الإثنين 10/4/1446 هـ الموافق 14/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تقدير موقف: ديناميكيات المنطقة بعد زيارة ترامب....خالد هنية

غادر الرئيس الأمريكي دولاند ترامب المنطقة حاملاً معه المال العربي، وترك خلفه ملفات ساخنة أثقلتها الأحداث من ذي قبل، وتفاقمت وتيرة حدتها وسخونتها، بعد مخرجات وكلمات القمة والتي ركزت على محاربة مايسمي الإرهاب وفق المقياس الأمريكي، والتي استهدفت إيران بالدرجة الأولي، وأشارت كذلك لتصنيف بعض الجماعات المتشددة بالإرهاب كتنظيم داعش والأخطر من ذلك ذكره حماس كمنظمة إرهابية وربطها بداعش، بل أكثر من ذلك كان هذا علي مسمع وحضور كافة الدول العربية والإسلامية مجتمعة دون تحريك ساكناً.

لذلك في هذا المقال سنحاول الوقوف علي مخرجات القمة والمرحلة المقبلة والمتغيرات التي ستشهدها المنطقة بعد هذه الزيارة.

أولاً: المشهد السعودي:

ربما أربكت المملكة الحسابات لدي جميع الأطرف العربية والإسلامية، في عملية التعاطي مع الولايات المتحدة الأمريكية، لما لها من حضور بارز في العالم ومدى قدرتها علي حسم الملفات ومعالجة القضايا وتعزيز بناء القوة والترابط بين مكونات دول المنطقة.

إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، فقد تغيرت الحسابات، واحتدم الخلاف وازدادت الفجوة، وتعززت الإنقسامات، فلقد أبدت المملكة عدائها لبعض الدول أهمها إيران، وقد وجهت الأمة لتركيز إيران كعدو الأمة الأول دون ذكر إسرائيل، والأهم من ذلك إقلاع طائرة ترامب من مطار الرياض إلي مطار اللد، وهي سابقة جديدة كإشارة تطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الإطار سنتحدث عن السيناريوهات المتوقعة تجاه المملكة لما بعد الزيارة وهي كالتالي:

1- انقسام الموقف الخليجي بين مؤيد ومعارض لما دشنته المملكة مع أمريكاـ وقد توجه الغضب الخليجي في هذه الفترة علي  دولة قطر وهو ما ستزداد وتيرته في المرحلة المقبلة، وسيكون له تداعيات من شأنها تعزيز الفجوة.

2- ازدياد مساحات الإختلاف بين كلاُ من المملكة وإيران، وتعزيز الحشد الطائفي ضمن المربعات التي تعمل فيها كلا من البلدين، فالإحتدام يزداد يوماً بعد يوم،

3- إن الفقر المدقع والأمراض المنتشرة في بعض الدول التي تحيط بالمملكة، سيهدد أمن المملكة واستقرارها تباعاً نتيجة التهديد الذي سيحل بتلك الدول.

4- تراجع الحضور السعودي في العالم العربي والإسلامي، وهو أمر ربما لم تضفوا ملامحه على السطح بشكل كبير، إلا أنه وعبر بعض الممارسات والأيام سيتضح بشكل أكبر.

وهنا: نذكر موقف الرئيس الأندونيسي في زيارة الملك سليمان الأخيرة الشرق آسيوية، انتقد وبشدة حجم الدعم الذي قدمه للصين والبالغ 61 مليار دولار لها، بينما دعم أندونيسيا بــ 10 مليار فقط، وهو ما أثار حفيظة الرئيس الأندونيسي، والذي قال في تصريح مقتضب أنني حملت له المظلة على رأسه ويتعامل بهذه الطريقة.

