الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الموقف الأميركي انقلاب على العدالة والإنسانية....بقلم جودت مناع

 الكشف عن أنّ أعضاءً في الكونغرس الأميركي بصدد السعي لحل "الأونروا"، على أن يتم معالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بواسطة المفوضية العليا، وتزامن ذلك مع تصريحات مسؤول أمريكي يحيل بها مسؤولية حل القضية الفلسطينية لدول عربية معتدلة يظهر أن مصير العدالة باتت رهينة في قبضة الولايات المتحدة.

 

ويبدو أن هذه التصريحات جاءت متوافقة خططا مع سياسة الإدارة الأمريكية بعد أن نسفت حل الدولتين الذي صاغت له غالبية دول العالم بما في ذلك حكومات اسرائيلية سابقة.

هذان التصريحان يشكلان منعطفا سياسيا وأمميا حادا ولعل تزامنهما مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة جوريتيش إلى فلسطين المحتلة قد حدد مسار مباحثاته.

سياسيا؛ يبدو أن على الفلسطينيين تشييع حل الدولتين والبحث عن استراتيجية جديدة لمواجه الصلف الأمريكي المنحاز للكيان الصهيوني وأن لا يتلقوا خططا أخرى تتيح لكيان اسرائيل تنفيذ مخططاته.

أمميا؛ ارتفاع وتيرة الأصوات الداعية لتنصل "الأنروا" من مسؤولياتها اتجاه اللاجئين الفلسطينيين ينذر بانهاير انساني.

التقارير الأوروبية التي كشفت النقاب عن أن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 194 لم يعد من الممكن تنفيذه لعدة اعتبارات يصب في هذا الاتجاه.

غاية أخرى خبيثة هي محاولة لاستعاضة القرار بمساواة الضحية بالجلاد. وذلك بتعويض اللاجئين الفلسطينيين و"اليهود" على حد سواء.

 

هذه التطورات تتسارع مع محاولات لتوطين اللاجئين الفلسطينيين واستقبلالهم في الولايات المتحدة وكندا واستراليا.

 سؤالان مهمان لدحض "عدالة" هذه الأفكار المفترضة ألا وهما؛ الأول:

لماذا سيعوض "اليهود" الذين تحولوا إلى مستوطنين وقوة احتلال على ممتلكات للشعب الفلسطيني.

وثانيا: ما هو شأن اللاجئين الفلسطينيين بهجرة أعداد من اليهود من دول عربية إلى فلسطين المحتلة.

إن مسؤولية هجرة آلاف اليهود من دول عربية إلى فلسطين المحتلة تقع على عاتق قيادات الحركة الصهيونية التي ضللت هؤلاء وخططت لنقلهم إلى فلسطين المحتلة وتوطينهم في بيوت وممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم عام 1948.

لذلك هل يجوز مقايضة حق مزعوم لمن هاجر وكان ضحية لأيديولوجية مضللة في ليستوطن في بيت فلسطيني مع حق طبيعي لمن طرد من هذا البيت! 

 

إن فكرة تعويض المستوطنين هي رأي شيطاني مسؤولية لا تقع على عاتق الفلسطينيين ولا حتى الدول العربية التي عليها على ممتلكاتهم بل على من يسمون ب   "القادمين الجدد" إلى فلسطين المحتلة.

 

فبدلاً من أن يعوض اللاجئين الفلسطينيين عن تهجيرهم من ممتلكاتهم وإغصاب من احتلها على دفع هذه التعويضات لإشغالهم لها والاحتفاظ بحق الفلسطيني للعودة إلى وطنه، تجري محاولات لاختطاف العدالة بوقاحة غير مسبوقة.

 

وفي خضم هذا التناقض السياسي والإنساني فإن صياغة اقتراحات كهذه لا تهدف إلا لترجيح مزاعم المعتدي على حقوق المعتدى عليه، وهكذا يسعى أصحاب هذه الأفكار إلى تقويض قرار الأمم المتحدة الذي ينص على حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم من ناحية،  وعدم الإيفاء بتعويضات عن استعمار ممتلكاتهم من ناحية أخرى.

 

هنا تبرز عدالة النضال الوطني الفلسطيني وأهميتها في الدفاع عن حقوق انسانية لنحو 12 مليون فلسطيني نصفهم يعيشون في فلسطين المحتلة تحت سطوة الاحتلال الذي يقترب من بلوغ 70 عاما. وهو دليل دامغ على افتراء كل من يحاول نعت هذا النضال بالإرهاب وفي مقدمتهم كيان الاحتلال الإسرائيلي.

