السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كلام في الإسلام السياسي (2)...كمال ازنيدر

نقصد بالإسلام السياسي، الجوانب السياسية من الديانة الإسلامية. إستطرادا، نستعمل هذا اللفظ للدلالة على تيار فكري سياسي يتكون من مجموعة من الحركات الإسلامية التي تصبو إلى أسلمة المجتمعات الغير مسلمة. الإسلامي إذن هو كل مسلم جعل من الإسلام الموجه الأساسي لنضاله وعمله السياسي. سياسي هو يرى أن الشريعة الإسلامية عليها أن تكون المصدر الرئيسي للقانون ويكافح من أجل أن تكون الدولة ذات طبيعة إسلامية.

من يقل "إسلامي"، يقل "رجل مسالم" أو "امرأة مسالمة". الإسلام السياسي قد يكون أي شيء إلا تيار لفكر إرهابي. هو نضال سلمي يصبو إلى فرض مثله بالحوار لا بالقوة. أما هاته الحركات الإرهابية التي تتسبب في اضطراب العالم ودماره والتي تدعي العمل باسم الإسلام فيستحيل أن تكون "إسلامية". هي في واقع الأمر مجرد هرطقات لم تحمل من الإسلام سوى الإسم. زعماؤها، أهل نفاق يكرهون الإسلام إلى أبعد حد. أهل دجل هم، يستغلون الأمية والجهل السائدين بالعالم الإسلامي لخدمة مخططاتهم السياسية وإشباع تعطشهم للسلطة والمال والجنس.

ظهور الإسلام السياسي

ظهر الإسلام السياسي مع محمد (صلى الله عليه وسلم). هذا الرجل كان رسولا وكذلك سياسيا تأسست على يده في القرن السابع الميلادي أول دولة إسلامية بالحجاز. نبي الإسلام (صلوات الله عليه وسلامه) هو إذن أول زعيم دولة عرفه تاريخ الإسلام السياسي. ثم بعده، جاء حكم الخلفاء الراشدين : أبو بكر، عمر، عثمان وعلي (رضي الله عنهم أجمعين). نهاية حكم رابع الخلفاء ترمز مع كامل الأسف لنهاية حكم الإسلام السياسي. هذا الحكم لم يدم إذن طويلا. هو لم يدم أكثر من 39 سنة، من سنة 622 ميلادية إلى سنة 661، ثم تم إقباره بواسطة معاوية بن أبي سفيان، مؤسس الإمبراطورية الأموية.

هاته الإمبراطورية تمخضت عنها أبشع البدع الفكرية والتحاريف الدينية التي عرفها تاريخ الديانات. في ظل حكمها، ظهرت العديد من الآحاديث المكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وكذلك الشأن بالنسبة للتفاسير المحرفة لكلام الخالق عز وجل. حكام هاته الإمبراطورية وجدوا في تحريف الآحاديث والتفاسير وسيلة لشرعنة خبث نزواتهم وشرور أهوائهم. بفضل هذا الزيف، نجحوا في إخضاع عالمهم لانحرافهم وثقافتهم الجاهلية.

مسلمون، على علم بهذا التحريف، قاموا باستنكاره. ثاروا ضد زور وظلم هؤلاء الحكام الفاسدين. لكن مصيرهم كان، ومع كامل الأسف، القتل الذي تم تبريره هو الآخر بآحاديث نسبت كذبا إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام). أما البقية، فمنهم من كانوا متفقين مع خروقات هاته الإمبراطورية ومنهم من كانوا متخوفين من النظام الحاكم. أعينهم، أقفلوها ولم يفعلوا شيئا لمحاربة ما عرفه زمانهم من فتنة. والفتنة التي لا يستنكرها أحد تكف عن كونها سلوكا مجتمعيا مرفوضا وتصبح مع الوقت عادة من عادات المجتمع.

الأجيال اللاحقة من المسلمين لم يصلها ما حدث خلال العصر الأموي "وأيضا العباسي". وجدت نفسها أمام مجموعة من الانحرافات والتسيبات فحسبتها عن جهل "قيما ومبادئ وممارسات إسلامية". في مجتمعاتها، أصبحت المبادئ الإسلامية الحقة تعتبر اجتماعيا كانحراف، وأصبح الانحراف ينظر إليه اجتماعيا على أنه مبدأ إسلامي. وبهذا انقلب الوضع بعالم الإسلام رأسا على عقب. هذا العالم تحول من عالم عادل إلى عالم ظالم. أصبح عالما همجيا يستبيح ويمارس كل الفظائع والقاذورات الإيديولوجية (الذكورية، العبودية، الاستعمار، السلطوية، الإرهاب، البيدوفيليا، إلى آخره).

التحريف هذا الذي عرفته الأحاديث والتفاسير والذي ابتدأ مع العهد الأموي صعب من عملية فهم الإسلام وتولد عنه ظلما وفسادا عظيما في الأرض. أساء لنبل الفكر الإسلامي ولطخ الصورة الجميلة لمحمد (عليه الصلاة والسلام). فجزء كبير من هاته المصادر يعطينا اليوم إنطباعا بأن الإسلام فكر يشرعن لجميع أشكال الظلم والجرائم ضد الإنسانية ويصور لنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في هيئة شخص كان يستبيح كل أشكال الأعمال البربرية والحيوانية.

واليوم، لتطهير الفكر الإسلامي من هاته الفظائع والأوساخ، أصبحت مراجعة الآحاديث والتفاسير أمرا حتميا. وهذا يقتضي طرح كل ما سبق وقاله أخصائيو هاته الديانة أو وصلوا إليه من فكر جانبا. كل القناعات والحقائق التي تتشكل منها نظرتنا للإسلام والتي مصدرها الإنسان، علينا إبعادها. هذا أمر ضروري لكي نجد أنفسنا فقط أمام مصدر الحقيقة وكل الأحكام الإسلامية، القرآن الكريم. وحده نور هذا الكتاب سيمكننا من التمييز بين ما هو إسلامي وما هو بدعة. النور هذا، وحده سيخول لنا إمكانية الحكم على أعمال العلماء ومصادقتهم على الآحاديث.

العملية هاته ستمكننا بالإضافة إلى هذا كله من التمييز بين "العلماء المسلمين الذين كانوا يهدفون إلى نصرة الإسلام" وبين "علماء النفاق والفقهاء الذين كان هدفهم تدمير هذا الدين واطفاء نوره". يقول الله عز وجل في كتاب أحكامه : "وقل جاء الحق وزهق الباطل. إن الباطل كان زهوقا" الآية 81 من سورة الإسراء. وفي موضع آخر من قرآنه الكريم يقول : "فماذا بعد الحق إلا الضلال" الآية 32 من سورة يونس.

يتبع...

2017-10-24