الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
سَقَطُوا.. وبقيت القدس تنتظر صلاح !...جبريل عوده

 خمسون عاماً على إحتلال القدس, ولازال القيد الصهيوني يطوق معصميها , وتحجب كيباه المستوطنين إشراقة الشمس عن باحات أقصاها الشريف , وتخنق أنفاس الحاخامات قباب ومآذن قدس الأقداس , خمسون عاماً على إحتلال القدس , وما تحرك لنصرتها عربي ولا أرسل لنجدتها مسلم,  كأن الدفاع عن قدس المسلمين يقع حصرياً على كاهل المتعبين المحاصرين الرازحين تحت أبشع وأثقل إحتلال تدعمه كل قوى الاستكبار العالمي, خمسون عاماً ولم تسقط المدينة المقدسة , فلقد قاوم رجالها ونسائها وأطفالها وجاهدوا بما إمتلكوا من وسائل وإمكانيات متواضعة وما توقفوا عن المقاومة , وبقيت القدس عربية إسلامية بمساجدها وكنائسها , وكان الإحتلال هو الغريب البشع في أزقتها وحواريها وبلدتها القديمة, وقعت القدس ومقدساتها تحت الإحتلال الآثم , ولم يسقط وجهها الحضاري المشرق أمام همجية وبربرية الإحتلال البغيض, فلقد صمد ناسها ومصليها وبائعي الزعتر والمرمية على بواباتها , والحقيقة الجلية بعد خمسون على إحتلال القدس , أن النظام العربي والإسلامي الرسمي هو الذي قد سقط , وليس له أن يرفع رأسه , ما دامت القدس حبيسة الإحتلال الصهيوني, لقد سقطت جيوش الأنظمة في حرب الست ساعات في الخامس من يونيو1967م أمام جيش العصابات الصهيونية , عندما غابت عقيدة الإنتماء للقدس وفلسطين في صفوف جيوشنا الرسمية , لقد سقط زعماء الممالك العربية وبقيت الهزيمة تلاحقهم والخنوع يرافقهم, ولن يذهب عنهم رجس النكوص , ولن يُمحى عنهم آثام ضياع القدس الملتصق بجباههم , منذ اليوم الأول الذي داس فيه موشى ديان وزير الحرب الصهيوني أرض القدس قائلا " لقد رجعنا ولن نتخلى عن القدس , مضيفاً لقد وصلنا أورشليم ومازال أمامنا يثرب وأملاك قومنا فيها " , ليكشف عن أطماع الصهاينة ومخططاتهم وحربهم العقائدية , فهل يعقل العرب والمسلمون طبيعة الصراع في فلسطين ؟! .

 

خمسون عاماً من الإحتلال للقدس , ولم يجد الكيان الصهيوني سبيلاً لتهويدها أو حيلة لشرعنة إغتصابه لها, وقد فشل فشلاً ذريعاً أمام صمود أهالي القدس وعائلاتها الكريمة المجاهدة , ورسوخ تاريخ القدس الإسلامي العصي على التزوير, والذي تشهد عليه الحجارة وحبات الرمل في قدسنا الحبيبة, بل تروى حكايات المدينة المقدسة أشجارها الشامخات في جبالها الشم الرواسي, ولا زالت تحتفظ بتكبيرات المحررين والفاتحين, وتواصل ترديد تلك التكبيرات , على موعد منظور للزحف القادم , سعياُ لخلاص المدينة المقدسة , من القيد الصهيوني وإنهاء إحتلالها الغاشم  , لقد تبددت أوهام الإرهابي مناحيم بيغن رئيس الوزراء الصهيوني عندما قال في يوم إحتلال القدس قبل خمسون عاما "  آمل أن يعاد بناء الهيكل في أقرب وقت، وخلال فترة هذا الجيل" , أليس أطفال الحجارة في سلوان , والشيخ جراح وصور باهر , ومخيم شعفاط والمرابطين في البلدة القديمة , وخلفهم أبناء الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة والشتات , هم من أفشلوا هذا الحلم الخبيث لبيغن , بعد أن فشلت جيوش جراره في الدفاع عن القدس وحماية مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم , هذه الحقيقة تنطق بها الأحداث على مدار خمسون عاماً من المجازر والترهيب والقتل والطرد وهدم البيوت والإعتقال الذي مورس ببشاعة ضد أهالي القدس , ولم يثنيهم ذلك ولم يردعهم عن مواصلة التجذر والبقاء في القدس ,رافعين راية الحق الفلسطيني في مواجهة كل أباطيل اليهود والصهاينة , حيث تمكنوا من إفشال مخطط التهويد وتزوير الوقائع والتاريخ في القدس المحتلة.

