الأربعاء 19/10/1444 هـ الموافق 10/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
النائب الطيبي في حوار خاص:يجب أن ندرك جميعًا أنّنا مستهدَفون، وأمام هذا الاستهداف يجب أن نتوحّد مسيحيون ومسلمون
 
ينشر في الوسط اليوم بالتنسيق مع جريدة حيفا
حوار اجراه الزميل مطانس فرح -تصوير: وائل عوض

بعد زيارة النائب د. أحمد الطّيبيّ (الحركة العربيّة للتّغيير) كنيسة الروم الكاثوليك الملكيّين في حيفا، وحلوله ضيفًا على الأرشمندريت أغابيوس أبي سعدى (الرّئيس الروحيّ لرعيّة الروم الكاثوليك في حيفا) قال الطيبي في حوار مع الزميل مطانس فرح محرر جريدة حيفا "إنّ القلق الّذي يساور الكهنة بالنسبة إلى هجرة المسيحيّين من مدينة حيفا والأراضي المقدّسة يساورنا أيضًا. فنحن لا نريد هجرة المسيحيّين، نريدهم أن يبقوا معنا وبيننا، لأنّهم جزء أساسيّ من هذا البيت". وأضاف: "عند تمزيق الإنجيل (الكتاب المقدّس) شعرت بإهانة شخصيّة.. إنّ بن آري قصد إهانة المسيحيّين العرب، لم يقصد إهانة المسيحيّين الأجانب. لذا شعرت بإهانة شخصيّة كوني عربيّـًا، وأغار على عروبيّتي وعلى جميع أبناء الشعب العربيّ، وأحترم الديانات السماويّة".

تفاصيل الحوار

 

- أعلم سبب زيارتك «الفجائيّة» للكنيسة الكاثوليكيّة في حيفا، فما هو تقييمك لهذه الزيارة؟  

د. طيبي: كان قد اتّصل بي الأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى، ووجّه إليّ دعوة كريمة للمشاركة في الإفطار في قاعة الكنيسة، بعد أن قمت بالرّد على تمزيق الكتاب المقدّس في الكنيست. للأسف، اعتذرت حينها، لأنّي كنت مشاركًا في إفطار آخر كنت قد دعَوت إليه مسبّقًا، فوعدته بزيارة مستقبليّة؛ واليوم ظهرًا (الأحد)، اتّصلت به وأخبرته بقدومي.. ولقد سعدت جدًّا بهذه الزيارة وسررت بشخص الأرشمندريت وبالكلام اللّطيف الّذي كاله لي، هو والقسّ حاتم شحادة؛ كما سعدت بالتعرّف إلى كلّ من حَضر اللقاء.. فقد أتيت، أساسًا، للقائه، ولشكره على دعوته.

 

إنّهم جزء أساسيّ من هذا البيت 

وعن هجرة المسيحيّين من الأراضي المقدّسة، أكمل النائب د. أحمد الطيبيّ، الحديث الّذي بدأه في الكنيسة، للصّحيفة، قائلًا: "إنّ القلق الّذي يساور الكهنة بالنسبة إلى هجرة المسيحيّين من مدينة حيفا والأراضي المقدّسة يساورنا أيضًا. فنحن لا نريد هجرة المسيحيّين، نريدهم أن يبقوا معنا وبيننا، لأنّهم جزء أساسيّ من هذا البيت". وأضاف: "عند تمزيق الإنجيل (الكتاب المقدّس) شعرت بإهانة شخصيّة.. إنّ بن آري قصد إهانة المسيحيّين العرب، لم يقصد إهانة المسيحيّين الأجانب. لذا شعرت بإهانة شخصيّة كوني عربيّـًا، وأغار على عروبيّتي وعلى جميع أبناء الشعب العربيّ، وأحترم الديانات السماويّة".

 

- وسط تخاذل وصمت كبيرين، وعدم دَيْن أو استنكار أو شجب الحدث من قبل أيّ رجل دين، مسيحيًّا كان أو مسلمًا، كنت الوحيد الّذي سمعنا صوته؛ ألا تعتقد أنّ هذا التخاذل يدفع بالأوباش والمأفونين إلى التطاول أكثر على المعالم والرموز الدينيّة؛ الإسلاميّة منها والمسيحيّة؟!

د. طيبي: كلامك صحيح. ولكنّ هذا النوع من السّلوك (تمزيق الإنجيل) لا يمكن السكوت عليه. هو مزّق الكتاب المقدّس، وأنا في المقابل مزّقت صورة رمز ومعلّم الكراهيَة، مائير كهانا..

 

- ولِمَ اخترت تمزيق صورة المأفون معلّم العنصريّة، كهانا بالتحديد؟! ألم تخشَ من مقارنته بالكتاب المقدّس؟!

