كثير من المقالات التحليلية هي التي تحدثت عن الوثيقة التي أصدرتها حركة حماس الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة ليلة الأول من أيار 2017 . هذه الوثيقة أثارت تحفظات كثيرة ومنها من رأي في توقيت الإعلان عنها بأنه مشبوه بالرغم من أنها متقدمة وجيدة مقارنة مع الميثاق الأساسي لهذه الحركة الإسلامية التي لا زالت تثير الجدل على الساحة الدولية ، خاصة بأن الإعلان جاء قبل يومين من لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس المرتقب اليوم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
كما أن البعض رأى فيها أنها وسيلة رخيصة وقذرة حسب تعبيرهم وذلك من أجل تقديم أوراق اعتماد هذه الحركة وذلك للمجتمع الدولي من جهة وللدول العربية والمحيط الإقليمي من جهة أخرى كبديل للقيادة الفلسطينية الحالية وكممثل للشعب الفلسطيني ولرفع العتب عن حلفائها وأصدقائها الذين يساندونها في المنطقة.
من المعلوم أن أهم ما جاء في هذه الوثيقة هو فك الارتباط التنظيمي والسياسي مع تنظيم الإخوان المسلمين وذلك تماشياً مع متطلبات المرحلة الحالية التي تلقى فيها هذا التنظيم ضربات قاسية للغاية وخاصة فيما يتعلق بالرغبة المصرية بهذا الشأن.
كما أن هذه الوثيقة مهدت أمام حركة حماس لتبدأ مفاوضات "غير مباشرة" مع إسرائيل في ظل "مفهوم الهدنة والموافقة على حدود دولة على الرابع من حزيران 67 ، تماشياً مع ما تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية التي لا زالت تتفاوض مع إسرائيل وهي تحمل نفس النهج الذي وافقت عليه حركة حماس في سياق وثيقتها هذه. .
مع ذلك كان ملفتاً للنظر بأن الوثيقة اعتمدت في نصوصها بأن منظمة التحرير الفلسطينية ليس هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني خاصة في المادة 29 التي نصت على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديموقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الفلسطينية.
لذلك في تقديري أنه حتى لو كان إصدار هذه الوثيقة في هذا الوقت يهدف إلى التشويش على زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة الأمريكية واشنطن ، إلا أنه من المؤكد بأن الزيارة تسير على ما يرام من خلال الرسائل الإعلامية التي لا زالت ترافقها باهتمام وتغطي جوانب نشاطات الرئيس الفلسطيني منذ لحظة وصوله، كما أنه على ما يبدو لم يظهر أي ارتباك على الرئيس والوفد المرافق له نتيجة صدور هذه الوثيقة.
لذلك فإنني أجد بأن بعض الآراء المتوترة نتيجة صدور هذه الوثيقة في هذا الوقت بالتحديد ، لربما حصرت رؤيتها في سياقات ضيقة ولا تريد أن تدرك بأنه لا يمكن أن يتم إصدار مثل هذه الوثيقة بدون توافق ما من تحت الطاولة ، حيث كان هناك ما يشير إلى ذلك بوضوح وهو بأن اختيار التوقيت أعطى رسالة محترفة وهي أن هذه الحركة لربما أرادت أن تحمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ملفها الذي يرتدي ثوبها الجديد إلى البيت الأبيض وليس منافسته بالرغم من الارتباك الذ كان واضحاً جداً على طريقة الإلقاء خاصة فيما يتعلق بكثرة التبريرات والرغبة بالإقناع بما جاء في بنودها، كما صاحب ذلك أسئلة صحفية بعضها بدى وكأنه مختار بعناية لربما كانت تهدف للدعاية لتمرير هذه الوثيقة للرأي العام داخل هذه الحركة وخارجها بدون شوشرة.
هذا يندرج بلا شك في سياق نهج المرونة السياسية وإدراك لحجم التحديات والمخاطر التي تواجه المنطقة كما أنه لا يغفل إمكانية وجود رغبة بالاستحواذ على النفوذ والسلطة وتأمين المصالح ، بالإضافة إلى أنه ليس مستبعداً أن يكون الأمر قد جاء في سياق تحسس المخاطر المحيطة وفهم حقيقة الواقع التي باتت تقول بوضوح بأن الانعزال لا يخدم الوجود ولا يضمن البقاء وذلك في سياق متطلبات دولية وتحديات داخلية لربما ينجم عنها انفجار الوضع برمته.
الجدير ذكره بأن حركة حماس الفلسطينية مدرجة على قوائم الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية منذ أكتوبر عام 1997 ، التي عبرت بدورها على لسان مصدر فيها بعد صدور هذه الوثيقة لحركة حماس الفلسطينية بأن الموقف الأمريكي من هذه الحركة لم يتغير وبأنها لا زالت مدرجة في التصنيف الخاص للإرهاب الدولي.
في تقديري أن الوثيقة قد صدرت وبأن فيها تقدم إيجابي حتى لو كان شكلياً لأنه سينعكس مستقبلاً على مفاهيم قواعد هذه الحركة بالرغم من أن جوهر المبادئ لهذه الحركة لم يتغير ولربما سلوكها على الأرض لن يتغير ، بالمقابل برنامج زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن لم يتغير ، وبرنامج اللقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يتغير لا بل بأنه سيحظى على ما يبدو بدفيء خاص يحمل معه رسالة للرأي العام بأن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الرئيس الفلسطيني كعنوان للشعب الفلسطيني.
السؤال هو ، هل إصدار الوثيقة سيغير من الأمر شيء بعد أن تنتهي زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى واشنطن وستبدأ ترجمة ذلك بتوفير آلية منطقية ومحددة لتغيرات جوهرية في الأداء والسلوك المنفتح الذي أرادت أن تقوله هذه الوثيقة وذلك اتجاه المجتمع الدولي ومتطلباته والقبول بالانخراط في عملية السلام المنشودة تحت سقف حكومة وحدة وطنية متفق عليها تحضر لانتخابات عامة لتكون الزيارات المستقبلية للقيادة الفلسطينية ذات فعالية في البحث عن نتائج مرجوة ؟!، أم أن هذه الوثيقة ستفتح الباب أمام المزيد من التعقيدات ومنها الإعلان عن خروج قطاع غزة من المعادلة الوطنية ضمن كيان مستقل بذاته وبعيداً عن المنظومة الفلسطينية الحاكمة؟!.
يبدو بأن المستقبل القريب يحمل معه الكثير من الإجابات التي طال انتظارها عند المواطن الفلسطيني الذي دفع ثمناً باهظاً وهو لا زال ينتظر نهاية هذا الوضع البائس الذي يحيط به وينتزع منه أحلامه ويصادر تطلعاته ، هذا المواطن الذي يستحق الحياة ولا زال يحلم بأن يأتي اليوم الذي يستعيد فيه كرامته في أحضان وطن تحكمه منظومة توافقية بعيداً عن زيارات متعددة أو وثائق محدثة!.