الإثنين 10/4/1446 هـ الموافق 14/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
يُجيدون التلوين!! -عبد الهادي شلا

 

 جملة من كلمات القليلة اختصر العملاق عمره ومن سبقه ليصل بالقرن العشرين إلى ذروة ما يتطلع له كل فنان إنه "بابللو بيكاسو" أشهر فناني القرن العشرين الذي قال: ( أنا لا أرسم ما أرى،بل أرسم ما أعرف ..)، لم يغلق الباب أمام أحدهم بل فتحه على مصرعية ليتحرر كل فنان من شرنقة الموروث الكلاسيكي وما تلاه ليصبح صورة تعكس حاضره وترسم طريق مستقبله الذي كان يتطلع إليه كل من عاصروه و وافقوه مثل "هنري ماتيس" إلى "جورج براك" أو "سلفادوردالي" وغيرهم الذين أشبعوا مرحلة الخروج من الشرنقة إبداعا لم يكن مألوفا من قبل .

فتح النقاد عليهم نار النكران في البداية حتى استقر الأمر لمذاهبهم الفنية ومدارسهم التي واكبت الانفتاح على فلسفات جديدة في مجالات الفنون الأخرى من الشعر والقصة والمسرح والغناء في وقت النهضة والاكتشافات العلمية.

كان االتطور في مجالات الحياة يسير جنبا إلى جنب في تآلف وتوافق ليرسم سمة عصر جديد لا رجعة عنه و بقليل من الملاحظة نجد أن الخطوات الأولى قد تبعها خطوات أسرع إلى أن أصبح السباق في أوُجَّه بكل ما وصلنا من جواهر الإبداع التي مازالت الأجيال اللاحقة تتابعه بالدرس والاستفادة محاولة ان تضيف عليه .

لكن يبدو أن التعب قد أصاب الكثيرين في فترات كان لابد أن يجد الفنان فيها طريقا أخر أبعد في جنوحه عن الواقع فكانت التجارب العلمية التي اقتحمت عالم الفن التشكيلي فكان للتصوير الضوئي والفيديو أرت  ومن ثم لبرامج الكمبيوتر نصيب كبير مما أصبح ظاهرة لها أتباعها ولها من يسوق لها مستفيدة من طفرة النمو الاقتصادي في فترات زمنية قريبة.

 

يقول الناقد فاروق يوسف :"ما من شيء لم يفعله الفنانون في العالم. لقد ضاقت فرص الخيال. وما لم يبتكر الفنان شيئا خاصا يذكّر به، فسيكون منسيا. ستُطوى صفحته مثلما طويت صفحات ملايين الرسامين والنحاتين.." 

 

هذا ينطبق بصورة كبيرة على ما يجري في الحركة التشكيلية العربية بعد أن كان الأمل في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي في حركة ناهضة وضعت أسسا لو استمرت في تطويرها لكان حال التشكيليين أفضل بكثير مما وصل إليه الحال الآن والتي انعكست عليها حالة التضاربات السياسية التي عمت الوطن العربي.

 

كانت البدايات واعدة بانفتاح على الحياة العصرية بعد ان تزود الكثير من الفنانين من مدارس الغرب الفنية وأسقطوا عليها خصوصيات المجتمع العربي بتراثه ونهضته التي كانت تنطلق بتناغم مع تطلعات المجتمع في العلم والمعرفة والتقدم على أمل أن تؤسس لمذاهب فنية مثل تلك التي استحدثها فنانوا الغرب الذين ذكرنا بعضهم آنفا.

 

صحيح أن الحركة التشكيلية في كل بلد عربي لم تتوقف وأن بعض الفنانين قد لاقت أعمالهم نجاحا عالميا إلا أنهم لم يكونوا أصحاب مذهب أو مدرسة فنية خالصة.

 

من يتابع يجد أن كـَمـًا مطروحا من الأعمال في أكثره مجرد عدد لا يخرج عن تكرار لرموز أشبعها الفنانون وموضوعات تخلو من الفكر العميق والفلسفة التي تمنح العمل قوة المنهج الفني.

 

المؤكد أن الحالة المضطربة التي يمر بها الوطن العربي و موروث اجتماعي وبعض أقلام لا تملك بوصلة النقد السليم قد انعكست مرة أخرى على عطاء الفنانين لمجاراة "السوق" طمعا في الشهرة الزائفة والمردود المادي الذي لا يمكن أن يكون في صالح الفنان والفن .

 

في الوطن العربي عدد كبير من الفنانين في زحام شديد،بعضهم يحاول ان يجد له طريقا للنهوض وسط الزحام الذي يوهمنا بأن هناك حركة تشكيلية فعلا بينما الواقع يقول أن لدينا "حرفيين" يجيدون التلوين.

 

 لوحة فنية ليس أساسها المعرفة هي تراجع في كل ما يقدم على انه فن رفيع.

2017-09-23