قراءة سياسية تاريخية
حصيلة الفشل الأميركي
هل تُفتح طاولة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ؟
حمادة فراعنة *
هل يستطيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحقيق تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟؟ وهل يملك أوراقا اضافية، ونفوذا أقوى، وقدرات مميزة تجعله يتجاوز ما سبق وأن فشل فيه أقرانه بوش الأب 1991، وكلينتون سنة 2000، وبوش الابن 2007، وأوباما في ولايتيه الأولى 2009 – والثانية 2013، ويسجل الاختراق الذي لم يفلح في انجازه كل من حاول وسعى وعمل في هذا الملف من قبله؟.
لقد أخفقت الادارات الجمهورية والديمقراطية من التوصل الى تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ لأن القرار ليس في واشنطن بل في تل أبيب ورام الله، ولديهما فقط، رغم كل المحاولات الأميركية ومن أعلى المستويات في البيت الأبيض، من قبل الرؤساء شخصياً فشلوا بينما سجل أصحاب القرار الفلسطيني والاسرائيلي نجاحات عملية ملموسة على تحقيق اختراقات وانجاز خطوات وبدون وساطة أحد، وغالباً بدون معرفة أحد لا في واشنطن ولا في غيرها من العواصم، فاتفاق أوسلو توصل له ياسر عرفات مع اسحق رابين، وبدون وساطة أحد على أثر الانتفاضة الأولى عام 1987، وشارون رحل عن غزة مع فكفكة المستوطنات وازالة قواعد جيش الاحتلال بقرار منه وحده بدون تدخل أحد على أثر الانتفاضة الثانية عام 2000، بينما اجتماعات مدريد بادارة بوش، ومؤتمرات كامب ديفيد برعاية كلينتون، وأنابوليس برعاية بوش، ولقاءات واشنطن برعاية أوباما لم تسجل اختراقاً واحداً يمكن الركون اليه، أو الاعتماد عليه، أو اعتباره نجاحاً، بل سجل فشلاً لكل الادارات التي تدخلت وعملت وضغطت، لسبب وحيد؛ لأن موقف الادارات الأميركية بانحيازها للعدو الاسرائيلي لم تقدم شيئاً جديداً، بل أضافت قوة لقوة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وبات على الموقف والمفاوض وصاحب القرار الفلسطيني أن يواجه قدرات اسرائيلية مضاعفة مدعومة من قبل المفاوض الأميركي الذي كان على الأغلب يهودياً مثل دينس روس ومارتن انديك كما هو الأن الفريق الأميركي من اليهود كوشنير وجرينبلات اضافة الى السفير في تل أبيب فريدمان ، ولذلك لم يكن الوسيط الأميركي نزيهاً بل منحازاً، ولهذا فقد دوره كطرف قادر على تقديم اقتراحات وسيطة تُرضي طرفي الصراع !! .
الفشل الأميركي
اذن يمكن الاستخلاص من التجارب التفاوضية الكبرى، برعاية أميركية : بوش الأب من مدريد، وكلينتون من كامب ديفيد، وبوش الابن أنابوليس، وولايتي أوباما أن الفشل يعود لموقفي تل أبيب ورام الله، وأن الوساطات الأميركية لم تنجح بتقديم اختراقات توفر الأمن للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي كما يرغب، ولم توفر الاستقلال للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني كما يتطلع، وعلينا حتى نكون واقعيين وعمليين، بعيداً عن الوهم والادعاء بالمعرفة والرهان في غير محله، أن نخلص لنتيجة أن انهاء الصراع وتسويته يعتمد فقط على طرفي الصراع وليس على طرف ثالث مهما بدا قوياً وفاعلاً، فدوره ثانوي مساعد، ولكنه ليس مقرراً لا في تل أبيب ولا في رام الله، وهذه النتيجة هي خلاصة التجارب التفاوضية الخمسة التي تحققت منذ عام 1991 – بدءاً من جهود الوزير جيمس بيكر في مؤتمر مدريد، حتى جهود جون كيري الفاشلة في نيسان 2014، وهو أخر جهد واتصال وتدخل أميركي في عهد أوباما قبل أن يصل ترامب الى سدة البيت الأبيض في 20/1/2017 ويكلف الثلاثي كوشنير وجرينبلات ودينا باول بالملف وسعي التوصل الى فتح طاولة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية للمرة الخامسة ( بوش الأب، كلينتون، بوش الابن، أوباما )، خلاف المحاولات الأخرى من أطراف عديدة لم تفلح بزحزحة الطرفين عن مواقفهما ومصالحهما .
