الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كفى عبثاً....م. زهير الشاعر

 حقيقة أصبح لدي عدد من المقالات الساخنة التي حجبت نشرها عن قصد، حيث أنني لا زلت أعطي الفرصة تلو الأخرى قبل اتخاذ قرار نشرها، آملاً أن ينعدل الاعوجاج القائم الذي يتعلق بالحالة الفلسطينية من جهة ومن جهة أخرى بأصحاب القرار الذين باتوا يعيشون حالة من الهوس الفكري والنفسي تحت وطأة الضغط الشعبي والوطني ، كما أنني آمل أن يدرك البعض من هؤلاء بأن الحكمة أفضل بكثير من المكابرة والاستمرار في اللعب في المنطقة السوداء ظناً منهم بأنهم غير مكشوفين أو أنهم فوق المحاسبة والملاحقة!.

من هنا أبدأ تفاصيل فكرة مقالي هذا مستشهداً بموقف حركة حماس الفلسطينية والذي عبر عنه د. محمود الزهار عضو مكتبها السياسي حينما قال إن حركته "لا تعول كثيراً على زيارة وفد حركة فتح لغزة خلال الأيام القليلة المقبلة، في حال لم يحمل هذا الوفد أي جديد أو حلول على صعيد ملف المصالحة الداخلية العالق".

جاء هذا بعد أن قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إرسال وفد إلى قطاع غزة ليحاور حركة حماس حول آلية التعاطي مع المستقبل الوطني ضمن رؤيته السياسية التي يود أن يحملها معه إلى العاصمة الأمريكية واشنطن ليقدم نفسه رئيساً للفلسطينيين بشكل عام وليس رئيس لشعب منقسم على نفسه وفيما بين أبنائه!.

كما أن هذا الموقف جاء بعد سلسلة احتجاجات في غزة بعد تصريحات صادمة للرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام مؤتمر السفراء الفلسطينيين في المنامة التي حذر فيها من أنه سيأخذ خطوات غير مسبوقة حيال ما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية وذلك بعد خصم ما نسبته 30% من رواتب موظفي قطاع غزة دون غيرهم.

موقف حركة حماس الفلسطينية هذا جاء أيضا عقب الخطبة المثيرة لقاضي القضاة د. محمود الهباش وذلك يوم الجمعة الماضي ، والتي استشهد خلالها بقصة مسجد الضرار والتي تتلخص في أنه عندما رجع رسول الله من تبوك قبل أن يدخل المدينة جاءه جماعة من المنافقين وسألوه أن يأتي مسجدهم بقباء ليصلي فيه وهو (مسجد الضرار) الذي بنوه مضاهاة لمسجد قباء لإضرار المسلمين وتفريق كلمتهم وجماعتهم وكان المنافقون يجتمعون فيه ويعيبون النبي ويستهزئون به، فدعا رسول الله بقميصه ليلبسه ويأتيهم فأنزل الله عليه الآية الكريمة: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) صدق الله العظيم.

تلك الخطبة أثارت ضجة كبيرة في الشارع الفلسطيني حيث فُسِرَت على أنها دعوة صريحة للاقتتال الداخلي في غزة وحرقها وتدميرها إن لم تلتزم حركة حماس الحاكم الفعلي لقطاع غزة بالشرعية الفلسطينية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني محمود عباس حسب الواقع القائم عملياً، حيث قال د. الهباش في خطبته تلك رداً على إمكانية التوجه لانفصال قطاع غزة بأنه من حق الرئيس الفلسطيني أن يتخذ خطوات غير مسبوقة حتى لو كان هناك اضطرارا لفعل مالا تريد فعله القيادة الفلسطينية أو أن تأتي القيادة الفلسطينية من الأشياء مما لا تحب أن تأتي ، في إشارة صادمة ومستفزة منه ولكنها تحمل جانب من الصواب كانعكاسٍ لحالة القلق التي تحيط بالقضية الفلسطينية ، كما أنها تحمل تحذير قوي ورسالة قوية بأن الأمور خطيرة والظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية لم تعد تحتمل الوضع القائم على ما هو عليه أو الذهاب في طريق تحقيق فكرة دولة غزة!.

من وجهة نظري الخاصة أنه بالرغم من التحفظات الهائلة في الداخل والشتات الفلسطيني حول خطبة الجمعة الماضية التي ألقاها د. الهباش إلى أنني اعتدت أن أحسن الظن ، لذلك أكاد أجزم بأنه لم يكن يدعو لمفهوم التدمير أو التصادم الدموي أو الإخلال بالسلم المجتمعي كما فُهِمَ من حديثه ، كونه في الأساس من أبناء قطاع غزة من ناحية ومن ناحية أخرى أنه في تقديري يدرك مخاطر هذه المفاهيم على المجتمع الفلسطيني بشكل عام وليس على قطاع غزة فقط، كما أنني أجزم بأن سياسة الرئيس محمود عباس نفسه ليس سياسة دموية وإلا كان قد قام بذلك مبكراً .

