أساتذة ودكاترة جامعة الأقصى، الراسخون في تخصصات علومهم المختلفة، أيقونات تتلألأ في فضاء العلم والمعرفة، ودرة تاج المؤسسات التعليمية، هؤلاء الكوادر الأكاديمية الراقية، و الخبرات الغنية المتنوعة من موزاييك من جميع دول العالم الغربي والشرقي، لهم فضل على جميع أفراد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها. فما ذنب هؤلاء الموظفين الأكفاء أن يتم أخذهم بجريرة صراع بين طرفي الانقسام وأحزابهم وفي ظل سلطة ليس لها سيادة وتحت الاحتلال؟
إن قرار تقاعدهم الإجباري، لمن لا يعلم، سيترتب عليه مخاطر كبيرة، لا تحصى، منها؛ انه سيعمل على إدخال المؤسسة التعليمية مرحلة تخبط ومتاهة وتراجع تعليمي وثقافي وتربوي، وسيؤثر على مستقبل طلابنا في مرحلة انقسامية خطيرة جدا. وسيكرس حتى عند الطلاب شعور بعدم الاطمئنان واستمرار الخوف وزيادة اليأس، وعدم الثقة في الأنظمة السياسية التي بين عشية وضحاها تتدخل بشكل تعسفي لتوقف طموح وسيرة ومسيرة هؤلاء الأساتذة الذي يكافحون ويخدمون المسيرة التعليمية بأقل أتعاب أو رواتب، ومن المعلوم أن أساتذة وموظفي جامعة الأقصى لا يتقاضون رواتبهم منذ أشهر إلا جزءا بسيطا منها، و هناك تعمد لإذلال هذه الفئة من خلال التضييق على الهيئة التدريسية حيث تجاوزت نسبة الخصومات على مرتبات العاملين بالجامعة 70%، بمعنى أن كثيرا منهم يتقاضون اقل من 30 % من مرتباتهم، رغم التزامهم بالشرعية والدفاع عنها، ووقوفهم مع الرئاسة. هذه العقوبة لا تسيء لهم وان كانت تضرهم، ولكنها تضر المؤسسة التعليمية، و تمثل تجاوز صارخ لكل سند قانوني أو أخلاقي أو إنساني من قبل صانع القرار ومن بيده زمام الأمور، إن الاستغناء عن الطواقم التعليمية الحالية في جامعة الأقصى، يمثل انتكاسة قادمة للجيل القادم، لأنه كما هو معلوم ومتوقع، انه سيتم ملء هذه الشواغر بخريجين وكوادر جدد، لا يملكون أي سنوات خبرة، أو تجارب أو مستوىً عالِ في التدريس والطرق التربوية.
وتكمن خطورة هذا القرار أيضا بالنسبة لجامعة كبيرة يتجاوز عدد طلابها الــــ 25 ألف طالب وطالبة، انه لو تم إحالة الهيئة التدريسية للتقاعد، فان المواطن لن يرسل أبناؤه لجامعة أعضاء هيئتها التدريسية جدد لا خبرة لهم.
إن هذا القرار لا يستند لأي مسوغ قانوني، وهو إجراء لم يجرؤ على اتخاذه الاحتلال الإسرائيلي، ويحق لجميع المتضررين اللجوء إلى القانون الذي سينصفهم بسرعة لو كنا نعيش أجواء ديمقراطية، ولكن في ظل هذا الانقسام الجغرافي، وغياب المسئولية الوطنية لدى صناع القرار، فان الجاني سيهرب بجريمته، ويخلف أثارا تدميرية جسيمة على المؤسسات والمسيرة التعليمية، وسيحكم التاريخ فقط على مدى كارثية وخطأ هذا القرار. والتاريخ لن يغفر لمن استهان بمصير ومستقبل هؤلاء الكوادر التعليمية العظيمة.
إن هذا قرار ظالم متعسف، تداعياته تخدم الاحتلال مباشرة والذي يسعى لتجهيل الناس وإغراقهم في الظلام والذي يخلق الظلم والجهل والمرض ويجعلهم اقرب لثقافة القطيع.
إن صانع القرار باتخاذه هذا القرار غير المدروس، يعتبر كالذي يطلق النيران على إقدامه، ويعاقب نفسه، ويكافئ الخصم. وأطالب أصحاب القرار أن يراجعوا قراراتهم، وان يعودوا إلى فلسطينيتهم، ويعلموا أن من يعش في غزة له حق في الحياة والعمل والاستقرار الوظيفي. فان بعض العاملين ممن عاصروا فترة الاحتلال الإسرائيلي في بداية نشأة الجامعة لو يكونوا قلقين على مستقبلهم الوظيفي كما هو حادث الآن.
عملت كمحاضر بنظام الساعة ما يقرب من عشرة أعوام، في هذه الجامعة الغراء، التقيت دوما بنخب راقية جدا وعالية الثقافة، انحني تواضعا واحتراما لهذه القامات السامقة الشامخة. وسيظل لهؤلاء فضل على ما تبقى من هذا الجيل، وسيظل معروفهم يطوق أعناق كل ذي شأن وفضل. لذا، ولعلمنا أن الأمل دوما موجود ومشرعة أبوابه لمن دأب على الإيمان به، وان الخير ما زال موجودا بقدر الله، وان الله ضمن هذا الخير إلى يوم الدين، نرجو من صناع القرار ان يدركوا حقيقة خطورة مثل هذه القرارات وان لا يحصروا تفاعلاتهم وقراراتهم ويتخذوها في ظل إطار انقسامي مؤقت طارئ، و أن يتحلوا بالرشد والحكمة والصبر، وان يلغوا قراراتهم بشأن التقاعد الإجباري الذي يعني الموت لهؤلاء، وخاصة أن منهم من هو دون سن الأربعين أو الخمسين