لم يكن جمال عبد الناصر (1918-1970) يخطر بباله وهو صغير عندما كان يقرأ عن الثورات، أنه سيكون عندما يكبر قائداً لثورة، وداعماً لثورات أخرى، ومحارباً للأنظمة الملكية العربية، التي استطاع أن يُسقط بعضها، وقد استعصى عليه البعض الآخر.
فيما يلي الثورات التي دعمها، والملوك الذين واجههم.
"ليس صحيحاً أن ثورة 23 يوليو/تموز، قامت بسبب النتائج التي أسفرت عنها حرب فلسطين، وليس صحيحاً كذلك أنها قامت بسبب الأسلحة الفاسدة التي راح ضحيتها جنود وضباط، وأبعد من ذلك عن الصحة ما يقال من أن السبب كان أزمة انتخابات نادي ضباط الجيش، إنما الأمر كان أبعد من هذا وأعمق أغواراً".. هكذا تحدث جمال عبد الناصر في كتابه فلسفة الثورة.
مضيفاً في كتابه المذكور، لكل شعب من شعوب العالم ثورتان: ثورة سياسية يسترد بها حقه في حكم نفسه من يد طاغية فُرض عليه، أو من جيش معتد أقام على أرضه دون رضاه.
يتضح مما سبق أن ما كان يفكر فيه عبد الناصر هو إزاحة الملك عن عرشه، وذلك ما حدث من قِبل تنظيم الضباط الأحرار المشكل من 13 ضابطاً برئاسة محمد نجيب، للقيام في ليلة 23 يوليو/تموز 1952، عندما قاموا بما عُرف بحركة الجيش، قبل أن تسمى بالثورة، وهذا ما أكده عمرو أبو سيف مؤسس موقع الملك فاروق، حيث يقول إن ما حدث، في 23 يوليو/تموز، انقلاب على الملك فاروق والملكية، متابعاً أن مصر في عهده كانت أفضل من الناحية الاقتصادية.
كما أن الملك فاروق كان وطنياً للنخاع على عكس ما قيل عنه، فقرر التنازل عن العرش، من أجل حفظ دماء المصريين والوطن، ولم يتصارع على الحكم.
فانتهى الأمر لعبد الناصر، إلى أن تولى حكم مصر بعد أن أطاح بمحمد نجيب، أول رئيس للجمهورية المصرية أيضاً.
في أواخر عام 1963، اندلعت حرب الرمال بين المغرب والجزائر، وقد نالت الأخيرة دعماً قوياً من عبد الناصر، حيث أرسل إليهم حوالي ألف جندي بالعتاد، وكان من ضمن هؤلاء الجنود الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي وقع في الأسر مع رفاقه من قبل قوات الجيش المغربي، وكان الهدف من ذلك الإطاحة بالنظام الحاكم في المغرب، عبر هزيمة جيوشه النظامية، حسبما ورد في كتاب الحسن الثاني المظلوم، للكاتب مصطفى علوي.
لكن بعد توقيع الهدنة بين المغرب والجزائر، زار الحسن الثاني ملك المغرب مصر، في سنة 1965، وكان في استقباله عبد الناصر، وطفلة صغيرة تحمل باقة من الورود المصرية، وبعد أن قبَّلها الحسن الثاني التفت إلى عبد الناصر قائلاً: "يا فخامة الرئيس شكراً على باقة الورد، وأنا بدوري سأهديك باقة من اللحوم الحية، وكانت الهدية عبارة عن الضباط المصريين الأسري في الزي العسكري، ومن ضمنهم حسني مبارك".
فانتهى الأمر لعبد الناصر أن تحركاته لإسقاط حكم الملك حسن الثاني في المغرب فشلت، ليستمر الأخير في الحكم حتى وفاته يوم 23 يوليو/تموز 1999.
خلال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، اعتبر عبد الناصر أن الحسين ملك الأردن "يلعب على الطرفين"، فكما أرسل الأخير للأول رسالة يطالب فيها بإعادة إحياء بنود اتفاق الدفاع المشترك ضمن القيادة العربية الموحدة، كذلك أرسل رسالة مطولة لواشنطن يطلب منها ضمانات بأن تتم المحافظة على سلامة أرض بلاده في حالة اندلاع الحرب، حسبما أوضح مايكل أوبراين، في كتابه 6 أيام من الحرب: يونيو 1967 وتشكيل الشرق الحديث.
