الإثنين 3/4/1446 هـ الموافق 07/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أبناء بير السلم....ممدوح أحمد فؤاد حسين

أبناء بير السلم

التمييز بين الأبناء في التراث الشعبي

  1. (أول من شافت عنيه).
  2. (ديك البرابر).
  3. (أخر العنقود سكر معقود).
  4. (دلوعة البيت).
  5. (ابن الغالي وابن الغالية).
  6. (ابن البطة البطة وابن البطة السودة).

الأمثال الشعبية السابقة ليست من تأليفي ولست مسئولا عن تداولها في المجتمع المصري وهي تبين الوضع المتميز لبعض الأبناء  وتهدم دعاوي العدل والمساواة بين الأبناء التي يتشدق بها دائما الوالدين زاعمين أن أبنائهم سواسية في الحب والعطاء.

التعبيرين الأخيرين (الخامس والسادس) سأعود إليهما في موضع آخر لخطورتهما

أشد أنواع الظلم مرارة

للظلم مرارة شديدة علي النفس البشرية، وتختلف درجة المرارة حسب مصدر الظلم ، فالظلم من العدو طبيعي، وظلم البعيد أخف ألما من ظلم القريب، وكلما زادت قرابة من وقع منه الظلم كانت المرارة أشد.

تجربة القرود والاستفادة الحقيقة منها

أجري العلماء تجربة علي قردين رضيعين شقيقين، الأول تم إرضاعه من صدر أمه مباشرة، والثاني تم إرضاعه من لبن نفس الأم ولكن عن طريق البزازة (الببرونه)، ثم تابعوا الحالة المزاجية للرضيعين فوجدوا أن القرد الذي رضع من صدر أمه متزن نفسيا وهادئ مزاجيا، أما القرد الآخر فوجدوه عصبي حاد المزاج.

الاستفادة الحقيقة من هذه التجربة ليست من مجرد عملية الرضاعة، فالعطف والحنان لا يتمثلان في الرضاعة فحسب، بل في كل شئ (لمسة، نظره، بسمه، أسلوب المخاطبة ...إلخ).

فالطفل الذي يشعر بالتمييز السلبي منذ نعومة أظافره طبيعي جدا أن يكون حاد الطبع،عصبي، متقلب المزاج.

عطاء المحب وعطاء الواجب

يندر في المجتمع المصري أن يصل التمييز بين الأبناء إلي درجة العطاء الكامل لابن، والجحود (المنع) الكامل لأبن أخر، ولكن في الغالب يكون التمييز بين الأبناء في العطاء كالفرق بين (عطاء الواجب، وعطاء المحب).

عطاء الواجب مسكنات، أما عطاء المحب فيقتلع المشاكل من جذورها.

الفرق بين العطاءين كالفرق بين السماء والأرض.

 

يندر أن تقابل إنسانا يعترف بأنه ظالم

في الحياة العامة ورغم شيوع الظلم في أرجاء المعمورة فإنه يندر أن تقابل في حياتك إنسانا يعترف بأنه ظالم!!

فكيف تتوقع أن يعترف الوالدين أو أحدهما بأنه ظالم لأحد أبنائه؟هذا مستحيل.

العبرة ليست بشهادة الوالدين لأنفسهم، بل بشهادة الأبناء لوالديهم.

لماذا أكره الدعاء علي الظالمين؟

رغم جواز الدعاء علي الظالمين إلا إننى وعلى المستوى الشخصي أكرهه، بل وأحرم على نفسي الدعاء علي الظالمين...لماذا؟

لأننا كبشر كلنا ظالمين –مع تفاوتنا في حجم الظالم الواقع منا-.

فمن يدعوا علي نفسه أحمق.

ومن يدعوا علي والديه أو أحدهما قليل الأدب، وعاق.

لذلك لا أجد ما أقوله إلا قوله تعالي (رب اغفر لي ولولداي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب).

العاطفة من أسباب خطأ  التفكير

هذا ما تعلمته من دراستي بالمرحلة الثانوية. ولا خلاف أن تأثير العاطفة علي المراة أكثر من الرجل، لذلك فان التمييز بين الأبناء يقع من الأم أكثر من الأب.

في الماضي كنت أقول أن العاطفة تغلب المرأة، أما الآن فأقول أن العاطفة تفضح المراة، ولو منحني الله يوم القيامة شرف أن أحدد شيئا يغفره الله للنساء لاخترت أن يغفر لهن الأخطاء التي يقعن فيها بسبب غلبة العاطفة عليهن.

فضيلة الشيخ ابن امه

في حوار بيني وبين إحدى زميلاتي في العمل أخبرتني بأنها اشترت شقة من مالها الخاص وستزوج فيها أحد أبنائها (ابنها المدلل) ولعلمي أن لها ولدين آخرين قلت لها: وهل اشتريتي شقتين للولدين الآخريين؟ فقالت:لا. فاقترحت عليها أن تبيع هذه الشقة وتقسم ثمنها بين أبنائها الثلاثة بالتساوي فتكون مقدمة لثلاث شقق ويتولى كل ابن بعد ذلك دفع أقساط باقي ثمن الشقة، فرفضت. وبعد أن تزوج (طفلها المدلل) جاءتني وقالت لي: أن (طفلها المدلل) يطلب منها أن تكتب له الشقة باسمه. - ليقطع الطريق أمام اخويه من المطالبة بحقوقهما- فحذرتها من ذلك .. وللحق انقطع علاقتي بها فلا أدري ماذا حدث بعد ذلك. والذي علمته منها أن أحد الأخوين (الغير مدلل) قد ترك منزل أبيه وأمه ويقيم بصفة دائمة عند جدته. (طبعا نتيجة للتمييز السلبي الذي يتعرض له) الغريب أن هذه الأم التي أعطت (لطفلها المدلل) شقة كاملة بفرشها، كانت تحسب ثمن المواصلات لابنها (الغير مدلل) ضمن مصروفه الذي يأخذه!!!! فهل كان يذهب لكليته راكبا حمار مثلا!!!!