ما هي المستجدات؟
هل ثمة مستجدات رطبة ايجابية تستوجب الرهان الجدي على فتح طاولة المفاوضات وتحقيق اختراقات ملموسة في ضوء هذه المستجدات ؟ .
على الصعيد الاسرائيلي، لقد حقق الاسرائيليون المزيد من الخطوات الاستيطانية النوعية التي ضاعفت من قوتهم ونفوذهم وامتدادهم على الأرض الفلسطينية، وبات القرار أقوى باتجاه رفض الانسحاب الاسرائيلي وازالة المستوطنات وتحقيق تسوية تضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، فحكومة نتنياهو يتحكم بها وبقراراتها المستوطنون وأحزابهم وخاصة حزب نفتالي بينيت وزير التربية، وحزب ليبرمان وزير الحرب، اضافة الى الليكود نفسه الذي بات قرار المستوطنين وتصويتهم فاعلاً مؤثراً على قرار الليكود وفي الكنيست وعلى الحكومة، ولذلك زادت التعقيدات وقوة تأثير المستوطنين التوسعية، ولم يكن ممكناً ليس فقط ازالة المستعمرات ومستوطنيها، بل بات مجرد قرار وقف الاستيطان صعباً، لأنه يتنافى ويتعارض مع مصالح المستوطنين الاستعمارية التوسعية، ومع سياسة حكومة نتنياهو الائتلافية .
كما أن نتنياهو نفسه شخصية يمينية بقوة متمسك بخارطة اسرائيل على كامل خارطة فلسطين، وهو اليوم بطة عرجاء بسبب ثلاثة ملفات فساد تلاحقه لا يقوى بسببها التخلي عن سياسات قواعد مؤيديه في الليكود وأحزاب المستوطنين .
وعلى الجانب الفلسطيني لم يستطع الرئيس محمود عباس تحقيق اختراق في الموقف الاسرائيلي وزحزحته عن تمسكه بما تمليه مصالحه التوسعية الاستعمارية، رغم كل التهاون والمرونة التي عملها وفعلها ووفرها أبو مازن للطرف الاسرائيلي عبر التنسيق الأمني، ولكنه بقي ممسكاً بحقوق شعبه أو بالحد الأدنى التي يستطيع التهاون بشأنها فقد أبدى تجاوباً مع مظهرين جوهريين من مظاهر المساومة وفق مبادرة السلام العربية المعلنة عام 2002، وهي تتضمن : 1- حل متفق عليه نحو قضية اللاجئين أي وافق على منح حق الفيتو للاسرائيليين بالنسبة لحق اللاجئين في العودة الى مناطق 48، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها بما يتفق مع القرار الأممي 194، و 2- التبادلية بالأراضي بما يتعارض مع قرار مجلس الأمن 242 الذي يفرض الانسحاب ولا يجيز ضم أراضي الغير بالقوة، ومع ذلك لم تجد مبادرة السلام العربية بما حوت من مساومات والاستعداد للتنازل عن قضيتين جوهريتين هما اللاجئون والأرض، لم تجد القبول والرضى الاسرائيلي، وكانت حصيلة مواقف أبو مازن المرنة السلسة أنها لم تجد أي تجاوب عملي ملموس من قبل نتنياهو، ومن غيره من قادة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي .
كما أن الرئيس الفلسطيني لم يعد صاحب القرار الوحيد لدى المؤسسة الفلسطينية، فهو يواجه فلسطينياً خصماً حمساوياً لا يقل قوة ونفوذاً وحضوراً عن حركة فتح حتى ولو واصل الرئيس الفلسطيني امتلاكه لشرعية القرار ولكنه عملياً غير قادر على تمرير ما يرغب تمريره بسبب فقدانه للأغلبية البرلمانية لدى المجلس التشريعي، ولا يستطيع عقد المجلس الوطني وحده بدون موافقة أطراف فلسطينية أهمها الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، اضافة الى حماس والجهاد وشخصيات فلسطينية وازنة، فالرئيس بحاجة الى شرعيتين متلازمتين هما : 1- الشرعية القانونية متمثلة بتوفر النصاب لعقد المجلس الوطني والتشريعي، و2- الشرعية السياسية متمثلة بحضور ومشاركة أغلبية فصائل منظمة التحرير وخاصة الشعبية والديمقراطية، ان لم تصل الاتفاقات لتوسيع قاعدة الشراكة بحضور حماس والجهاد .
