في لغة ادبية نادرة ومفقودة في يومنا هذا، يحملنا الناقد الفسطيني تحسين يقين بابداع وحرفية لامتناهية وبلغة خالية من التعقيدات وحشو الكلام والعبارات الرنانة الخاوية، على أجنحة من الكلمات والتعابير التي تخترق الروح، وتنقلها باللاوعي لتخيل اجواء مدينته الحبيبة، وهي حبيبة ليست ككل الحبيبات، هي درة ومزار وقبلة، هي ملتقى الديانات ومعراج الانبياء، هي صوت فيروز في الصباحات، ودعاء الامهات عند كل مساء، هي القدس.
في كتابه القدس تجوال العين والروح يشعر القارئ وكأنه يسير خطوة بخطوة في شوارع القدس، يتنقل برشاقة بين ازقتها، وفجأة يتوقف لصرخة يطلقها جندي الاحتلال ويتسمر في مكانه الى ان ينتهي المحتل من اصدار كلماته التي لاتثني المتجولين عن مواصلة مسيرتهما.
من حقبة الستينات الى خمول السبعينات وفواجع الثمانينات والتسعينات ننتقل وكأننا البجعات بريشنا الوردي على ساحل البحر في يوم ربيعي جميل، حتى صعوبة الدخول الى القدس والتسلل اليها خفيته أسبغ عليه الناقد يقين لون الفرح والتحدي المضمون النتيجة.
تنتهي من قراءة الكتاب وكلك شوق الى اعادة قراءته مباشرة لولا ان يقع نظرك على كتابه الاخر: فنون جميلة وجدار قبيح. في هذه المرة الموضوع مختلف، فهو نقد فني، لكن الحبيبة نفسها هي هي لم تتغير ولم تتبدل. هي القدس حاضرة في وجدان وضمير كل فنان فلسطيني. وبودي ان اقول كل فنان عربي ولكن السنوات الاخيرة جعلت الكثيرين من الفنانين العرب يبتعدون عن القدس، وهو الامر الذي يشكل خسارة لهم لا لمعشوقة تحسين، الذي يستمر في وصف تلك المحبوبة ويضيف اليها جدائلها هذه المرة؛ فهذه المحبوبة التي وصف لنا تقاسيم وجهها ولون عيونها وعبق اريجها لها جدائل اسمها فلسطين، تؤطر وجهها ليبدو على اتم بهاء.
من جهة أخرى، فإن النقد الفني لاعمال الفنانين الفلسطينيين والوافدين من اصدقاء فلسطين المتضامنين/ات من شتى ارجاء الارض، جاء مكتملاً انيقاً ساحراً اخاذاً بكل معاني الكلمات.
لن اتطرق لاسماء الفنانين كي لا أحرم من يود قراءة الكتاب متعة الاكتشاف، ولكنني اود التركيز على اسلوب النقد الفني الخالي من اية توصيفات مدحية شخصية، الاسلوب الذي تفتقده الساحة الفنية بجد، فلم يلجأ تحسين ولا مرة واحدة الى ذكر اسم الفنان ليمتدحه او يثني على معاناته كشخص، بل جعل اطار نقده هو حرفية الفنان واستخدامه للون والتعبير، اضافة الى توضيفه لموضوع فلسطين والقدس، واذا ما كان قد وفق في التصوير الصحيح، وكيف تم ذلك التوفيق.
الا ان ما لفت نظري في كتابه فنون جميله وجدار قبيح هو اجماع الفنانون الفسطينيين بوعي او بدون وعي على معالجة حاله يعاني منها المجتمع، وتساءلت في داخلي: لماذا لا يلجأ الفنانين العراقيون الى التعبير عن حالة سلبية يعاني منها المجتمع بشتى اطيافة، كرسم الاطفال وهم يدرسون في الظلمة، او رسم الشيخ العجوز يحاول تناول دواءه في الظلمة، او السياسي على هيئة ساحر شرير يسرق الضوء، او او او فلا يوجد اكثر سلبية من ان تعدم الكهرباء في بلد يمول الكرة الارضة كلها بالكهرباء.
على اية حال للفنان الفلسطيني معانته التي تسمو على انقطاع الكهرباء، وكل الامور الاخرى، وفعلاً فإن مما قرأته عن اسلوب معالجة فناني فلسطين لجدار الفصل العنصري، بفضل اسلوب الاستاذ تحسين يقين البارع في النقد، فقد سما الفنان الفلسطيني بها وانطلق الى فضاءات عملاقة.
اتمنى على الجميع قراءة كتابي الاستاذ تحسين يقين الرائعين، فهما فعلاً يستحقان القراءة يضاف اليها متعة الاطلاع على اعمال متعددة للفنانه الفسطينية رانيا عامودي التي أضافت لوحاتها فضاءات أخرى لنص الكاتب في تجواله عن القدس، وصور الاعمال المختلفه لفناني فلسطين في الكتاب الثاني.
كاتبة عراقية تقيم في بريطانيا