تعطلت سيارة ثلاثة أصدقاء في مكان مهجور ، بعد ساعة من السير المرهق بطرق وعرية رأوا ضوءا منبعثا من منزل يقف وحيدا وسط ارض واسعة. شدوا الخطى نحو مصدر الضوء على أمل أن يجدوا مكانا يقضون به ليلتهم حتى الفجر..ولعلهم يجدون أيضا بعض ما يخفف جوعهم وعطشهم...
ما استرعى اهتمامهم وجود منزل وحيد داخل مزرعة كبيرة واسعة بها مزروعات وحظيرة حيوانات واسعة جدا..
استبشروا خيرا وهم يقتربون من المنزل، الذي ينطلق من داخونه دخان برائحة شواء ذكية.
قال الصديق الأول: بما أني رجل دين يهودي ولا اعرف نوع اللحمة التي يشويها صاحب البيت، وخوفا أن تكون لحمة خنزير أو لحمة غير ملائمة للشريعة اليهودية، لذلك سأمتنع عن الطعام.. وليكن الله بعوني!!
قال الصديق الثاني: بما أني هندي، أنا أيضا لن أتناول من هذه اللحمة التي نشم رائحتها خوفا أن تكون لحمة بقرية.. وكما تعلمون للبقر عندنا قداسة خاصة.. قداسة البقر أهم من إسكات جوعي!!
قال الصديق الثالث: بما أني محامي فانا سأقوم بالواجب بدلا منكما، وسآكل ما يشوى ولو كان خنزيرا أو بقرا أو حتى لحم بشر!!
قرعوا باب المنزل، بعد برهة اطل وجه رجل في منتصف العمر. قالوا له أن سيارتهم تعطلت ويرجون منه أن يؤويهم حتى الصباح .. وإذا أراد أجرة لذلك سيدفعون له بطيب خاطر.
رحب بهم صاحب المنزل، وقال أنهم ليسوا أول من يقصدون بيته ولكنه لا يقبل أن يتلقى أجرا على فعل الخير.. أهلا وسهلا بكم.. العشاء جاهز إذا شئتم الطعام..
شكروه وتقدم المحامي لوحده وتناول قطعة لحم كبيرة أكلها بتلذذ ظاهر وصديقيه يبلعون ريقهم ويعتذرون عن تناول الطعام بحجة أنهم ليسوا جائعين.
أثناء العشاء اعتذر صاحب المنزل بأنه لا يستطيع إلا إيواء اثنان منهما داخل منزله وانه على الثالث أن ينام على القش في حظيرة الحيوانات.
قال رجل الدين اليهودي، أنا سأنام هناك .. كان تفكيره انه سيبتعد بذلك عن رائحة الشواء الذكية لعل ذلك يخفف وطأة جوعه وسيلقى بالتأكيد رعاية وتعويضا من اله إسرائيل الذي يرعى شعبه المفضل أينما حل. أعطاه صاحب المنزل بطانية وخرج لينام في الحظيرة..
استعد الزميلان للنوم وإذا قرع قوي على الباب. فتح صاحب المنزل الباب وكان رجل الدين اليهودي واقفا وهو مكتئب جدا.
قال انه يعتذر عن عدم تمكنه من النوم في الحظيرة بسبب وجود خنازير تعتبر نجسة حسب الدين اليهودي، ولا يمكن له أن ينام في الحظيرة خوفا من أن يعتبره الإله نجسا بسبب نومه بقربها..
تبرع الرجل الهندي أن ينام بالحظيرة بدل صديقه اليهودي.
بعد دقائق قليلة عاد القرع على باب المنزل. فتح صاحب البيت باب منزلة متسائلا "ما الحكاية الآن؟".. كان الهندي يقف على الباب كئيبا ومعتذرا انه يوجد في الحظيرة بقر وان الهنود يقدسون البقر ولا يستطيع أن ينام ملاصقا للبقر المقدس ويزعجهم بشخيره... هكذا هي تعليمات المعلم غورو ناناك وخلفائه التسعة من الغورو البشر.
كان الحل أن يذهب المحامي للنوم في الحظيرة.. فهو لا اله له.. وقف وكأنه يترافع في محكمة قائلا انه يستهجن تفكيرهم الديني الذي يتناقض مع الحياة، وانه لو كان معهم رجل مسلم لتحجج هو أيضا بأن اللحم الذي لا يذبح حسب الطريقة الإسلامية لا يعتبر حلالا وأن اللحم الذي يشوى قد يكون لحم خنزير يحرمه الدين او يشوى بنفس الموقد الملوث بالخنزير... ثم وجه الكلام لصديقيه منتقدا تفكيرهم الغيبي. قال: " غبيان.. تفضلان الموت جوعا عن وجبة طعام شهية.." وأضاف انه يعطيهم الفرصة الأخيرة ليقتنعوا أنهم على ضلال يتناقض مع منطق القوانين والحياة.. وعندما أيقن أن كلامه لم يحرك شعرة بجسديهما، أخذ البطانية مستعدا للذهاب للنوم في الحظيرة مهددا زميليه بأنه سيعرف كيف يقاضيهما على تفكيرهما غير الإنساني بما يخص التعامل مع الحيوانات وإخلالهم بقانون الرفق بالحيوان.. وقضم قضمة كبيرة من شريحة اللحم الشهية التي بيده.. وخرج!!
دخل صاحب البيت وضيفيه للنوم.. ولكن لم تمض ربع ساعة وإلا ضجة كبيرة في ساحة المنزل.. وجعير بقر مدو وقباع الخنازير يزعج الأذن.. قفز صاحب المنزل منزعجا.. وكذلك فعل الصديقان، فتح صاحب المنزل الباب فإذا حيوانات الحظيرة قد اندفعت خارج الحظيرة وهي تطلق أصواتها بطريقة مزعجة بينما المحامي يغط بنومه سعيدا في حظيرتها!!
*********
الخلفية لهذه القصة:
ظهر في روسيا القيصرية عام 1907 تيار ديني مسيحي فلسفي عرف باسم "طالبوا الإله" ، وذلك بعد فشل ثورة 1905 – 1907. جمع هذا التيار بين الدين والفلسفة، بعض الفلاسفة انتقدوا هذا التيار، بل انتقدوا جوهر الدين بقولهم:" كلما اتضح الدين أكثر، يصبح أكثر بعدا عن آراء غير المتدينين".
قال الفيلسوف الفرنسي فولتير:"لا يستطيع الشخص أن يفهم حقيقة الدين مثل أولئك الذين فقدوا القدرة على التفكير".. وقال ماركس: "إن الإنسان هو منتج الدين وليس الدين هو منتج الإنسان"...