من أفظع السلوكات الشاذة التي عرفتها المجتمعات العربية والإسلامية في العقود الأخيرة ، وفرضتها فنطازية الإفراط في التدين ونزعة التشدد فيه ، سلوك مهاجمة الكثير منهم -وخاصة المنتمين للحركات الإسلام السياسي الجديدة - الدول الغربية ووصف شعوبها ، عن جهل ، بالكفر والمروق ، والدعوة عليها في المساجد بعد كل صلاة وعلى الخصوص منها صلاة الجمعة ، بأدعية رعناء مستنسخة محفوظة عن ظهر قلب ، تطلب المرض لهم واليتم لأطفالهم ، والترمل والسبي لنسائهم، والإبادة لشعوبهم والهلاك لبلدانهم وأمصارهم ، والخراب والدمار لبنيانهم ، والخسف لأراضهم ، بدعوى أنهم أقل شعوب العالم تديناً ، وكأن الطقوس التعبدية التي مارسها أكثريهتم ، و الفاقدة للمصداقية ، فلا تنشر محبة ، ولا تدعو لتعاون ، ولا تقيم سلاما بين البشر ، ولا تعمل إلا على استغلال الدين وشرائعه ونصوصه المقدسة ، وتوظفها توظيفاً سياسياً لتحقيق المصالح الشخصية الدنيوية الأنانية ، والاستعلاء بها على أتباع الديانات الأخرى والحشد ضدهم ، هي التي تجعلهم من أكثر الشعوب تدينا ، ومن دوي الحق المبين وتجعلنا فوق الصراط المستقيم ، وغيرهم الخاسرون .
لكن بإتباع التحليل الذي يراعي و يميل إلى تطبيق المنهج النسقي ، سنجد أن المجتمعات التي تدعي التدين وتعلن أنها الحامية للدين ، والتي ينشغل رجالها بإطالة لحاهم وتضخم وبروز زبيبة الصلاة على جباههم، ودعك السبحات بأيديهم ومسح بأسنانهم بالمسواك ، هم الأكثر فسادا في الإدارة ، والأكثر ارتشاء في القضاء، والأكثر كذبا في السياسة، والأكثر هدرا للحقوق، والأكثر ظلما وتحرّشا بالنساء ، والأكثر اعتداء على المحارم والمحرمات ، و الأكثر وقاحة ، في المخالفات السلوكية والتصرفات السلبية ، من فساد ورشوة وسرقة وتحرش وعنف أسري ، والأقل خجلا من الهروب والتجرد من المسؤوليات عند استقصاء المسببات الحقيقة الملموسة لما تعرفه مجتمعاتهم من والأكثر جرأة على التخلص من البحث عن الأجوبة العلمية الواقعية لتشخيص المعضلات ، والاكتفاء بردها ، من غير عناء التقصي أو جهد التحليل ، إلى ضعف الوازع الديني ، معتمدين اللازمة الأزلية المحفوظة عن ظهر قلب:"أن سبب فساد الدنيا هو نقص التدين" ، بينما الدين براء من زعمهم الذي يحصر الإسلام في كونه اعتكاف في المساجد وإطالة للحى وتضخيم لزبيبة الصلاة وإبرازها على الجباه ، وارتداء قصير اللباس ومداعبة السبحات وتبيض الأسنان بالمسواك ، لأن التدين الصحيح هو حالة سمو روحي وخلقي ، وأن أعظم ما يمكن أن يقدمه المتدين الصادق لغيره ، ليس هو الصلاة والصيام والزكاة والحج والتظاهر أمام الناس بأنه لا يغفل عن ذكر الله طرفة عين فقط ، هو ترجمة تلك العبادات إلى تصرفات يومية وإنسانية بسيطة من صدق وأمانة وعدالة اجتماعية وتحمل للمسؤولية ، وأداء للواجبات ، واحترام للوقت وللوعود والمواعيد ، ورفق بالحيوان ومحافظة على البيئة ، وغيرها من التعاليم السمحة التي جاء بها الإسلام ، والتي تتذيل الكثير من تلك الدول العربية والإسلامية قائمة الملتزمين بها في حياتها اليومية ، والتي تتصدرها الدول الغربية -التي ينعثونها بالكفر- وذلك بتطبيقها شريعة القرآن وترسيخها قِيَمَ وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، وتترجمها إلى تصرفات يومية وإنسانية بسيطة في