الإثنين 10/4/1446 هـ الموافق 14/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة سياسية لبدايات التحول : حصيلة المعطيات السياسية ما بين الحرب الباردة وثورة الربيع العربي الحلقة الأولى .... حمادة فراعنة

سجلت نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1917، ولادة أول بلد اشتراكي في العصر الحديث وهو الاتحاد السوفيتي الذي فضح وكشف ونشر وثائق سايكس بيكو البريطانية الفرنسية في التآمر على العالم العربي وتمزيقه الى دول ضعيفة محدودة الموارد، وتوزيع هيمنتها عليه، كما سجلت نتائج الحرب العالمية الثانية عام 1945، ولادة المعسكر الاشتراكي مع بلدان أوروبا الشرقية والصين الشعبية، على أثر انتصار بلدان التحالف بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، على بلدان المحور.

وقد أدت نتائج تلك الحرب الى تعزيز تطلعات شعوب بلدان العالم الثالث نحو الحرية والاستقلال، ومنها الشعوب العربية التي ناضلت من أجل التخلص من نير الاستعمار الأجنبي والاحتلالات البريطانية والفرنسية والايطالية، ولكن على الرغم من زوال الاحتلالات العسكرية عن غالبية البلدان العربية، باستثناء فلسطين، فقد أخفقت حركة التحرر العربية في قيادة الشعوب العربية نحو انجاز تطلعاتها الى تحقيق:

1 - الاستقلال السياسي والاقتصادي، و2 – توفير العدالة الاجتماعية، و3 –تحقيق الديمقراطية، و4 –انجاز الوحدة العربية، ولذلك بقيت أغلبية البلدان العربية أسيرة للقرار السياسي والاقتصادي الذي تتحكم به الدول الرأسمالية المتطورة، وفي طليعتها الولايات المتحدة وأوروبا، وبسبب ذلك الاخفاق وتبعاته يمكن تصنيف البلدان العربية لثلاث مجموعات رئيسة كما يلي :

المجموعة الأولى : البلدان العربية التي تحتاج للمساعدات المالية والاقتصادية وهي موريتانيا والمغرب وتونس ومصر والصومال والأردن ولبنان واليمن، التي تتلقى المنح والقروض والمساعدات من قبل الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، ولذلك يمكن الحكم على سياسة وخيارات هذه البلدان على أنها تستمع للنصائح الأميركية الأوروبية، وتجد من الصعوبة التخلص من نفوذ ومطالب البلدان المانحة، أو التصادم مع سياساتها ومصالحها، وغالباً ما كانت تنحاز لها أو تتحالف معها، في الصراع بين المعسكرين اللذين تشكلا بعد الحرب العالمية الثانية.

والمجموعة الثانية : هي تلك البلدان التي لا تحتاج للمساعدات المالية، ولكنها تحتاج للحماية الأمنية والعسكرية وهي بلدان الخليج العربي الست الثرية، السعودية والكويت وقطر والامارات والبحرين وعُمان، ولأنها كذلك فهي أيضاً تستمع لنصائح دول الحماية الأميركية والأوروبية، وعملت سياساتها على الأغلب وفق المصالح الأميركية الأوروبية وخياراتها الدولية.

أما المجموعة الثالثة : فهي تلك البلدان التي لا تتلقى المساعدات المالية، ولا تحتاج للحماية الأمنية، ولكنها تسعى لاخراج اسمها من قائمة البلدان الشريرة المتطرفة والراعية للارهاب وفق التصنيفات الأميركية، والمتصادمة مع سياساتها، وهي الجزائر، وليبيا معمر القذافي، والسودان، وسوريا، وعراق صدام حسين، ومنظمة التحرير الفلسطينية.

على ضوء هذه القراءة واستخلاصاتها يمكننا الاستدلال على سياسات المجموعتين الأولى والثانية التي اتسمت مواقفها بالتحالف مع المعسكر الرأسمالي، والانحياز للسياسات الأميركية الأوروبية طوال مرحلة الحرب الباردة، في مواجهة الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، والنيل من الاتجاهات اليسارية والقومية الناشطة في هذه البلدان، والعمل ضد بلدان المجموعة الثالثة، وتقويض قدراتها واستنزاف مواردها، وعليه انتهت الحرب الباردة مع بداية التسعينيات وهزيمة السوفيت في أفغانستان، وسجلت سنة 1990 على أنها محطة فاصلة بين عهدين على المستوى العالمي، ونهاية الحرب البادرة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، اللذين طبعا صراع الحركة السياسية بين بلدان العالم لأكثر من أربعين عاماً بعد الحرب العالمية الثانية، كان نتيجتها انتصار المعسكر الأول وهزيمة المعسكر الثاني، وقد برزت أهمية تلك النتائج بانعكاساتها السلبية المباشرة على المشهد السياسي في العالم العربي، وحصيلتها المدمرة تراجع حركة التحرر العربية وانحسار أحزابها اليسارية والقومية والليبرالية التقدمية، فيما تقدمت الأحزاب الأصولية، واتسع نفوذ التوجهات الاسلامية المحافظة التي سبق وأن تحالفت مع المعسكر الرأسمالي طوال فترة الحرب الباردة، فقويت بانتصاره على حساب التيارات السياسية الأخرى ومكانتها.

