الأربعاء 26/9/1446 هـ الموافق 26/03/2025 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المسافة التي إقتربت من القارئ...دولت بيروكي

إنها الرواية الفلسطينية،التي تكتب عن الأرض وعن الزيتون وعن القدس وعن كل فلسطين،أدبها ترجمة للواقع ووصفها كان مثل الفدائي الذي يندفع نحو الموت من أجل غايات شعب بأكمله،وهي الحرية والعودة.

لقد كان لزمن الرجال والبنادق تأثيره على الكتاب الشباب بفلسطين ،حيث الكاتب ألغى من خلاله المسافة بين الأرض والإنسان،زمن تساوى فيه الرجال ببنادقهم لذلك قال غسان كنفاني عنه:"هذه تسع لوحات أردت منها أن أرسم الأفق الذي أشرق فيه الرجال والبنادق والذين معا سيرسمون اللوحة الناقصة في هذه المجموعة".

كان ذلك الزمن هو الذي دفع الكاتب الفلسطيني يامن نوباني على محاولات كثيرة من أجل إكمال هذه اللوحة،أتراها إكتملت بروايته"المسافة بيننا شهيد"؟.

في رواية مزج فيها كاتبها النثر السردي باللغة الشعرية عبرتكثيف لغوي متنوع،لم تغيب عن يامن الأبعاد المختلفة لتجربة الشهداء ،فالأمر الأكثر أهمية كان في سرده لهذه الواقائع بلغة تصريحية أعادت لأذهان القراء لحظات قاسية وفارقة في تاريخ الإنسان الفلسطيني.

تحتوي الرواية على مجموعة من الفصول تشابكت فيما بينها ،جاءت على التوالي:طفولة وحب وحدود،منعطفات اللوز،المسافة بيننا شهيد،دلال ومطر وسجن،بيننا أغنية،الغياب و51 يوما من الحرب،الهبة الشعبية،زمن النقيفة،الطريق إلى البيت،وفي الأخير كما نقلت الوكالة الرسمية.

رواية خرجت من رحم الأرض الفلسطينية،من حزنها وفرحها،ومن الحب والفراق فيها،محملة بهموم إنسان يعيشها على مر الزمان، فصور مقاومة الشباب الفلسطيني في الإنتفاضة الأولى،ليصوغ منها عملا وطنيا متميزا،حيث يقول عنها:"في الإنتفاضة الأولى كان من سبقونا يرفعون الأعبلم على المآذن والبيوت،الآن بقيت العصي التي كانت تحملها،وكأنها تنادينا نحن الجيل الجديد ،لنعيد وضع الأعلام على العصي،تذكرنا بأن العلم الفلسطيني يجب أن يرفع من جديد".

"أنا الأول في الحب والأخر في النسيان" في هذه العبارة أو كما في عبارات أخرى تولى يامن التعبير عن إحساسه عبر ربط عواطفه وأحاسيسه والأفكار ببعضها ربطا يظهر المستوى الجمالي للنص،لم يكن خلاله بمنأى عن المؤثرات التي شكلت عنده هذه الآهتزازات بمشارعره. لقد تجاوز الكاتب في هذه الرواية الصور المرتبطة بالذاكرة ،إلى صور إرتبطت بالتجارب الذاتية،لقد وجد نفسه في سرد غير مقيد ومتحرر ،للطفولة وللحب وللبيت وللعزلة وللسجن ،ولدت لديه هذه التجارب طاقة تعبيرية لها ميزتها وقيمتهافي الكتابة السردية.

يامن نوباني قدم فلسطين في رواية أقرب ما تكون سيرة ذاتية،بمدنها حيفا والقدس وبيت لحم وكل ترابها ،قدمها ككتلة واحدة إلى المتلقي،ونصا نثريا مليئا بالحب والحنين والذكريات،تتزواج لغته الوجدانية بإحساسه الوطني،وكأنه يريد أن يلغي تلك المسافة التي يريد منها الإحتلال أن تستمر،فطبيعته العفوية المباشرة التي إختزلتها هذه الرواية عندما لامس الشهيد الفلسطيني كانت كمسافة قريبة جدا مع أي قارئ.

2017-08-28