الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الاعلام العربي بين الفرقعات والواقع .... جوتيار تمر

ان المتمعن في ماهيات الاعلام سواء أكان من باب التخصص او الاطلاع او الفضول لابد ان يجد بعض المعالم والملامح التي تتسم به الاعلام الناجح المبني على اساس من الثقة في طرح المادة الاعلامية، وقوة المصادر التي يعتمد عليها سواء المالية الداعمة للاستمرارية او المصادر المعلوماتية التي تحقق لها المصداقية والثقة في آن واحد،والاعلام الجديد بكل مسمياته الإعلام الرقمي، الإعلام التفاعلي، إعلام المعلومات، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي على خطوط الاتصال ( Online Media)، الإعلام السيبروني ( Cyber Media)، والإعلام التشعيبي، ( Hyper Media ) ، يمتلك عدة سمات وخصائص لايمكن التغافل عنها، كالكونية، والتفاعلية واللاتزامنية والانتباه والتركيز والحركة والمرونة ومن ثم اندماج الوسائط لديه وكذلك التخزين والحفظ وناهيك عن سمات وصفات وخصائص اخرى كلها توظف من اجل اخراج اعلام قوي ذا مصداقية وقبول لدى الشرائح الاجتماعية بكل تصنيفاتها، وحين ننظر الى الاعلام العربي ظاهرياً سنجد بانها تمتلك المساحات الاعلامية المذكورة ظاهرياً فهي لديها التقنيات الحديثة التي تعطيها الحق في امتلاك تلك الخصائص، ولديها الندرة الحدثية باعتبار ان الاراضي العربية هي مصدر لكل حدث لااقول شاذ عن الاحداث الاخرى لكنه مختلف عن المساحات الاخرى، فالمنطقة العربية قديما وحديثاً هي بؤرة الصراعات سوأء الصراعات القبلية للزعامة الدينية والقبلية او الصراعات الدموية التي لم تتوقف تاريخياً الا لحقبات زمنية قليلة وذلك من اجل اعادة التعبئة والتنظيم او بالاحرى من اجل الحصول على تحالفات جديدة تقدم دول المنطقة لها تبعيتها وتحقق السلطات مصالحها لتعود من جديد الى خلق المزيد من الدمار والقتل.

اذا لايمكن اخفاء المعالم الظاهراتية المتطورة للاعلام العربي، فتكدس الاموال في خزائن السلاطين العرب جعلت من اعلامهم يوازي صناديقهم " مواردهم المالية" وهذه الموارد جعلتهم يستعينون باحدث الاساليب العلمية والتقنية من اجل ايصال رؤيتهم – هذا ان كانوا في الاصل يمتلكون رؤية مستقلة – ولايمكن انكار هذا البذل الواضح في هذا المجال، ولكن في الوقت نفسه، دعونا ننظر بتمعن الى الامور الاساسية خارج الدعم السلطوي التي يركز عليه الاعلام العربي، سواء التي تمس القضايا الاساسية للشعوب العربية، او التي تخص السيادة العربية على مواردها، او تلك التي تخص الدول التي تسيطر على المنظومة العالمية وتقوم بادارتها وفق مصالحها ورؤاها النابعة من كيانها ومن عقليتها الساعية دائما لكسب المزيد من المكتسبات لشعوبها.

الاعلام العربي كان ولم يزل منشقاً على نفسه في دعم القضايا التي تخص بني جنسهم، وهذا واضح تماما في سير الاحداث التي ترافق المنطقة من جهة، والتي تدعمها السلطات اصحاب الاعلام الابرز في المنطقة من جهة اخرى، هذا الانشقاق لايمثل في صورته المرئية والعقائدية الا النعرة القومية الدينية معاً، فكل الاعلام قد يوجه للطعن في حزب الله اللبناني باعتباره يميل الى ايران، وكل الطعنات توجه الى الاعلام السوري لكونه ايضا يميل الى ايران، والاعلام اليمني المنشق على نفسه والقضية هناك واضحة لاتحتاج الى تفسيرات وتأويلات كثيرة، في حين ان الجزء الاهم في سير العملية الاعلامية والتي يتعلق بالمسائل والقضايا الانسانية غير مرئية لدى الاعلام العربي الا من منظور التعصب المذهبي الديني القومي، فصور الاطفال الذي يموتون جراء قصف الجيش السوري تظهر على الاعلام بشكل مستمر ولكن الاطفال الذي يموتون جراء تحركات القوات المفككة – اقصد غير المنسجمة قوميا وعقائدياً – هولاء ليس لهم حق او نصيب في هذا الاعلام، وهنا يفقد الاعلام مصداقيته لكونه يتحول من اعلام قضية الى اعلام سلطوية مذهبية دينية، والامر سيان في كل من فلطسين التي نجد بعض القنوات تركز على القصف الاسرائيلي وما يخلقه من دمار ويسميه وحشية في حين ان طعن مواطن اسرائيلي بالسكين على الشارع يعد لديهم عملاً بطولياً، وفي نفس السياق ما يحدث في العراق مثلاً، ان تذبح داعش المواطنين في الموصل امر عادي، ولكن دخول القوات العراقية للاحياء والازقة داخل الموصل ينذر بكوارث بشرية وانسانية وابادات جماعية مذهبية بنظر الاعلام العربي، وهذا كله ليس الا لان الجيش العراقي بنظرهم مدعوم من ايران، وفي ليبيا والصومال والسودان بشقيه (الجنوبي المتحرر) والشمالي وجيبوتي – اتساءل عن عروبية جيبوتي دائما – والكثير من الدول والمناطق الاخرى الداخلة ضمن الرقعة التي يطلق عليها الامة العربية.

