الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
جمعية العلماء والخطاب المحنط...محمد الشفيع

أطلت علينا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي يقودها الشيخ عبد الرزاق قسوم، وثلة من معتنقي الطرح الباديسي، وقد دونت بيانا يقطر حزنا على قطر، بعدما نكلت بها أمها من الرضاع، متمثلة في مملكة آل سعود، وقد دعت الجمعية بكل ما تملك من طلاقة وبلاغة وفصاحة؛ إلى وقف سجال المقاطعة، وبث روح التحابب والمسامحة.

الغريب في الأمر أنها تبكي دما على حزمة الأسرار والأعراض، التي هتكت بين الجارات والضرائر، من مجلس التعاون على الثورات وتصنيع الفصائل، ونسيت أو تناست ما يحدث قبل هذا التناوش الصبياني، من حرب جائرة طاغوتية ضد اليمن السعيد، وحرب إجرامية استنزافية ضد سوريا والعراق، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان في المنامة والمنطقة الشرقية بالحجاز، وتناحر مأساوي بين مسلحي ليبيا، وما تبقى من متمرديها.

هذه الجمعية تخلّقت إبان حقبة الاحتلال الفرنسي للجزائر، لكنها اليوم غير واضحة الدور، وما زالت تصر على استخدام الختم التاريخي بالتوارث ؟، فهل هي هيئة شرعية أهلية، موازية لوزارة الشؤون الدينية ؟، وهل يحق لها أن تمارس وظيفة الإفتاء ؟، أم أنها رابطة لحماية المرجعية الباديسية ؟، أم هي فرقة مكلفة بحراسة العقيدة والأخلاق، ومحاربة العلمانية والحداثة ؟، وهل نحن محتاجون حقا إلى تجمعات علمائية كما في المشرق العربي، مثل هيئة علماء المسلمين في العراق، وكذلك في لبنان ؟، وغير ذلك من العناوين الوهمية والهلامية، والواجهات التتويهية والتمويهية، التي صدعت رؤوس الخلائق، وضيعت عوام المسلمين، بين دكاكين التأله، وضجيج مكبرات الصوت، ونداءات منابر الصياح.

لقد نشأت فكرة التأسيس لهذه الجمعية في أرض غير جزائرية، وكان ذلك أثناء حكم العائلة السعودية، وتحت جناح التيار الوهابي النجدي، عكس ما نجده في سيرة الطرق الصوفية المحلية، التي ولدت نبتة في داخل الوطن، وسقيت بمائه، وترعرعت تحت شمسه، وأينعت بين نسماته، والسؤال هنا يبقى ضمنيا وواضحا.

الجمعية استنكرت الرسوم المسيئة لمقام النبوة، وتحسرت على مسلمي ميانمار، وأرسلت دعما ماديا لقطاع غزة، لكنها لم تدرج في موقعها أي خطاب للسوريين المتطاحنين، تحثهم فيه على التحاور والتهدئة، والتصالح والوئام، ومحاربة الأشرار.

لو كانت الجمعية تريد تأسيس مشروع تربوي؛ لتخريج أجيال من النوابغ والموهوبين؛ لكان ذلك رائعا للغاية، أما تقديس الماضي فقد تم تخريب الأمة بسببه، حيث لا تجد مكانا لعبادة الله وحده، وإنما تبعية للصنمية، وعبادة لقول من سبقنا إلى الجنة ربما ! .

العلماء افتراضا يقولون الحق، ويقفون بحكمة صفا واحدا، إلى جانب الدولة والشعب، فيبذلون النصح للسلطة والناس على حد سواء، ولكن ضمن صيغة قانونية واضحة المعالم، لا تدعهم عرضة للسلبية والتخبط، والاستمالة من أي جهة كانت.

الشعب الجزائري مسلم بالأغلبية الساحقة، ورغم ذلك ما زالت الجمعية تحمل شعارها التقليدي القديم، ومفاده أن الإسلام ديننا، فهل نحن نحتاج فعلا إلى تذكيرنا بالمسلّمات ؟، وحين كتب رئيسها مقالا عَنونَه كالتالي: في ذكرى خير جمعية أُخرِجت للنّاس، فهل يقصد أن الجمعية هي الإسلام ؟، وما مبرر القول بأن مؤسسها يرى بنور الله ؟، ولماذا ينفي البعض أنه وهابي العقيدة، في حين أن خلفه الإبراهيمي قد سماه بإمام الحركة السلفية ؟، ألا يمكن اعتبار ابن باديس امتدادا للتيار السلفي، والإبراهيمي امتدادا للعقلية الإخوانية ؟، وبالتالي فرصيدهما يحتاج إلى النقد المركز والغربلة المشددة، حتى نأخذ من تركتهم ما يتلاءم مع الشخصية الوطنية فقط.

هذه الجمعية تبدي رغبتها في توحيد شمل الأمة، وترسيخ قيم المحبة والأخوة والتعارف !، وقد أدرجت في موقعها مقالا دسما، على النقيض من رسالتها المفترضة، وكان يدور حول خطر التبشير والتشيع !، وبقلم غير جزائري، بل تم سلخه من موقع رئيس مركز أمية، وهو العراقي المدعو بنزار السامرائي، والذي يتحدث بنفس منطق نوار عبد المالك، ومحمود الدغيم، ومن حذا حذوهما من عشاق الطائفية.

تستميت هذه الجمعية في الدفاع عن اللغة العربية، وتعتبرها من الثوابت المؤبدة، ولوحظ في بياناتها غلوها في استخدام السجع، وكأنه الحنين إلى لغة مؤسسيها فكرا ولفظا، إلى درجة أنها وصفت مواطني غرداية بالأهالي، وكأنك تسمع الكلام من مشرفيها، أيام حكم الغزاة الفرنسيس، وليس تحت مظلة بوتفليقة، وهذا بسبب استنساخ الخطاب المحنط،، والارتباط بالنص، حد التعلق والتماهي.

لقد صار واجبا على جمعية العلماء أن تعيد مراجعة نفسها من الجذور، في عنوانها ورسالتها وأهدافها، لتكون لبنة إيجابية، وتساهم في بناء الثقافة والوعي، والأفضل لها أن تتحول إلى مؤسسة بحثية محايدة، بدل ممارسة التمشيخ الضبابي، والخطاب العاطفي، والتفجّع المسيّس، والوصاية على اللاوعي الجمعي، والسباحة في البكائيات.

2017-06-14