المشهد الإيراني والإستدراك:

مما لا شك فيه أن إيران تمثل خطر حقيقي علي المملكة العربية السعودية، ضمن قراءة الواقع والسلوك السياسي والأمني والميداني لإيران دليل على ذلك، لذلك فإن هناك خيارات ومساحات مازالت مفتوحة أمام المملكة والتي من شأنها معالجة القضايا بينهما، أو ماكان يمكن فعله بديلاً عن التوجهات للولايات المتحدة وهي علي النحو الآتي:

1- تعزيز الجبهات الجيبوليتيكية حول إيران ومحاصرة نفوذها في جوارها الجغرافي والذي يشكل جدار احتماء متوازن للمملكة، ويتعزز ذلك من خلال الجبهة الشرقية لإيران باكستان وأفغانستان، وأعتقد أن ما تحتاجه تلك الدولتينن لوجستياً ومالياً لا يتجاوز ألــ 20 مليار دولار أمريكي.

2- (الأداة الدبلوماسية)، من خلال الاستعانة بأصدقاء المملكة والذين لديهم حضور ومصالح مع إيران، في إطار معالجة القضايا العالقة بين البلدين، تحت قاعدة حسن الجوار وتغلييب المصالح الإقليمية، وتغليب الوعي السياسي وتجنيب الإقليم المخاطرة المحيطة به.

3- ضمن <<الأداة الدبلوماسية>> فإن ما سبق يندرج علي رؤية شاملة، تضمن معالجة الهيمنة الإيرانية علي الملفات التي تتحكم بها عربياً (اليمن- سوريا –العراق- لبنان)، وهي التي تتشارك الحدود مع المملكة وتشكل تهديد لها.

4- الحضور السعودي الفاعل في مناطق التهديد التي تحيط بها وهي سوريا والعراق واليمن، بسياسة أكثر فاعلية وأكثر داعمية، فهذين الملفين بالذات تعرضا لتهميش سعودي وخليجي كبير(سوريا، العراق).

5- تركيا وقطر دولتان هامتان في الإقليم وأكثر مايعول عليهما، ولديهما علاقات حسنة مع إيران، ويمكن الإستعانة بهما كدول صديقة، للعب دور الوسيط بناءً علي الطرح السابق.

وهناك حقائق يجب إدراكها إقليمياً كمنطلقات للوقوف عليها ألا وهي:

1- إيران دولة جوار جغرافي، وكذلك دولة محورية، ولا يمكن إنهائها أو إضعافها، فالبعد الأيديلوجي، يتربع علي عرشها.

2- وضع الحلول السلمية والدبلوماسية علي الطاولة.

3- <<الصراع الطائفي>> يعتبر صراعاً دموياً، لا يجني سوي الدمار والخراب ونتائجه صفرية، وسيتنهي بعد ملايين القتلي، إلي الحلول السلمية، والتي ستنتهي بإتفاق يعيد الأمور إلي نفس المربع الحالي.

"في هذا الإطار فقد أخطأت المملكة في قرائتها للمشهد الإقليمي والداخلي، في الحفاظ علي وحدتها الداخلية بتعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل من الإرتماء، علي حساب التضحية بملفات هامة في الإقليم".

المشهد الفلسطيني (ومشروع التصفية):

وهنا وفي إطار المعطيات السابقة مجتمعة فإن واقع القضية الفلسطينية، مرتبط ارتباطاً عضوياً في التوجهات الإقليمية الجديدة نظراً لرؤية الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل، وضمن التشارك في المصالح السعودية الأمريكية، وفي إطار توجه المملكة في تعزيز مكانتها الإقليمية، وضمن الإنطلاق علي قاعدة <<المبادرة العربية للسلام>>، فإن الزيارة لها تداعيتها علي المشهد الفلسطيني.

1- محاولة دمج (إسرائيل) في المنطقة، ضمن الرؤية السابقة (لشمعون بيرس)، فيما يعرف بمشروع <<الشرق الأوسط الكبير والجديد>>، وكانت أولي خطواته العملية إقلاع طائرة الرئيس الأمريكي من مطار الرياض مباشرة إلي مطار اللد في الأراضي المحتلة، وهذا بطبيعته سيؤثر علي مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يتم حصره حالياً في زاوية دولة فلسطينية علي المقاس الأمريكي، وفق قواعد ومنطلقات الخطاب السياسي لترامب في القمة وفي إسرائيل، والذي لم يذكر فيه حتي مشروع حل الدولتين.