 

الحصاد المر ونتيجته الأولى على العراق

 

وسجل العراق على أنه أول المتضررين من نتائج الحرب الباردة بهزيمته وحصاره واحتلاله واسقاط نظامه القومي، على أثر مغامرته الخاطئة في الكويت يوم 2/8/1990، والتي عمقت من اخفاق التوجهات القومية، ونموذجها الصارخ حفر الباطن، التي دمرت فكرة الأمن القومي المشترك، بسبب مشاركة بلدان عربية وخاصة من قبل مصر وسوريا في الحرب على العراق بقيادة الولايات المتحدة، مثلما أدت تلك النتائج الى بروز تنظيمات وأحزاب التيار الاسلامي، وفي طليعتها حركة الاخوان المسلمين، وأحزاب ولاية الفقيه، التي شاركت في معركة احتلال العراق، جنباً الى جنب مع الدبابة الأميركية، ومشاركتها في الحكم في عهد الحاكم الأميركي للعراق السفير بول بريمر.

فلسطين الحلقة الثانية

 

وسجلت القضية الفلسطينية على أنها الحلقة الثانية المستهدفة ودفعت ثمن تلك النتائج، حين سارع جيمس بيكر وزير خارجية الرئيس بوش الأب للعمل حثيثاً على جمع أطراف النظام العربي مع حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، برئاسة اسحق شامير، على طاولة واحدة في مؤتمر مدريد يوم 30 تشرين أول 1991، بهدف انهاء الصراع العربي الاسرائيلي، والدفع باتجاه التوصل الى تسويات فرعية لجذر هذا الصراع، وذلك عبر فكفكة ملفات الصراع، وعزل كل بلد عربي عن الأخر، عبر مسارات تفاوضية منفصلة عن بعضها كل منها بمسار تفاوضي غير مرتبط بغيره، وكان أول من توصل الى أجندة التفاوض الجانب الأردني في شهر كانون أول 1992، وتلاه الجانب الفلسطيني في التوصل الى اتفاق أوسلو في شهر أب 1993، والتوقيع عليه في ساحة الورود للبيت الأبيض يوم 13/9/1993، والتوقيع الأردني الاسرائيلي في اليوم التالي 14/9/1993، بينما بقي المسار السوري الاسرائيلي معلقاً، بدون أن يحقق اختراقاً تفاوضياً بين الجانبين، حتى يومنا هذا !!.

 

الأردن الحلقة الثالثة

 

وسجل الأردن نفسه على أنه المتضرر الثالث، دافعاً ثمن الحصاد المر لنتائج الحرب الباردة وتداعياتها حربي الخليج المدمرتين الأولى 1991 والثانية 2003، فمن جهة سجل الملك الراحل الحسين موقفاً مشرفاً نستطيع المباهاة به تاريخياً، عبر قراره الشجاع بعدم الذهاب الى حفر الباطن، تحت الراية الأميركية، وعدم المساهمة في ذبح العراق لادراكه المسبق للنتائج الوخيمة لتدمير قدرات العراق وزعزة استقراره، في التصدي للنزوع القومي الايراني وتطلعاته التوسعية أولاً، وفي مواجهة العدو القومي الاسرائيلي ثانياً، الذي لعب دوراً أساسياً ومركزياً عبر اللوبي الصهيوني اليهودي المتنفذ في التحريض الأميركي على العراق واحتلاله وازالته كظهير للجبهة الشرقية في وجه العدو الاسرائيلي، ويمكن تسجيل خسائر الأردن بالعناوين والنقاط التالية :

أولاً : تم استبدال الدور التنموي الأردني لدى بلدان الخليج العربي، بالدور السوري والمصري المشترك في الحياة المدنية، وبالدور الأميركي المباشر عسكرياً وسياسياً، مما أفقد الأردن أهم روافعه المادية المالية والاقتصادية والاجتماعية، فازدادت أعباؤه الداخلية، وتفاقمت أوضاعه الأقتصادية والاجتماعية، من خلال تقليص حجم العمالة الأردنية لدى بلدان الخليج العربي واستبدالها بالعمالة السورية والمصرية، وقد سعت دمشق والقاهرة في ذلك ليرثا الدور الأردني المؤثر لدى بلدان الخليج العربي عبر قمتي دمشق أذار 1991، والرياض أيلول 1991، تحت مسمى الستة + اثنان، أي بلدان الخليج العربي الستة السعودية والكويت والامارات وقطر والبحرين وعُمان من جهة، وسوريا ومصر من جهة أخرى، وفي القمتين تم العمل على خلق تحالف بين البلدان الثمانية في مواجهة الأطراف العربية التي استنكفت عن المشاركة في حفر الباطن.

ثانياً : المشاركة في مؤتمر مدريد في 30/10/1991، وفرض التوصل الى معاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية والاعتراف المتبادل بدون تحقيق المطالب الأردنية، وبدون انهاء تداعيات حالة الحرب في مسألتين : الأولى ضم مدينة القدس الشرقية لخارطة المشروع الاستعماري الاسرائيلي عام 1980، والثانية عدم عودة النازحين الذين رُحلوا بسبب حالة الحرب عام 1967، وكان لهذين العاملين الأثر السلبي المباشر لبدايات المأزق الأردني وتداعيات الأزمة الأقتصادية والاجتماعية التي نواجهها الى اليوم، فقد كان من المفروض أن لا يقع الاعتراف المتبادل قبل الغاء ضم القدس الشرقية المحتلة عام 1967، حين كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وثانياً كان يجب عدم انهاء حالة الحرب بدون الإقرار بحق عودة النازحين الذي هُجروا الى الأردن بسبب تلك الحرب وأثارها مازالت قائمة حتى يومنا هذا منذ عام 1967.

 

[email protected]

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية

2017-08-23