وعلى صعيد المؤسسات الدولية فلقد مني الإحتلال الصهيوني بهزيمة مدوية , نسفت كل دعاويه الباطلة حول يهودية حائط البراق , عندما  تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قرارا في 18 أكتوبر 2016 م, ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، ويعتبرهما تراثا إسلاميا خالصا , خلال إجتماع للمنظمة الدولية في العاصمة الفرنسية باريس , وهذا القرار تعززه الدلائل والبراهين والوثائق التاريخية ولم يكن من أجل سواد عيون الفلسطينيين العرب والمسلمين ,وهي بمثابة وثيقة أممية تصفع الإحتلال وتبطل كل إجراءاته التهويدية في القدس المحتلة  .

ولعل العجيب الغريب أن يخرج جبريل الرجوب, يتشدق علينا بعبارات يستند في إطلاقها لحركة وطنية – حركة فتح-  قدمت الشهداء والتضحيات من أجل قضيتنا الفلسطينية, ولا يتورع في تلك التصريحات أن يمنح اليهود السيادة والحق في حائط البراق , ويؤيد الادعاء الصهيوني بأحقية اليهود على جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى , في إمعان من أصحاب فريق التسوية السير في طريق التنازلات الكبرى , بعد تفريطهم بأكثر من 80% من أرض فلسطين لصالح الصهاينة , وكل ذلك لوعود ليس لها رصيد , عن حصولهم على دويلة الوهم تحت حراب الإحتلال وسطوته , بل تعمل دويلتهم المرتقبة كخادمة للإحتلال في وظيفتها الأمنية المقدسة, لقد شكلت تصريحات جبريل الرجوب للتلفزة الصهيونية , طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني , وخيانة لدماء شهداء شعبنا على إمتداد سنوات الصراع الطويلة , وخاصة شهداء الدفاع عن المسجد الاقصى وحائط البراق من محاولات التهويد والتدنيس , وخذلان للأسرى والجرحى الذي إنصهروا في معركة بطولية عنوانها تحرير فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك ,  وتكون الغرابة أشد وقاحة عندما تجد من يدافع عن هذا المسلك التفريطي , وكأن نبوءة القائد الفتحاوي الشهيد صلاح خلف رحمه الله تتحقق فيهم , يوم قال " بأنه يخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر " , عذرا أبا إياد فلقد أصبحت الخيانة مشروع وطني , وأضحى بيع الوطن والتفريط بالمقدسات حنكة سياسية , في زمن حكام المقاطعة الذين سرقوا برنامج حركة وطنية مقاومة , وإختزلوه ببرنامج شخصية لا تملك الإجماع الفلسطيني العام , ولا على مستوى قاعدة فتح الجماهيرية ,شخصية ديكتاتورية ترسل الموت لغزة كيداً لخصمه السياسي غير آبه بمعاناة مليونين من البشر , شخصية خانعة لا تؤمن بالمطلق بأن يقاتل المظلوم ظالمه , ولا يعطي للحر الحق أن ينتفض ليستعيد داره , فيكبله بسياط أجهزة الأمن حماية للعدو ومستوطنيه , شخصية لا تؤمن بما ماتوا عليه الشهداء الأبرار, فكيف يتقلد رأس القيادة في حركة التحرير الوطني الفلسطيني , بلا شكل بأننا أمام مشهد هزلي مبكي , ونصرخ في من تبقى أليس فيكم رجلاً رشيد ؟! .

تسقط كل الأحزاب والفصائل والتنظيمات التي لا تؤمن بأن القدس فلسطينية عربية إسلامية , كاملة لا تقبل القسمة ولا التجزئة , وأن مقدساتها وفي القلب منها المسجد الأقصى ,ملك خالص للمسلمين ليس لليهود أي حق فيه , وهنا لابد من وقفة جادة ثورية تعمل على تصويب البوصلة الفلسطينية وتصحيح المسار الوطني , تصدياً للمؤامرة التي تحاك من أطراف شتى ضد قضيتنا الوطنية , فلا بد من تحرك عاجل لعزل كافة الأصوات التي لا تعبر عن جوهر قضيتنا القائم على حقوق راسخة وثوابت لا تقبل التفريط , والعمل على إقرار وحدة الصف الوطني , الذي يحصن القضية ويردفها بعوامل المواجهة الحاسمة مع المحتل وأدواته وداعميه , ترسيخاً للحق الفلسطيني وسعياً لإنجاز التحرر الوطني والإنعتاق من الإحتلال .

كاتب وباحث فلسطيني

5-6-2017م

2017-06-05