إن إنجاز المقدسيين يدعونا للتساؤل بحسرة :لماذا نجحوا في تحقيق مطالبهم في أسبوعيين وأخفقنا في غزة والضفة طيلة سنوات طويلة مع أنهم لا يملكون رصاصة واحدة وليس لديهم وفد تفاوضي؟ و غير خاضعين لأي حكومة فلسطينية وخاضوا صراعهم بدون يافطات حزبية وتوحدوا معا فنجحوا.
أحداث التاريخ ذكرت لنا نماذج من ثورات الشعوب ضد الاستعمار جلها كتب لها النجاح لأنها كانت عبارة عن هبات شعبية كان يقودها الشعوب والمفكرين الذين أخذتهم الحمية تجاه أوطانهم
ولم يذكر التاريخ أن حزبا أو تنظيما أو حكومة قد حققت نصرا أو حررت أرضا في مفارقة عجيبة تؤكد أن الشعوب همها الأوطان بينما الاحزاب والتنظيمات والحكومات همها المراكز والمناصب وان الشعوب تملك ارادة الانتصار وادواته التي لا يملك العدو أمامها الا الانحناء والتسليم بإرادة الشعوب واصرارها على الانتصار.
لقد راهن المقدسيون على مدى اتني عشر يوما من الرباط والصمود والتحدي على انتصارهم رغم تخلي القريب والبعيد عنهم وأمنوا بالمثل القائل "ما حك جلدك مثل ظفرك" فكان النصر حليفهم وكان اخضاع الصهاينة لمطالبهم بمثابة النصر المبين على دولة لم تعرف سوى التعنت والتجبر والتي طالما أخضعت شعوبا وحكومات وأذلتهم.
لم يعول المقدسيون كثيراً على سياسة الضغط العربي على الاحتلال الإسرائيلي أملاً في التراجع عن خطواته عبر القنوات السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، فأخذوا على عاتقهم طريق المواجهة والتصعيد للدفاع عن الأقصى، ورفض الخطوات الإسرائيلية، وكان لهم ما أرادوا.
لقد نجح المقدسيون وحققوا إنجازا كبيرا وضعوا فيه القيادة الفلسطينية، وإسرائيل في الزاوية وجعلت نتنياهو وحكومته والأجهزة الأمنية تفكر ملياً مما هو قادم
وأظهروا قدرتهم على التمسك بزمام المبادرة وعدم السماح لإسرائيل بتغيير الواقع القائم لتمرير سياساتها، وأن السيادة يجب ان تكون للفلسطينيين المقدسيين لا سواهم، سواء بالوصاية او بالإهمال من السلطة الوطنية وإنكارها لدورهم والأوضاع المأساوية التي يعيشها المقدسيون، من مصادرة الأراضي وهدم البيوت والاعتقالات والبطالة والفقر.
بينما فشلت الحكومات والقيادات والتنظيمات لأنها ما زالت تتمسك بالأدوات القديمة سواء في مقاومة الاحتلال أو حتى في إدارة الشأن العام الداخلي الفلسطيني، فكان كل حزب بما لديهم فرحون في مفهوم كل حزب على أنه الأصلح والأقدر على قيادة المرحلة والتنافس على مصالح دنيوية وفئوية أضرت بالقضية الفلسطينية ومركزيتها المتمثلة في تحرير الأرض والمقدسات وعودة الحقوق لأصحابها واختلفوا فيما بينهم على عرض من الدنيا زائل ونفذوا عن قصد او غير قصد مخطط يتمثل في ابعاد الفلسطينيين عن قضيتهم المركزية وتركهم في مهب الريح ينهشهم الفقر والبطالة وترهقهم النزاعات السياسية الداخلية.
لقد نجح المقدسيون عندما كشفوا أزمة القيادة الفلسطينية والأحزاب والتنظيمات والنخب على اختلافاتها، التي فشلت في اللحاق بالمقدسيين، وعدم قدرتهم على اجتراع المواقف والحلول والبحث في أدوات جديدة قديمة في مقاومة الاحتلال، والثقة الزائفة بالوعود والاتصالات الدولية والعربية، وهم في داخلهم غير مقتنعين بقدرتهم على انتزاع حقوق الشعب ، وأكد المقدسيون حقيقة مفادها أن من يشعر بالألم هو صاحب الهم والمعاناة الذي يتألم.
لقد نجح المقدسيون عندما اصطفوا مسلمين ومسيحيين تحت راية واحدة يجمعهم هم واحد نفضوا عنهم غبار التحزب الأعمى والفئوية المقيتة وجعلوا السياسة الخداعة خلف ظهورهم واجتمعوا على قلب رجل واحد بينما فشل الاخرون لانهم تفرقوا شيعا وأحزابا وجعلوا الحزب أو التنظيم همهم والتفتوا لمناصبهم وامتيازاتهم الصغيرة الدنيئة دون انظر الي قضيتهم الكبرى.
ان قضية النصر الذي حققها المقدسيين تفرض علينا أن نعيد حساباتنا وأن ندرك حقيقة مفادها أن قوة الحق والقضية من قوة ابنائها وأن النصر لن يتحقق الا من خلال الاصرار والعزيمة وانه لن يضيع حق ورائه مطالب وأن قوة القيادات والاحزاب والتنظيمات يجب أن تستمد من قوة شعوبها.