لكن هذا لا يغفل حقيقة أن الرئيس محمود عباس هو بالفعل شديد القسوة بخطواته التي يتعاطى بها مع قضايا قطاع غزة بالتحديد، ويبدو بأن لديه خيارات أدركت حركة حماس مدى خطورتها على وجودها مبكراً وبالتالي قامت بردود فعل قوية على تصريحاته ولربما تذهب بعيداً في ردودها في الأيام القادمة وذلك في سياق ردود فعل مجنونة وغير مسبوقة أيضاً، وهذا سيُبقِي المشهد الفلسطيني في حالة عبثية دائمة ما لم يتم اتخاذ خطوات مسؤولة ومَلزِمَة لجميع الأطراف بعيداً عن هذه المراهقة التي باتت مفضوحة الهدف والغاية!.

السؤال هنا هو إلى أين المشهد الفلسطيني ذاهب؟!، حيث أن هناك تراجعاً في حدة الاحتجاج ضد قرار الحكومة الفلسطينية لا سيما وأن الآلة الإعلامية الفلسطينية الرسمية استطاعت على ما يبدو بأن تقنع الموظف الفلسطيني حتى لو مؤقتاً بأنه ليس الهدف من هذه الإجراءات القاسية والعدمية في نفس الوقت، لا بل بدأت تسوق فكرة أن هذه الإجراءات القاسية تستهدف بالدرجة الأولى تطويع حركة حماس للتعاطي بجدية أكبر مع مضمون الحركة الوطنية والنهج السياسي القائم والذي يجب أن يتساوق مع المتطلبات الدولية ولكن في إطار المصلحة الوطنية التي لا يجب أن تتجاهل التحديات الدولية والإقليمية القائمة أيضاً.

فإن كانت حركة حماس الفلسطينية تدرك بأنه لم يعد هناك قدرة لدى أي طرف فلسطيني لكي يحتمل الوضع القائم أو أن يستمر في تحمل نتائج المغامرة السياسية القائمة وأنها عجزت عن توفير البديل المنطقي للشعب الفلسطيني ، ولذلك بات عليها بشكل مُلزِم أن تتجاوب بالفعل والمصداقية بالتنفيذ لواقع متطلبات قابلة للتعاطي بمنطق التعايش وإرساء السلام والكف عن السباحة في كوكب خارج نطاق الأرض ، فهذا سيجنبها وسيجنب الشعب الفلسطيني مهالك الجميع بغنى عنها، لأن الظلم الذي لحق بأهل قطاع غزة بشكل عام نتيجة غباء سياستها وقسوة حكمها لم يعد يُطاَق أو حتى يُحْتَمَل كونها هي المسؤول الأول عن كل ما لحق بهذا القطاع وأهله، حيث أنها هي من تتحمل المسؤولية عن كل ما لحق به سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، وهي التي تحكمه في الواقع طوال عشر سنوات بالرغم من عجزها أو قدرتها على أن تفك الحصار أو أن تخففه عنه!.

المنطق هنا يقول صراحةً وبدون رتوش أو فوضى فكرية ، بأنه بات عليها إفساح المجال والمساعدة بكل مسؤولية في تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون مهمتها الأساسية التحضير للانتخابات العامة والقبول بذلك علناً قولاً وفعلاً والكف عن لعبة القط والفأر في تبادل الاتهامات في تحمل المسؤولية بينها وبين الرئاسة الفلسطينية ، وأن لا تتجاهل حقيقة أنها تأسر شعب بأكمله أصبح ضحية للمرض والهم والحزن والضياع وفريسة للمخدرات والتطرف الفكري ، هذا عوضاً عن أن المشاكل الاجتماعية التي حلت بأهل قطاع غزة في العشر سنوات الأخيرة لا يمكن أن يقبل بها عاقل حيث أن الخسارة الإنسانية مست أجيال كاملة تحتاج إلى سنوات طويلة لعلاج ولإصلاح ما تم تدميره فكرياً وإنسانياً واجتماعيا ، وهذا يتطلب الكف عن هذا العبث كونها لا تتمتع بمفردها بالقدرة على توفير البديل المقبول دولياً وإقليمياً في هذه المرحلة بالتحديد!.

كاتب ومحلل سياسي

فلسطين

2017-04-18