لذلك حاول عبد الناصر اغتيال الملك الحسين بن طلال مرتين بواسطة عاملين في الديوان الملكي، ولكن تم القبض عليهما، حسبما ورد في كتاب "السلام في زمن الخطر"، لعبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن.
فانتهى الأمر لعبد الناصر، أن يكون وجه الملك حسين من آخر الوجوه التي يراها قبل أن توفاه الله، يوم 28 سبتمبر/أيلول 1970، بعد أن وضع حلاً للأزمة التي كانت بين الأردن والمقاومة الفلسطينية.
في 14 يوليو/تموز 1958، أعلن الضباط الوطنيون سقوط الملكية ونهاية حكم الملك فيصل الثاني في العراق، وبداية العهد الجمهوري، على يد عبد السلام عارف "أول رئيس" وعبد الكريم قاسم.
مع بداية 1958، أرسل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، رسالة إلى حكومة الجمهورية العربية المتحدة، إلى الزعيم جمال عبد الناصر، كما يلي:
"رسالة من تنظيم الضباط الوطنيين العراقي إلى سيادة الرئيس جمال عبد الناصر المحترم، نود تفضل سيادتكم بالاطلاع بأن هناك تنظيماً سرياً في الجيش العراقي، وإن ضباط هذا التنظيم قد فاض بهم الألم، وما عادوا يطيقون الصبر أو يقدرون عليه، وإنهم سوف يتحركون مهما كلفهم الأمر ضد نورى السعيد، وكل من يمثله، ابتداءً من حلف بغداد، إلى التآمر على القومية العربية".
فردَّ عليهم عبد الناصر برسالة مماثلة من 5 نقاط، منها: تدعم حكومة عبد الناصر بشكل كبير الحركة عسكرياً وتسليحياً وإعلامياً، كما ستدعمها سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية كحركة عدم الانحياز الناشئة حديثاً، ومع الدول الكبرى كالاتحاد السوفيتي، وهذا ما حدث، حيث تم إعلان قيام الجمهورية العراقية.
فانتهي الأمر أن عبد الكريم قاسم رفض طلب عبد الناصر بالانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة، وهذا ما أوضحه الأخير في أحد خطاباته.
في 26 سبتمبر/أيلول 1962، اندلعت ثورة الضباط الأحرار اليمنيين، وقد قرر عبد الناصر أن يدعمها بقوة بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، خاصة أن هذه الثورة كان من أهدافها طرد الإنكليز من جنوب اليمن.
8 سنوات هي عمر الثورة اليمنية، التي شهدت صراعاً على الحكم بين أنصار المملكة المتوكلية وأنصار الجمهورية العربية اليمنية، وقد وقفت مصر بجوار الأخير، حيث دعمتهم بالجنود والعتاد، لكن واجهت مصر حرباً قوية، لم تستطع أن تواجهها.
فانتهي الأمر بعبد الناصر أنه حمَّل مصر أعباء مالية وعسكرية كبيرة، كان سبباً في هزيمة 1967، فضلاً عن صراعه مع المملكة العربية السعودية والأردن.
في 1 سبتمبر/أيلول 1969، تحرَّك الضباط الوحدويون الأحرار في الجيش الليبي بقيادة معمر القذافي، للانقلاب على الملك محمد السنوسي، الذي كان في رحلة علاج بتركيا، فقاموا بالسيطرة على الإذاعة، ومعسكرات الجيش، والقبض على كبار المسؤولين السابقين من العهد الملكي.
استلهم القذافي حركته من روح ثورة 23 يوليو/تموز، وقد لاقى دعماً كبيراً من عبد الناصر فور إعلانه عن الثورة، وقد نصح ناصر القذافي بأن يقيم الملك السنوسي في القاهرة حتى لا يصبح عرضة للتأثير الأميركي في أثينا.
وانتهى الأمر لعبد الناصر بأنه نقل الخبرات الكافية لقيادة الثورة في ليبيا، خاصة بعد أن أصبحت كل السلطات في يد القذافي.
"هاف بوست عربي"