د. طيبي: لا مجال للمقارنة، أساسًا. لم أختَرْه لأقارنه بالكتاب المقدّس، إطلاقًا. فلا مجال للموازاة ما بين الكتاب المقدّس وصورة أيّ شخص كان. بن آري هو تلميذ كهانا، وهو يفاخر بأنّ فكره من فكر كهانا. وأنا أدرك أنّ كهانا هو صاحب هذا الفكر، ولذلك مزّقت صورة كهانا، لهدف تمزيق فكر الكراهيَة لا لهدف المقارنة بالكتاب المقدّس، بتاتًا.

وأضاف: أحترم جميع الدّيانات، ولن أقدِم على تمزيق أيّ كتاب سماويّ.. إنّ بعض اليهود التقدّميّين كتبوا وأشادوا بردّة فعلي، مؤكّدين أنّ كهانا وتلاميذه هم أساس إشاعة الكراهيَة في هذه البلاد.

 

 "وقصاصة الورق الّتي انتُزعت من الإنجيل لي.."  

واستطرد، قائلًا: بعد تمزيقي لصورة كهانا في الكنيست، اقتبست من شاعرنا الكبير، محمود درويش: "وقصاصة الورق الّتي انتُزعت من الإنجيل لي...".. تقول هذه الجملة كلّ شيء عن الانتماء للأرض وللوطن، وعن التّآخي، وعن الحال الواحد والآمال المشتركة.

 

- وما هو تقييمك للحال الواحد؟!

د.طيبي: أقولها بصدق، إنّنا هنا متآخون، مسلمون ومسيحيّون، وأستبعد حدوث أيّ شيء داخليّ قد يجلب السوء. لقد حدثت بعض الأمور والاحتكاكات، هنا وهناك في السابق، وفي نطاق ضيّق؛ إلّا أنّ الصورة الكبرى مشرّفة ومسؤولة، صورة لا تتّسم بالكراهيَّة، بل بالكثير من التسامح، لأنّنا حال واحد، فعلًا - مسيحيّون ومسلمون - ونحن جزء من فسيفساء هذا الوطن وهذا المجتمع.

وأضاف: يجب أن ندرك جميعًا أنّنا مستهدَفون، وأمام هذا الاستهداف يجب أن نتوحّد. إنّ المستوطنين يقتلعون الأشجار، يقتلون، ينهبون، وتُصادر أراضينا من أجلهم، بينما الفِلَسطينيّون، أصحاب الحقّ والأرض يعانون! هذه هي المعادلة الصعبة الّتي نعيشها والواقع المرّ الّذي يجب أن نتصدّى له، أيضًا.

 

وفي سؤالي عن إنجازات أعضاء الكنيست العرب، أجاب د. طيبي: أنا لا أعترف باصطلاح أعضاء الكنيست العرب، بل لا أقبله، لا أقبل اصطلاح «حاكم العرب».. مَن يرِد أن ينتقد شخصًا فلينتقدْه لشخصه.. انتقدوا أحمد الطيبي إذا قصّر، فأنا - أحمد الطيبي (رئيس الحركة العربيّة للتغيير) - أجتهد، وقد أصيب وقد أخطئ، لكنّي لست مسؤولًا عن تقصير الآخرين، كما أنّي لن أسرق إنجازات الآخرين. وأضاف: في هذه الكنيست الـ18، نجحت في سنّ ستّة قوانين في ظروف صعبة، كما نجح بعض الزملاء، مثل د. حنّا سويد ومحمّد بركة، في ذلك، أيضًا. أتمنّى النجاح لباقي الزملاء لما فيه مصلحة مجتمعنا العربيّ.

 

- كلمة أخيرة توجّهها إلى القرّاء

د. طيبي: يجب تكثيف العمل المشترك في الكنائس والمساجد والمناسبات الاجتماعيّة، وإقامة فعّاليّات موجّهة ومخصّصة في المؤسّسات التعليميّة لخلق شعور الحال الواحد.. فحيفا هي المكان الأفضل لذلك، والأرض الخِصبة لزرع وإنبات التسامح والتآخي. كما أشدّد، مجدّدًا، على ضرورة رفع الصوت الواحد المشترك، العقلانيّ الحضاريّ الموحِّد في هذه البلاد.. ومسيحيّو ومسلمو حيفا، هم أفضل من يجب أن يقوموا بمثل هذا الدور الرياديّ؛ لأنّ النسيج المجتمعيّ فيها مغاير لباقي قرى البلاد ومدنها. وعلى أمل أن نعمل، مستقبلًا، معًا، على ترتيب لقاء أوسع، مع شباب حيفا.