 

من هنا فإن فشل المفاوضات التي كان من الممكن أن تتوصل لحل الدولتين يضع القيادة الفلسطينية أمام اختبار صعب.

 

ولتجاوز هذه الأزمة وإدارة الصراع على نحو وطني لا بد من التعامل بحذر شديد مع أي مبادرات جديدة الحذر والمبادرة إلى:

 

إعادة التموضع الفلسطيني الرسمي في حالة المرسل وليس المتلقي، بمعنى عدم الانتظار لمشاريع أو اقتراحات جديدة قد تفرض عليه أمريكيا أو من بعض ما يسمى بالدول العربية المعتدلة للحفاظ على استقلالية القار الفلسطيني.

 

هذا الموقف المفترض، بغض النظر عن تداعياته الأمنية، يجب أن يبحث في الإسناد الشعبي الذي استبعد من صناعة القرار بسبب تداعيات ما يسمى ب" الربيع العربي".

 

كما يتطلب الوضع الراهن لإعادة صياغة استراتيجية  تلائم تمرد كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الذي تنصل من الالتزام المطلق بالقرارات الدولية وباتفاق اوسلو وذلك بخطوات تساعد على انتشال السياسة الفلسطينية من مستنقع المفاوضات والتنسيق الأمني الذي وظف مؤخرا لصالح العدو ولفئة قليلة من طبقة السلطة.

 

أشياء أخرى ...

 

أولا: إسناد المواقف الجديدة المفترضة يتطلب التمسك بقرارات الأمم المتحدة وأولها قرار 181 الذي انتهكته العصابات الصهيونية الإرهابية عام 1948 وجعله قاعدة انطلاق صلبة لأي حل سياسي هدفه فرملة العجلة السياسية المتهورة في الكيان العبري.

 

ثانيا: تطهير منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد من أصحاب الفكر الجاهز المعادي للديموقراطية وملئ الفراغ المستشري في مؤسساتها ديموقراطيا لا بالتعيين و" الكوتات" كي تصبح قادرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي.

 

ثالثا: إعادة النظر في قرارات عباس الأخيرة التي استبعدت قيادات تاريخية من مؤسسات المنظمة والسلطة على حد سواء وتحديد مسؤولياته ووضع حد لانفراده واستئثاره بصناعة القرار بما في ذلك تجاوز الانقسام أو تجاوز أقطابه.

 

رابعا: عدم إغفال وجود نحو 6 مليون فلسطيني في الشتات والوقوف بحزم أمام محاولات تهميشهم و أو توطينهم في أي مكان في العالم.

 

خامسا: عدم الانصياع لتهديدات اسرائيل بشأن التمنع الطوعي عن التدخل في شؤون الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948 بل يتعين التأكيد على العلاقة بين أبناء الشعب الواحد وذلك ردا على التدخل الإسرائيلي المعادي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 من خلال تقويض مواطنتهم وتهديد امنهم وسياسة هدم البيوت ... الخ من ناحية، ومصادرة الممتلكات والاستيطان وفرض قوانين لإرساء "الدولة اليهودية" من ناحية أخرى.

خلاصة التحليل الموضوعي لتداعيات التصريحات الأمريكية والأممية المحتملة هي أن فشل المفاوضات يجب أن لا يغصب الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره من خلال وسطاء أو قوة داعمة للاحتلال بل بمظلة فلسطينية وطنية وإن بلغت التضحيات ذروتها لأن القبول بأي اقتراحات جديدة لحل الصراع سيكون بمثابة المشي على جسر فوق المياه العكرة.

لقد كان حل الدولتين خيارا سيئا فما هي التوقعات لحلول مفترضة في ظل انهيار القوة العربية وفرض الهيمنة عليها وتعدد المحاولات الدولية للاستئثار بأرض العرب.

 

فمحاولات توطين اللاجئين التي أعدها وزير صهيوني سابق هو بن برات فشلت بعد أن صمدت المخيمات الفلسطينين برغم حصارها بالحواجز والسياج لسنوات طويلةةخلال ثمانينات القرن الماضي ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الأولى.

وفي ضوء ما تقدم يتعين فضح مثل هذه التصريحات باعتبارها نقيضا لمواثيق الأمم المتحدة الأساسية والتفافا على قرار حق الشعوب في تقرير مصيرها من جهة وتقويض دور الأمم المتحدة والتخلي عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين والاستئثارربمصير حق العودة. وبمعنى أدق؛ انقلاب على العدالة والإنسانية.

د. جودت مناع

كاتب صحفي ومحاضر في الإعلام

2017-08-30