كما أنه وعلى الرغم من نجاحه من عقد مؤتمر حركة فتح، واعادة انتخابه وانتخاب لجنة مركزية تدين أغلبها له بالولاء، ولكنه يفتقد لوحدة حركة فتح لدى المجلس التشريعي حيث إن ثلث نواب حركة فتح 15 من 45، يلتزمون بالتيار الاصلاحي الذي يقوده النائب محمد دحلان، كما أن قطاعا من الفتحاويين الملتزمين يجدون صعوبة في قبول قرارات الرئيس وتوجهاته، ما يجعله يصطدم بمعيقات ليست سهلة، يدركها أصحاب القرار في تل أبيب وواشنطن.
حصيلة الخبرة الأميركية
قبل أن يرحل جون كيري مع رئيسه باراك أوباما، عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه ومن خلاله حصيلة استنتاجاته، على أثر توليه مهمة ادارة المفاوضات مع طرفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وخبر مواقف وسياسات الطرفين، بعد أن ورث خبرة سلفه السيناتور جورج ميتشيل الذي تولى المهمة مكلفاً من الرئيس الأميركي طوال ولايته الأولى ما بين 2009 – 2012، ليتولاها جون كيري في ولايته الثانية بدءاً من 2013 .
في المؤتمر الصحفي يوم 28/12/2016، أعلن جون كيري الذي وصف نفسه على أنه « صديق اسرائيل، والأكثر حرصاً عليها « استعرض وزير الخارجية الأميركي ضرورات « حل الدولتين « كما يلي :
- حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين .
- المستوطنون « يؤمنون بدولة واحدة : اسرائيل الكبرى « .
- المشكلة أبعد من المستوطنات، بل بالتوجهات التي تشير الى جهود واسعة لاستيلاء اسرائيل على أرض الضفة الغربية ومنع التنمية الفلسطينية .
- القدس يجب أن تكون عاصمة لدولتين .
- غالبية الأراضي التي يجب أن تكون تحت سيطرة الفلسطينيين حسب اتفاقية أوسلو أصبحت تحت السيطرة الاسرائيلية .
- المستوطنات تهدد أمل الفلسطينيين باقامة دولتهم .
- الدول العربية، لن تطبع العلاقات مع اسرائيل ان لم تحل مشكلتها مع الفلسطينيين .
- هل يرضى أي اسرائيلي أو أميركي العيش تحت الاحتلال .
وأكثر من هذا وأوضح قالها جون كيري بالفم الملآن في مؤتمره الصحفي الذي كان بمثابة رسالة نهائية وأخيرة له قبل أن يسلم مهامه مع نهاية ولاية رئيسه أوباما في 20/1/2017، قال جون كيري :
« اليوم هناك أعداد متساوية من الاسرائيليين والفلسطينيين، يعيشون بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ولديهما خيار « يمكنهم أن يختاروا العيش معاً في دولة واحدة، أو الانفصال في دولتين « .
فهل وصلت رسالة جون كيري الى ادارة دونالد ترامب الأكثر ولاء وانحيازاً للمشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي من أوباما الذي قدم طائرات ف 35 لتل أبيب، وزيادة قيمة الدعم المالي لمدة عشر سنوات مقبلة من 2018 – 2028، من 3300 مليار سنوياً الى 3800، ومع ذلك غادر أوباما خائباً ورحل عن البيت الأبيض دون أن يقول له الاسرائيليون : شكراً، بل وبخوه؛ لأن تجربته معهم علمته حقيقة مشروعهم الاستعماري الذي غدا عبئاً على أميركا، وليس رافعة لمصالحها في عالمنا العربي .
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية