الخميس 20/10/1444 هـ الموافق 11/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كتبت دولت بيروكي :مريم منت الحسان...رسالة وطن منسي للعالم

‏  ولأنها الموسيقى الفن الأكثر مخاطبة للشعور الإنساني،والذي يجد فيه الناس صدى لإحساساتهم في الحياة الواقعية،فمن علامة تقدم أي فن أن يستطيع الوقوف على قدميه بمجهوده الخاص،وأن يحمل داخله مايكتمل للتعبيرعن معانيه الإنسانية.

من هنا جاءت الأغنية الصحراوية بحروفها وكلماتها التي حافظت على تراثها الصحراوي لتصبح مميزة بين كل الموسيقى،فإنطلاقا من فكرة أن الفن الموسيقي أداة مهمة إبداعية يخاطب بها كل فنان قضاياه التي تربطه بالوطن ،فهذا الخيط هوالذي ربط الفنانة المرحومة مريم منت الحسان بالعالمية ،فإعتبر مكون ثقافي عظيم الأهمية في مسيرتها الغنائية التي كانت تطمح بها دوما إلى حالة إجتماعية وسياسية متقدمة بالمجتمع الصحراوي.

تربعت الصحراء الغربية بصور شهدائها وبمعاناة أهلها اللاجئين الصحراويين بالمخيمات،على كل المواضيع التي إهتمت بها موسيقى الفنانة مريم منت الحسان،حيث إستطاعت أن توافق بين تيارات فنية عالمية من جهة ومع إحتياجات المجتمع الصحراوي الثقافي من جهة أخرى .

مريم منت الحسان فنانة ولدت بمخيمات اللاجئين الصحراويين،بعد الإجتياح المغربي للصحراء الغربية،فمنذ نعومة أظفارها كان إهتمامها بالفن ينشأ ويزداد،فهي التي تروي في إحدى حواراته أنها في كل مناسبة تجتمع بصديقاتها لترديد الأمداح النبوية أومايطلق عليه بالأشوار الصحراوية وهي عبارة عن قصائد من الشعر الشعبي تهتم بكل المواضع الإجتماعية والوطنية،ومع ثورة السبعينات أصبحت كثيرا ماتنشد هذه القصائد الخاصة من أجل الثورة حيث تضاعف عدد المستمعين من الشعب الصحراوي لآلاف المرات لها.

وبالرغم من أن الحرب قد توقفت إلا أنها تركت مأساة إنسانية تمثلت بالإحتلال واللجوء،في أرض لايعرفها إلا أهلها، ففي كل خيمة أو بيت كانت هناك حكايا عن حجم هذه المأساة ،ولهذا إرتبط أول ظهور عالمي لها مع شركة الإنتاج العالمية "نوبي نيكرا"فسجلت خلالها عدة ألبومات تعرف بعمق الألم والوجع الذي يعيشه الشعب الصحراوي، كماشاركت بها في مهرجانات بالسويد وكانت هذه هي البداية لمشاركاتها العالمية في عدة مهرجانات تنوعت بين الإتحاد الأروبي ودول أمريكا اللاتينية كان من أهمها مهرجان "كوبا ديسكو"بكوبا 2008.

أصيبت مريم بسرطان الثدي،وإنتقلت للعيش بإسبانيا من أجل الخضوع للعلاج،قبل ذلك كان ألبومها الأخير "لعيون كدات"والذي أهدته لثورة إكديم إزيك وللسكان بالصحراء الغربية المحتلة ، يرتفع صداه عالميا . وقد يكون هذا القدر من الوعي السياسي مواكبا للوعي بقيمة الثقافة ودور الفن،فالفنان من خلال إدخال الفن في هذا الجو يمكن أن يفيد في توسيع مبدأ المشاركة العالمية من جهة وزيادة الوعي بدور الفن في حياة الناس من جهة أخرى.

وهو الذي عبرت عنه في إحدى حواراتها قائلة :"أن الأغنية بمثابة أداة إعلامية قوية الحضور والتأثير،كما أنها كانت عامل تحفيز وتشجيع المقاتلين وبلسما للمعتقلين وأولياء المفقودين وعونا ودافعا للمنتفضين في وجه عنجهية القمع والإحتلال"2.

رحلت مريم كما كانت عالمية ،نعت فقدانها صحف بريطانية اسبانية ودولية وأطلق عليها أسطورة الغناء الصحراوي،بعد مسيرة حافلة بالإنجازات. وتكريما لمسيرتها الفنية ،ألف الكاتب الاسباني جيان لوكا ،كتاب بعنوان"مريم منت الحسان :"أنا صحراوية " ففي هذا الكتاب يسرد لوكا قصة حياتها من الطفولة الى مراحل تقدمها بالعمر،ويربط علاقتها بالثورة والموسيقى، كما يعالج أيضا في داخله ،مجموعة من قصص معاناة النساء بالمخيمات.

إن الإبداع بكل أشكاله يغير العالم،فطاقته وحضوره يختلف عن الفعل السياسي أحيانا،فمريم منت الحسان حتى في غيابها لازلت في العالم تحمل طابعها الرمزي،المرأة الثورية التي تقف إلى جانب الوطن بالأغنية الصحراوية،فهي التي جمعت فيها بين التراث والتحرر في خطاب إنطوت عليه اعمالها الموسيقية، للدفاع عن القضية الصحراوية،بإتجاه مختلف عن السياسة،حيث تحاور فيه أعماق الذات الإنسانية بالعالم لتفتح الطريق نحو إكتشاف الصحراء الغربية،تلك الأرض المنسية.

1_الصورة من تصميم ،المصمم الفلسطيني صالح سيف الدين أحمد من غزة.

2_حوار إتحاد الكتاب الصحراويبن مع الفنانة مريم منت الحسان بتاريخ 11/04/2008

2017-08-25