجين ينتظروا حل سياسي، وهناك عمال تأثروا بسبب الحصار والانقسام وإقفال أبواب العمل أمامهم، لا تقتلوا ما تبقى من الوطن. فالوطن ليس لما نسبته 2% -النخبة الحاكمة وذويها- ولكن لجميع الشعب، فلا تحبسوا الشعب في رقعته الجغرافية المحدودة. جغرافيتنا محدودة وعلينا أن نعوضها بزيادة إنسانيتنا لتسع الجميع. وفتح باب الشراكة وتعلم كيف نعمل كفريق، فليس بعمليات الإسقاط وقتل الخصوم وبالخصم على الرواتب أو قطعها الرواتب وتجويع الموظفين تعود السلطة. من يظن أن إسقاط حماس يعيد السلطة على طبق من ذهب فهو واهم، إذ وما الفائدة أن يتم استعادة السلطة بالقوة ومن ثم ندخل في أتون حرب عصابات وميليشيات من جديد؟؟
ويظل مطلوب من حماس أن تقدم تنازلات من أجل المصالحة، وان تتراجع عن اللجنة الإدارية ولو مشروطا بسقف زمني محدود مقدرا بــ 60 يوما للنظر في ما ستفعله حكومة الوفاق التي تقول بان هذه اللجنة هي التي تعيقها. على حماس أن تبدي مرونة في كل قضية وكل ملف. ولنضع أنفسنا أمام اختبار النوايا مجددا.
كاتب ومحلل سياسي
فلسطين- غزة