والأغرب أن (طفلها المدلل) حاملا لكتاب الله وإماما للمسجد الذي أصلي فيه ولم يمنعه حفظه للقرآن وإمامته للصلاة من أن يسعي للتمييز عن باقي أخوته وأن يقطع عليهم طريق المطالبة بمساواتهم بأخيه. فقد رسب بجداره أمام فتنة المال فأطلقت عليه فضيلة الشيخ ابن أمه!!

هل يوجد والدين يتعمدا الظلم؟

طبعا لا ولا حتى (أم فضيلة الشيخ ابن أمه) فهي فعلت ذلك بكل تلقائية واستجابة فقط لعاطفتها، وكاتب هذه السطور أب على تخطى الستين ويعلم تماما أن أتعس لحظة تمر على الوالدين أن يريا الشقاق والخلاف واقع بين أبنائهما، ومع ذلك فالعاطفة تغلب البعض ويضعا بأنفسهما ليس فقط بذور الشقاق والخلاف بين أبنائهما بالتمييز بينهما، بل أيضا الخصومة وقطيعة الرحم!!!!.

الطفل المدلل جاني أم ضحية؟

أليس من الطبيعي أن الطفل الذي يتعود منذ نعومة أظافره علي التدليل والتمييز عن باقي أخوته أن يرسخ ذلك في نفسه الانانية وحب الذات.

لماذا التمييز بين الأبناء؟

شغلتني قضية التمييز بين الأبناء في المجتمع المصري، وكنت محتارا في تفسير هذه القضية.

وكنت أتسأل: هل التمييز يرجع لتمييز بعض الأبناء في الصفات الحميدة؟

أم أنه راجع للثقافة الشعبية التي يعبر عنها الأمثال المذكورة في صدر هذا المقال.

مش متخيلة أحب حد زي محمد

زميلة أخرى كانت حاملا (للمرة الثانية) سمعتها تقول: مش متخيلة أحب حد زي محمد (أول من شافت عينيها)، هي لم تنتظر حتي يأتي المولود الثاني، فربما يكون أجمل وأذكي واكثر حنانا، ولكنها حسمت أمرها بالتمييز بين (طفلها المدلل) وبين باقي أبنائها الذين لم يولدوا بعد!!.

قررت أن تكون ظالمة لأبنائها الذين لم يولدوا بعد!!!

هنا أدركت أن التمييز بين الأبناء لا يرجع للصفات الحسنة التي يتميز ويتفوق بها ابن عن ابن.

والحق إنني لمت نفسي كثيرا لأنني أهدرت عمرا طويلا حتي حُسمت هذه المسألة بالنسبة لي ولو كنت أدركت المعني الحقيقي للتعبيرين الأخيرين في صدر هذا المقال (الخامس والسادس) لأدركت أن التمييز بين الأبناء لا يرجع إلا لسبب واحد وهو الحب وليس لأية صفة حسنة يتمتع ويتميز بها ابن عن ابن فتعبير (ابن الغالي وابن الغالية) تعبير عن الوضع المميز لأحد الأحفاد لمجرد أنه أبن للأبن المميز، ، وكذلك تعبير (ابن البطة البيضة وابن البطة السودة) تعبير عن تمييز طفل عن طفل نتيجة حب أبيه لأمه أو عدم حبه لأمه.

وثيقة حقوق الطفل!!

رغم عدم إلمامي الجيد ببنود وثيقة حقوق الطفل إلا أنني أشك تماما في أن واضعيها قد خطر ببالهم أن يحموا الطفل من التمييز السلبي أو الإيجابي (فكلاهما ضار) الذي يتعرض له الطفل داخل أسرته الصغيرة ومن أقرب الناس إليه، وحتى لو انتبهوا لذلك فالقانون أي قانون سيظل عاجزا عن توفير الحب والعدل والمساواة بين افراد الاسرة الواحدة.

أيهما أتعس؟

في الشرع: اليتيم هو من مات أبيه.

وفي التراث الشعبي: اللي مالهوش أم حاله يغم.

فهل من فقد والديه أو أحدهما بالموت أتعس؟

أم من فقدهما أو أحدهما بسبب التمييز بينه وبين أخيه؟

التمييز في الأسرة الكبيرة

مشاهداتي أن التمييز يظهر بوضوح في الأسر كبيرة العدد (4 ابناء فاكثر) بينما تقل في الاسرة صغيرة العدد (ابنين او ثلاثة) وهذه النقطة تحتاج إلى استطلاع رأي .

أمنيه ورجاء

أتمنى أن يصل هذا المقال إلى كل أب وأم مصرية ليدركا خطورة التمييز بين أبنائهم ولذلك أتمني من كل قارئ لهذا المقال أن يعمل على إعادة نشره وإن اختلف رأيه مع طرحي وتناولي لهذه القضية، طالما أتفق معي علي أن هذه القضية خطيرة وأنها لا تأخذ حقها من البحث والإثارة المجتمعية.

وأرجو من كل قارئ يعيد نشر هذا المقال أن يحتفظ بعنوانه دون تعديل حتى أتمكن من متابعة التعليقات والرؤى المختلفة التي يبديها القراء حتي استفيد من الآراء والطروحات ووجهات النظر المخالفة لي،  فربما أرجع عن بعض أو كل ما سطرته في هذا المقال.

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

 

2017-07-18