ان الازدواجية التي يعيشها الاعلام العربي تحتلف تماما عن اية ازدواجية اخرى في العالم، وذلك باختصار شديد يجد العرب انفسهم  حاملي رسالة الاسلام – الرحمة – الى العالمين، ترى أ ليس الطفل الحوثي مشمول بالعالمين، أ ليس الطفل السوري الموالي لبشار الاسد من العالمين ، أليس الطفل الجنوب السوداني مشمول بالعالمين، أ ليس الطفل الذي ذبحه داعش في المناطق العراقية والسورية مشمول بالعالمين، ام ان العالمين هذه تخص فقط من يباركهم السلطوية الدينية القومية المذهبية العربية الحالية التي تتجسد في بعض الدول مالكي البترول " الدولار " والذين ينوبون المسلمين الاخرين في اصقاع الخراب الارضي ويتحدثون نيابة عنهم..؟ .

ان جملة التساؤلات هذه هي التي تعطينا المساحة الحقيقية لوجود الاعلام العربي، الذي هو كما اغلب الدول الاخرى تسخر كل امكانياتها من اجل ترسيخ مبدأ وجودها هي دون غيرها، وما تلك البرامج التي تقدم بين حين واخر تحت غطاء يسمى الاعلام الحر الا فرقعات يحاولون بها خداع المواطن العادي، مع ان المضمون الذي يقدم خلال تلك الفرقعات ايضا لايمكن الا ان تخدم مصالحهم السلطوية، فاعلام السلاطين كان ولم يزل فعالاً ولايمكن التغافل عنه بمجرد حوار مباشر او مسجل حول قضية من قضايا الحراك والحدث الحالي غير المنسجم من السلطوية، ناهيك عن امور اخرى التي تسلط الاضواء عليها، بعيداً عن الحدثية الداخلية، فتقوم بتضخيم الحدث وكأن القيامة قامة، مع ان الامر لايتعدى عند اصحاب الشأن سوى حدث بسيط جداً بحيث لايمكن التطرق اليه الا من باب الطرائف، ولعل ما وجدناه في الاعلام العربي المرئي وغير المرئي حول مسألة عدم مسك زوجة ترامب ليده اثناء بعض زيارته خير دليل على تفاهة هذا الاعلام من جانب، وعلى سذاجة متداولي الخبر في الشبكات الاجتماعية من جانب اخر، فالاعلام العربي ركز على الامر وكأنه حدث مهم بل وجدنا البعض يقول لقد فعلتها زوجة ترامب وقالت لا له، في حين تجاهل الاعلام عمداً وبامر سلطوي المكاسب التي اكتسبها ترامب من زايارته تلك، فلنتوقف هنا، المليارات السعودية، اطمئنان اسرائيل على انها ستبقى الراعية لمصالحها طالما اسرائيل ستدعم عي الاخرى مصالح الويلات الامريكية المتحدة، ومن ثم فرض الرؤية الامريكية على القمة الاسلامية وبحضور اغلب الرؤوساء المسلمين، وخلق جبهة تصدي لايران، وفي الجانب الاخر خلق ورقة ضغط مستحدثة على كل الدول في المنطقة، ناهيك عن المكتسبات الاقتصادية الاخرى، وحتى الاعلامية التي من خلالها يظهر لشعبه على  ان امريكا مازلت قوية ومسيطرة على زمام الامور، فضلاً عن توجيه ضربة الى اصحاب الرأي الديني المتشدد فيما يتعلق الشرع وتطبيقه وفيما يتعلق بالسنة النبوية الاسلامية – مصافحة الرجل للمرأة "كمثال" - ، وهنا تختلف النظرات وتختلف الرؤية فهم يحتفون بالمكاسب، ويجدون الامر الاخر مجرد طرفة، في حين الاعلام العربي يجد في الطرفة مكسباً سياسياً كبيراً وتتجاهل الحقيقة الواضحة للعيان، والتي تكمن في ان المليارات من اموال هذه الشعوب ستذهب طوعيةً الى خزائن امريكا.

ان جملة التناقضات والازدواجية التي تلازم الاعلام العربي ليس الا ممر الى خلق انسان عربي منفصم عن الواقع، يعيش الحدث بقشرته ويترك الجوهر لاصحاب المكاسب، وهذا بالتالي يخلق جواً من الهدوء السلطوي، بمعنى اخر ان السلاطين يبقون على كراسيهم لمدة اطول، وحتى ان تحركت الشعوب لهز العرش السلطوي فانها ستدفع الثمن غالياً، لانها مهما بلغت من تحوير وتحويل للحقيقة فانها لن تتخلص من تبعيات هذا الاعلام السلطوي الذي ساند الربيع العربي في اماكن كثيرة فحوله الى ربيع احمر بالدم ربيع الجماجم التي لم تزل تتساقط كامطار الشتاء، ومن هذا المنطلق يبقى التساؤل  للاعلام العربي ترى ايهما كان الاهم ان تركزوا عليهم يد زوجة ترامب ام المليارات التي كسبها ترامب..؟ ، ويا ترى  مفهوم العالمية لديكم لماذا لايشمل الا ممن ينتمون لبني جنسكم قومكم مذهبكم دينكم..؟ والسؤال الاخر هل بقاء الموصل مثلاً تحت سيطرة داعش هي عندكم اهم من ان تتحرر على ايدي الجيش العراقي..؟ .

*- لم اتطرق الى الشأن الكوردي بتاتاً في هذا المقال كي لايتم تحوير الموضوع على انه حقد قومي ، لأن اصحاب النفوس الضعيفة والحاقدة لن يتمهلوا في تحوير الامر لذلك المفهوم.

 

 

2017-06-02