الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الإرهاب لازال يمثل هاجساً يجب إجتثاثه...م. زهير الشاعر

من المؤسف جداً أن تتوالى العمليات الإرهابية في تنوعها وقسوتها وبفكرها الهمجي وذلك قبل شهر رمضان من خلال استهداف الآمنين والأبرياء سواء في "مانشستر أرينا" في المملكة المتحدة والتي أودت بحياة 22 ضحية لا ذنب لهم سوى أن مراهقا مضللاً قرر قتلهم ، وبعد ذلك تجرأت مجموعة إرهابية مسلحة، توزع أفرادها القتلة في ثلاث سيارات دفع رباعي للاعتداء على الأقباط المصريين في مدينة المنيا جنوب جمهورية مصر العربية ليودوا بحياة ما لا يزيد عن 30 فرداً بريئاً ليس لهم ذنب سوى أنه تم اختيارهم من قبل تجار الدم وهذا من سوء حظهم بالتأكيد ، حتى يكونوا هم الضحية التي تشفي غليل صدور هؤلاء المجرمين من مصاصي الدماء ومعدومي الضمير وذلك ضمن سلسلة هجمات باتت تتكرر في الأراضي المصرية وبالتحديد تستهدف المواطنين الأقباط بهدف ضرب وحدة المصريين وخلق حرب أهلية فيما بينهم.

هذا يتم استغلاله للفجوة الأمنية القائمة نتيجة الصراع على السلطة في مصر وتسلل مثل هؤلاء الإرهابيين من الحدود الواسعة مع بعض الدول التي باتت تحت سيطرة المليشيات الإرهابية والعصابات المسلحة.

لذلك يبدو بأن مرجعية الإرهابيين الذين يمارسون عمليات قتل ممنهجة هذه في المدن المصرية بين الحين والآخر هي واحدة وهدفها إسقاط الدولة المصرية في وحل الصراع الطائفي الداخلي حتى يتم القضاء على تماسكها وفرصة بناء مؤسساتها واستقرارها ، وهذا بات واضحاً من نوعية الأهداف المدنية التي يختارها الإرهابيين بعناية حيث أنها لا يمكن أن تكون عابرة ، بل إن كل المؤشرات تتحدث عن أن لها أهداف ذات بعد سياسي يهدف لتحقيق نتيجة مبرمجة وهي ضرب وحدة الشعب المصري من جهة وتشكيك الشارع المصري بقيادته القائمة ومن ثم خلق حالة من التصادم بين الشعب المصري وأجهزة الدولة من جهة والدفع بحدوث حرب أهلية بين فئات المجتمع المصري من جهة أخرى.

هذا الأمر بات يطرح تساؤلاً مشروعاً وهو كيف يتمكن هؤلاء القتلة من المرور بسيارات دفع رباعي إلى مدينة المنيا في صعيد مصر وذلك بهدف قتل مثل هذه المجموعات من الأسر الآمنة الذاهبين للعبادة وهم من الأقباط بالتحديد ومن هو الذي رمز لهؤلاء الإرهابيين بموعد خروجهم وخط سيرهم وتحديد هويتهم حيث أنهم لم يكونوا في داخل كنيسة أو في حفل ديني يشير إلى هويتهم؟!.

وحتى لا يكون هناك أي شكل من المجاملة لأحد ، أطرح تساؤلاً أخر حول من هي الجهة المستفيدة من مثل هذه الأحداث الدامية التي تحدث بين الحين والآخر ضد الأقباط المصريين؟! ، أليس في الأمر ما يثير الاستغراب ؟، حيث أن الهدف الواضح بلا شك هو رأس مصر!، فمن المستفيد الأول من ضرب الدولة المصرية لتفتيتها وإضعافها ؟ ، أليس هناك عوامل مشتركة تدل على أن المستفيد من وراء ذلك هم المتطرفين من أصحاب فكرة التوسع والاستبدال؟!.

إذاً ماذا بعد كل هذه الشواهد ؟!، ألم يحن الوقت ليتفكر العرب أمورهم جيداً وما ذهبت إليه بلادهم والتهديدات التي تواجههم، وأنه قد حان الوقت لأن تتوقف قيادات هذه البلاد عند هذا الحد وعن الاستمرار في المكابرة والبدء الفوري في برامج تحصين فكري داخلي حتى يتم تحصين بلادهم من الأشرار وذلك بإرساء ديمقراطية حقيقية فاعلة وراسخة تعتمد نهج تداول الحكم بطريقة قانونية وديمقراطية؟.