 

وكان  الأرشمندريت أغابيوس أبي سعدى قد رد على اسئلة الزميل فرح عن سبب زيارة النائب د. أحمد الطّيبيّ، إلى كنيسة الروم الكاثوليك الملكيّين في حيفا، في هذا الوقت بالذات، فأجاب: "إنّ سبب زيارة عضو الكنيست، د. أحمد الطيبيّ، لكنيستنا جاء بناءً على الدعوة الّتي وجّهتها إليه يوم أقمنا الإفطار الرمضانيّ في قاعة الكنيسة، إلّا أنّه لم يتسنَّ له المجيء في حينه؛ لسبب ارتباطاتٍ أخرى. لذلك طلب أن يردّ على الدعوة بزيارةٍ خاصّة للكنيسة، واللّقاء من أجل التباحث والتشاور في بعض القضايا الحيويّة الّتي تهمّ مجتمعنا العربيّ".

وعن الرسالة الّتي طرحها النائب الطيبيّ في زيارته، قال أبو سعدى: كما تعلم، فإنّ الرسالة الّتي طُرِحَت كانت متعدّدة الجوانب: تكلّمنا عن العمل المُشين الّذي قام به عضو الكنيست اليمينيّ (بن آري) حين مزّق الكتاب المقدّس، وذكرنا موضوع الصمت المُطبِق خلال الثماني والأربعين ساعة الأولى، وكيف رأى حضرته واجب الردّ على مثل هذه الأعمال، رافضًا تدنيس حرمة الأديان السماويّة، بما فيها الديانة اليهوديّة؛ طرحنا مشكلة أخرى تواجه المسيحيّين خصوصًا، وهي مشكلة الهجرة، وكيف يمكننا أن نُجابه هذه الآفة المُخيفة الّتي تهدّد مستقبل المسيحيّين في هذه البلاد المقدّسة، وطلبنا أن نعمل معًا من أجل تربية جيل جديد يقوم على احترام الآخر وتقبّل اختلافه الدينيّ، والحفاظ على بعضنا بعضًا في وجه أيّ تفرقةٍ دينيّة أو اجتماعيّة.

- ولكنّك حمّلت النائب د. أحمد الطيبيّ رسالة، أيضًا..

نعم.. إنّ الرسالة الّتي حمّلته إيّاها هي رسالة كلّ إنسانٍ مؤمنٍ بالتعايش المسيحيّ - الإسلاميّ، حيث يجب أن نتكلّم، دائمًا، مع بعضنا بعضًا، ونحضّ أبناء الشعب العربيّ على الحوار الصادق من أجل مجتمع عربيٍّ أكثر نُضجًا ومعرفةً واطّلاعًا على القضايا المطروحة، ليس على صعيد النظريّات والكلام، فقط، بل على الصعيد العمليّ والحياتيّ، أيضًا.

- من الواضح أنّ ما قام به د. الطيبيّ، ردًّا على تمزيق الكتاب المقدّس، لم نسمعه من حركات دينيّة، مسيحيّة وإسلاميّة، ولا حتّى حركات سياسيّة.. فما هو تعقيبك على ذلك؟

في الحقيقة، إنّ ما قام به د. أحمد الطيبيّ كان له ردود فعل مؤيّدة في الشّارع المسيحيّ، ذلك أنّنا رأينا سُباتًا واضحًا من الجميع، مسيحيّين ومسلمين، كما لم نسمع تصريحات من أئمّة المساجد ولا من المثقّفين المسلمين على ما حدث، وكنت في ردّي على هذا العمل قد نوّهت بهذه النقطة الحسّاسة الّتي تكشف مدى تحسُّس الآخر لوجودي وخوفه عليّ. فيا حبّذا لو نتعلّم كيف نحافظ على بعضنا بعضًا.

- وبهذه المناسبة، هل أنت قلق على مستقبل مسيحيّي البلاد، ومسيحيّي حيفا بالذات، من الهجرة؟!

أنا قلق، فعلًا، على مستقبل مسيحيّي الأرض المقدّسة في حالةٍ واحدةٍ، فقط: حالة الانقسام والتّشرذم. من هنا أوجّه نداءً قلبيّـًا إلى كلّ المسيحيّين الجليليّين بالتكاتف والتعاضد والعمل معًا، بعيدًا عن التقسيم الطائفيّ (الكاثوليكيّ والأرثوذكسيّ والمارونيّ واللّاتينيّ والأنچليكانيّ) الّذي يُعتبر مصدر غنًى للكنيسة جمعاء؛ إذا كنّا نعمل معًا تحت مظلّةٍ واحدةٍ ورؤيةٍ واحدةٍ وهدفٍ واحد، انطلاقًا من كون السيّد المسيح له المجد والإكرام، ‭{‬هو الكرمة ونحن أغصان هذه الكرمة‭}‬ (يوحنّا 1:15-6).

 

(مطانس فرح صحافيّ فِلَسطينيّ، مدير تحرير صحيفة "حيفا")

 

 

البوم صور
2012-09-07