الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
غسان كنفاني ... سلام من أرض البرتقال الحزين ... بقلم ثائر أبو عطيوي

تمر الايام والسنين على رحيل الشهيد الأديب غسان كنفاني ، ولا يزال النقاد والكتاب والباحثين في فنون وعالم الأدب ، يحاولون استخراج نتاج أعماله ، وبين صفحات حياته المزدحمة بالكلمات والعبارات ، حيث تطل علينا باكتشافات بين الحين والاخر و ان كانت على المستوى الشخصي لغسان الانسان ، أو من خلال ما سطر فكره وقلمه في عالم الإبداع والتألق نحو صهيل الكلمة، التي كانت وما تزال نجوما تزين عنان السماء.
لقد أعطى الأديب غسان كنفاني، عبر قصصه ورواياته، بعدا انسانيا وفكريا ، للإنسان اللاجئ والمشرد ، الذي يشده الحنين كل لحظة الى مسقط رأسه وتراب وطنه المعطر بعبق دماء الشهداء ، وتضحيات الفقراء والبسطاء والمحرومين، دون التفكير بأي مقابل وثمن ، في سبيل الدفاع عن أسمى وأنبل القضايا الانسانية.
ومن الأشياء التي تحسب للمناضل الأديب كنفاني، بأنه لم يستعرض شخصيته ضمن ما سطر قلمه الثائر، بل عمل دوما بالدرجة الأولى على تقديم قضيته الوطنية بكافة تفاصيلها , فكان غسان عاشقا لتراب الوطن ، و للزنود السمر ملح الأرض, ونيسم هواها المتيم ، وكان مدافعا عن القضايا الانسانية والمهمشة أينما وجدت .
وقد ساهم قلم غسان في بلورة مشروعه الإبداعي الكبير، والذي وصل إلى ثلاثة مجلدات بين القصة والرواية والمسرحية وهو في ريعان شبابه ، وفي منتصف الثلاثينيات من عمره. وكان الباحث باستمرار بين ثنايا الروح وأقلامه وقصاصات الورق ،عن وطن جميل يذكره دوما بوطنه الذي شرد عنه ، وعن تفاصيله من هواء ونسيم وذكريات العطر المعتق برائحة زهر البرتقال وان كان حزين.
وفي استعرضنا لبعض ما سطر غسان كنفاني ، على سبيل الذكر لا الحصر، والتي منها "عن الرجال والبنادق" فتعتبر مجموعة قصصية يستلهم فيها كل طاقات إبداعاته الأدبية لمأساة شعبه اللاجئ والثائر معا , الذي لم يكتب إلا عن سواه، ولم يستلهم قصصه إلا من صفحات تاريخ نضاله, وان استعرضنا بشكل عام المجموعة القصصية أرض البرتقال الحزين، والذي حاول فيها تصوير الشخصية الفلسطينية ضمن قدرها ومكانتها ، مثل ورقة من غزة ، وورقة من الرملة , والتي تصنف قصة أرض البرتقال الحزين بالعمود الفقري لهذه المجموعة حيث كانت ملتحمة بسيرة غسان كنفاني ، لكنها في نفس الوقت تؤرخ معاناة اللاجئ الفلسطيني بشكل عام ، وقد استخدمت فيها أساليب قصصية مستحدثة، إذ تم استعمال ضمير المخاطب بدلا من المتكلم للحديث ، من خلال ما شاهده في طفولته، و التي كانت شخصيته مجرد انعكاسا للأحداث, وقد عبر في رمزيته للبرتقال ، عن كل ملامح الشخصية الفلسطينية, وهنا نطل بذكرى رحيل كنفاني، حول معالم شخصية المفكرين والقادة المناضلين ، فقد كان الشهيد المفكر كمال ناصر , عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية , صديقا حميما ورفيقا للشهيد الأديب غسان كنفاني في حياته , وهنا تبرز معالم الوفاء والاخلاص للفكرة والثورة , فقد طلب الشهيد الراحل كمال ناصر مسيحي الديانة فلسطيني الدم والهوية، أن يدفن بجوار صديقه ورفيق دربه النضالي مسلم الديانة غسان كنفاني, حيث كان له ذلك ، فدفنا في ضريحين متجاورين في مقبرة الشهداء الاسلامية في بيروت, والتي أعطت بعدا هاما بأن الانتماء للوطن و ترابه المقدس ، هو من يجمع كل ألوان الطيف , وأحرار العالم أينما وجدوا للدفاع عن القضايا الانسانية العادلة , في وجه الظلم والطغيان, وناصر وكنفاني كانا رمزا حقيقيا وشاهدا حيا ، بأن شراكة الدم والمصير هي صمام الأمان , وغسان هو اختصار للقضية والإنسان، وهو من قال: " لماذا لم تدقوا جدران الخزان "...!؟ ، فإلى كنفاني ، وناصر، وكل شهداء الثورة ، وردة وسلام .

الصورة للشهيد الأديب غسان كنفاني من الارشيف

2017-07-08