2- تتهيئ المنطقة لحلف شرق أوسطي جديد، وسيتم الإنضمام إليه في عام 2018، وفي إطار تسميته بهذا الإسم دون ذكره عربياً أو إسلامياً، فهي إشارة إلي إمكانية إنضمام إسرائيل فيه،

3- في إطار توجيه العداء لإيران كعدو الأمة الأول، وفي إطار التحفظ علي ذكر إسرائيل بجمعها مع إيران في العداء، وفي نفس الوقت التي تذكر فيه حماس بالإرهاب، فإن هذا له تداعيات خطيرة على مستقبل القضية، وهو ما سيثير ردة فعل فصائل المقاومة الفلسطينية، إلي البحث عن الوسائل والسبل التي ستحافظ فيها علي ثوابت القضية وعدم المساس بها.

المشهد المصري:

لقد تجرع النظام المصري مرارة ماحصل أمام ناظريه، من حالة التهميش التي لحقت به، في أثناء القمة، (والسلوك السعودي العام) فلقد قُدمت كلمت الأردن على كلمة مصر في القمة، ولقد تبني الإعلام السعودي قبيل وأثناء القمة مصطلح جديد ألا وهو أن المملكة مركز القرار العربي، وهي قدح بالدور والحضور المصري في الإقليم، وهذا الأمر له تداعيته على السلوك المصري تجاه السعودية ولن يقف عند هذا الحد إنما ستكون هناك فجوة وحالة توتر وإن كانت غير ظاهرة للرأي العام، إنما ستظهر لاحقاً.

وهنا لابد من كلمة: يمكن القول أن بعض السلوك السياسي والميداني المصري في المرحلة الحالية، ينبع من استقلالية القرار  المصري وفق المساحات الحرة والهامشية المسموحة له، كرسالة أنني موجود ولن أسمح لأحد بتجاوزي عبر بوابة المال.

المشهد التركي والقطري:

لقد استهلك الحديث سياسياً وإعلامياً في هذا الإتجاه وتبعاته، إلا أنه يمكن القول تبقي قطر وتركيا صمام أمان، ويمكن البناء عليهما في معالجة قضايا الإقليم، لما تتمتعان به من سياسة خارجية مرنة وبراغماتية، وكذلك الحرص والحفاظ والإهتمام بالمنطقة ومآلاتها. بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي والحضور التي تتمتعان به تلك الدولتان.

إلى هنا: تبقي المتغيرات والحرج السياسي واللااستقرار سيد الموقف في المنطقة العربية، وتبقي الأمور تتجه إلى ظهور أحلاف وتكتلات جديدة، بحيث سنجد هناك دولة غير صديقة أصبحت أحلاف على قاعة المصالح، وسيتعزز الدور الروسي فيي المنطقة وستطول مدة وأمد الصراعات في المنطقة، ولن تستطيع السعودية تدشين علاقاتها مع روسيا وأحلافها مادامت الأمور تتجه في الوقت الراهن في هذا المسار.

لكن يبقي هناك أمل في إعادة ترتيب المنطقة، إن أٌدخلت متغيرات هامة في المشهد الأمريكي، وأثرت على الإدراك السعودي، في تدارك القراءة الخاطئة، وحاولة معالجة الملفات، وهذا يحتاج أيضاً إلى وقت لإدراكه.

ومن هذا المنبر: أدعو الكتاب والباحثين والمفكرين من خلال الحواضن البحثية والفكرية(المراكز والمؤسسات والهيئات والدول) بالوقوف عند مسؤوليتها، وإطلاق (مؤتمر سياسي علمي استراتيجي) فاعل ودقيق وموسع يتناول كل المعطيات ويجمع كلل المتناقضات العربية وغير العربية، في المنطقة دون (إسرائيل)، تكون لتركيا وقطر النصيب الأكبر منه، للوقوف علي مآلات الأحداث والمتغيرات في المنطقة وتحديد الأعداء الحقيقيين للأمة، والخروج بحلول من شأنها الحد من الصراعات على طريق إنهائها، عبر الوسائل الدبلوماسية.

خالد هنية..... كاتب -باحث في العلاقات الدولية

2017-06-03