مجتمعاتها ، من عدل ومساواة وعمل وإخلاص ووفاء وصدق ، فالعيب ليس في الدين الإسلامي ، كما يتوهم البعض ، بل العيب كل العيب في الأشخاص ، في البشر وفي طريقة فهمهم للدين ، وفي الخطاب الديني وفي الدعاة الذين فشلوا منذ عقود طويلة أو قرون في إصلاح هذا الخلل وهذه التشوهات الفكرية والعقائدية والأخلاقية والإنسانية في الكثير من بلاد العرب والمسلمين ، حتى ساد بها كل ما يخالف جوهر الدين الإسلامي الحقيقي ، وبصورة مرعبة ، من قتل وتحرش جنسي وكره وبغض وطائفية ، وأصبح معها معظم المسلمين يخشون العيب أكثر من الحرام ، ويحترمون الأصول قبل العقول ، ويقدسون رجل الدين أكثر من الدين نفسه، فتحولوا لجهلهم إلى أقل شعوب الدنيا تدينا رغم أنهم أمة الإسلام .. ولتّأكد من صدقية هذا القول وأنه ليس افتراء ولا تجنا على العرب والمسلمين ، ما علينا إلا إلقاء نظرة ، ولو موجزة على طريقة وأسلوب معاملة تلك الدول للمواطنين في حكمها واقتصادها ، ومقارنتها بطريقة تعامل الكثير من الدول العربية والإسلامية مع مواطنيها ، كما فعل أستاذ العلاقات الخارجية بجامعة جورج واشنطن، الذي قارن و فريق من المختصين ، دساتير218 دولة وأسس حكمها لمواطنيها، مع 113 مبدأً إسلامياً متعلقا بالعدالة والمساواة وتوزيع الثروة والحريات والاقتصاد ... ،مستمداً من القرآن والسنة.
فلاشك أن نتيجة المقارنة ستكون صادمة جدا ، إذ سنجد أن أيسلندا والدانمارك على رأس قائمة الدول التي تتقيد بتلك المبادئ الإسلامية 113 وتطبقها بحدافرها على مواطنيها ، ووتعامل بها غيرهم من البشر بما فيهم المسلمين الذين فتحت للمقهورين من شبابهم أبواب أمصارها ، وآووت لاجئيهم ومشرديهم ومغتربيهم وكل الهاربين منهم من طغيان و بطش و تجويع أنظمة بلادهم العرب والمسلمين .
بينما جاءت كل من السعودية وقطر في المرتبتين 93 و111 على التوالي ، لانشغال شيوخهما و أئمتهما و فقهائهما لقرون بالقتل و الغنائم و الجزية ، بالجواري و بأفخاذ النساء وشعرهن ، و أفنوا أعمارهم في (علوم) الخرافة و الجهل (المقدس) ، و ذبح القرابين لرجال الدين الذين أغرقوا عقول شعوبهما في غيبيات الخرف و الجهل ، وضيعوا مسلميهما بين خرافات البخاري ومسلم ، وفتاوى التكفير لابن تيمية .
فمعذرة لكل الدول الغربية التي يسيء لها جهالونا بأدعيتهم المقيتة التي لا تحق إلا بأصحابها ، ولا يسعني في الختام إلا أن أذكر كل أولئك الداعين على غير المسلمين من قوم عيسى وقوم موسى والملحدين واللادينيين بدعوى أنهم أقل الناس تدينا ، بمقولة جبران خليل جبران البليغة : "أيها المراؤون توقفوا عن الدفاع عن الدين بما يسيء له ، ودافعوا عن الإنسان كي يتمكن من التعرف إلى الله ، فاتقوا الله فيمن تحسبونهم أقل منكم تدينا ، فإنهم يقدمون لنا وللبشرية جمعاء التقدم والتحضر والإنسانية والأخلاق .
حميد طولست [email protected]
مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس
رئيس نشر "منتدى سايس" الإليكترونية
رئيس نشر جريدة " الأحداث العربية" الوطنية.
عضو مؤسس لجمعية المدونين المغاربة.
عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحافة الإلكترونية.
عضو المكتب التنفيدي للمنتدى المغربي لحقوق الإنسان لجهة فاس مكناس
عضو المكتب التنفيدي لـ "لمرصد الدولي للإعلام وحقوق الأنسان "