إن ما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية المسلحة هي أعمالٌ جبانة لا تختص الدول العربية فقط بل باتت تهدد العالم أجمع وهدفها قتل الإنسان بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو أصوله وذلك لزعزعة الاستقرار في هذه البلاد الآمنة ومن ثم تركها فريسة الاقتتال وهدم مؤسساتها ودب الفوضى العارمة بين أبنائها، ولخلق حالة من الصراع بين الثقافات المختلفة ومن ثم صراع أوسع بين مختلف الحضارات في العالم ، وبالتالي لا يمكن أن يتم إفشال هذه الأهداف الشريرة إلا من خلال تعاون دولي أمني شفاف يحاصر هؤلاء الأشرار قبل انتشار أفكارهم الهدامة في نطاق واسع يصعب السيطرة عليه فيما بعد.

لذلك لابد أن تشارك الشعوب نفسها في هذه الحرب على الإرهاب الذي بات يستهدفها ويستهدف أحلام أبنائها ومستقبلهم وذلك بالتعاون مع الأجهزة المختصة في ملاحقة هؤلاء الإرهابيين وحرمانهم مبكراً من الفرص التي تتاح لهم ليخططوا وينفذوا أفعالهم الشريرة.

كما أنه يجب الوقوف يداً واحدة بين الشعوب وقيادات بلادها في وجه مثل هذه العصابات المنحرفة ونبذها وطردها ، هذا بالإضافة إلى ضرورة الوقوف في وجه الفساد والقضاء عليه حيث أنه يمثل الوجه البشع الآخر للإرهاب كما أنه هو الحاضنة الأساسية لمثل هذه الأعمال البربرية التي تجتاح القيم الإنسانية وباتت تهددها في كل دول العالم وتستبيح حياة البشر الآمنين تحقيقاً لأجندات مشبوهة.

في تقديري أنه لابد من تجفيف مصادر دعم هؤلاء الإرهابيين الهمج والوقوف في وجوههم يداً واحدة وإغلاق كل المنافذ التي تسمح بمرورهم إلى الدول ومنع تدفق الأسلحة إليهم ومحاصرتهم في أوكارهم القذرة، وبالمقابل خلق حالة الثقة ما بين المسؤولين والمواطنين من خلال الشفافية ومحاربة الفساد، حينها لن تستطيع قوى الظلام هذه أن تهزم الدولة ومؤسساتها أو أن تخترق السلم المجتمعي لأن الدولة ستكون في حالة تحصين كامل يحفظ أمنها من هذه الأفعال القذرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة.

هنا يبدو بأن الهجمة الإرهابية تزداد شراسة في استباحة حياة الإنسان الآمن بغض النظر عن دينه وثقافته وليس على مستوى الأقباط المصريين فقط أو الآمنين من أي ديانة أخرى في أي مكان في العالم ، لا بل ويستهدف المسلمين وغيرهم وهذا بالتأكيد لن يسقط الدول بالرغم من أنه يهددها ويستبيح كرامة وحياة الإنسان الآمن فيها ، لذلك فإن الأمر بات يحتاج إلى حوار داخلي بين جميع شرائح المجتمعات، وأيضا إلى حوار ثقافي وديني على مستوى الفرد والمجتمع في العالم لمحاصرة تصاعد هذا الفكر الديني المتطرف الذي بدأ يتزايد بين صفوف الشباب بالذات ويعمل على استقطابهم من خلال تضليلهم واستباحة أحلامهم ، وهذا يحتاج إلى آلية فاعلة وواقعية وقوية وشاملة لمواجهته وليس إلى مراكز دراسات أو مؤتمرات واتفاقيات وتوقيع أوراق بدون فائدة تُذكَر ولا تتعاطى عملياً مع أسباب هذا التطرف ودوافع الانخراط فيه وبالتالي لابد من اتخاذ خطوات عملية متفق عليها دولياً لسحق الإرهاب وملاحقته في كل أماكن تواجده قبل توسع رقعته!.

أخيراً في تقديري أن مبادرة القوات المسلحة المصرية بقصف أوكار الإرهابيين في الشرق الليبي الذي يشهد صراعاً دموياً ، هي مبادرة في الاتجاه الصحيح للتعامل مع الإرهاب وردعه ، ولكن لابد من أن ترتكز على تحالف إقليمي ودولي متكامل يدعم خطواته وذلك لملاحقة هؤلاء الإرهابيين في أوكارهم والعمل على تدمير كل مقدراتهم وشل حركتهم بالكامل

 

كاتب ومحلل سياسي

فلسطين

2017-05-29