السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
موقف الصحافة المصرية من الصهيونية في الفترة الواقعة ما بين 1897 الى سنة 1917 ....تميم منصور

 كشفت الكثير من الدراسات عن أن الصحافة المصرية التي كانت تصدر في الفترة الواقعة ما بين 1897 ، وهو موعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول حتى عام 1917 ، موعد صدور وعد بلفور المشؤوم ، كانت هذه الصحف على علم واسع بوجود ونشاطات الحركة الصهيونية ، فقد كتبت اثنتان من الصحف المصرية اللتان كانتا تصدران في ذلك الوقت وهما صحيفة " المقطم " و " الأهرام " عن المؤتمرات الصهيونية التي كان يعقدها اليهود في أوروبا .

كتبت صحيفة " المقطم " عن المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ، في حين كتبت صحيفة " الأهرام " عن المؤتمر الصهيوني الثاني الذي عقد عام 1898 ، كما أمكن حصر مئات الأخبار وعشرات المقالات ، تناولت جميعها المسألة الخاصة بالخطر الصهيوني في فلسطين ، نشرتها الصحف المصرية خلال الفترة المذكورة .

يرى الكثيرون أن هذا الكم من الموضوعات المتعلقة بالخطر الصهيوني في فلسطين ، قليل جداً ، لأن الأحداث كانت متشابكة ، والصحف المصرية الصادرة في هذه الفترة كانت كثيرة ، نذكر منها – صحيفة المقطم ، الأهرام ، المؤيد ، الجريدة ، الأهالي ، واللواء .

من بين الأسباب التي تقف وراء شحة وتقاعس أقدام الصحف المصرية على تناول موضوع الحركة الصهيونية ، تعود إلى وجود طائفة يهودية في مصر ، كانت تسيطر على الاقتصاد المصري ، كما أن الاغنياء من أبناء هذه الطائفة كانوا يسيطرون على زوايا الاعلانات الصادرة في هذه الصحف ، هناك سبب آخر ، يعود الى ارتباط شخصيات يهودية بارزة في المجتمع المصري بالسلطة الحاكمة - المصرية البريطانية .

هذا وغيره مكن اليهود ، خاصة من انضم أو تعاطف منهم مع الحركة الصهيونية من الضغط على أصحاب الصحف ، وعلى عدد من الكتاب الذين كانوا يتعرضون لمناقشة الخطر الصهيوني على فلسطين .

و كان ما يزيد عن 25% من مساحة الصحف المصرية مخصصة لزوايا الاعلانات ، هذا بالإضافة الى الإعلانات المتناثرة داخل الصفحات الداخلية . هناك من يدعي ان النسبة التي احتلتها موضوعات خاصة بالصهيونية وخطرها على فلسطين معقولة ، على اعتبار أن هذه الصحف قد اهتمت بنشر وتغطية أخبار وقضايا خاصة بالدولة العثمانية .

بالإضافة الى اهتمامها بتغطية قضايا عالمية ومصرية ، وهناك من رأى أن عدم تناول الصحف المصرية الأخطار الناجمة عن الحركة الصهيونية التي تهدد فلسطين ، يعود الى ان هذه الحركة لم تفصح عن نواياها الحقيقية ، خاصة بعد ان طرحت خلال المؤتمرات الصهيونية المتلاحقة اسماء مناطق خارج فلسطين ، لاستيعاب اليهود مثل وادي العريش واوغندا .

لكن غالبية الباحثين أمثال الدكتورة سهام نصار في كتابها " موقف الصحافة المصرية من الصهيونية " و الكاتب ابراهيم دسوقي " وصوراً من الصحافة المصرية " ، جميعهم يؤكدون بأن الصحافة المصرية ، لم تكن بمعزل عما يدور في العالم ، في أوروبا بالذات ، خاصة بريطانيا وفرنسا ، وذلك للإفادة منها لصالح القضية المصرية ، ومما يؤكد ذلك ، تلك المساعي التي كان يبذلها الزعيم الوطني المصري ، مصطفى كامل في الدوائر الصحفية والاوروبية .

من بين النشاطات التي قام بها مصطفى كامل ، زيارة " هرتسل " زعيم الحركة الصهيونية مرتين ، كانت احداهما في عام 1897 ، قبل انعقاد مؤتمر بازل ، وقد طلب مصطفى كامل خلال هاتين الزيارتين المساعدة الصحفية من هرتسل ، لخدمة القضية المصرية ، لأن مصطفى كامل كان يدرك قوة نفوذ اليهود في الصحافة الأوروبية .

من بين المصادر الرئيسية التي استقت منها غالبية الصحافة المصرية معلوماتها الخارجية ، وكالتي " رويتر " و " هافاس " ، وهاتين الوكالتين كانتا ملكاً لليهود ، وقد عملتا على إبراز الحركة الصهيونية ، كحركة تحرر قومي ، وطني ، اجتماعي هدفه تخليص اليهود من الغبن الذي لحق بهم في أوروبا .

وفي كثير من الحالات اضطرت الصحف المصرية الى الاعتماد على هاتين الوكالتين في استقاء أنباء الحركة الصهيونية ، ونقل وجهة النظر الصهيونية الايجابية . هذا يعني ان هذه الصحف تورطت في خدمة الاهداف الصهيونية ، خاصة فيما يتعلق بمسألة اضطهاد اليهود في أوروبا ، كما دافعت هذه الصحف عن الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي الذي اتهم بالتجسس لالمانيا ويدعى " درايفوس " ، كما دافعت عن مسألة ملاحقة اليهود في أوروبا ، عن قصد أو بدون قصد ، هناك من أعتبر هذا الدفاع خدمة للفكر الصهيوني ، الذي رأى بفلسطين وطن الخلاص لليهود . كانت ردود الفعل لدى المصريين بعد نشر مثل هذه الأخبار في صحافتهم، خلق موجة من الاهتمام والتعاطف بين القراء ، خاصة فيما يخص قضية " درايفوس " حتى أن صحيفة " المؤيد " قامت بنشر وقائع جلسات محاكمته . اكثر من ذلك فإن الأخبار التي نشرتها صحيفتا " المقطم والمؤيد" عن الاعتداءات التي كانت تقع ضد اليهود في أوروبا ، فاقت ما نشرته هاتان الصحيفتان عن الحركة الصهيونية واطماعها في فلسطين ، وقد أدى ذلك الى وقوع هاتين الصحيفتين في مأزق ، ففي الوقت الذي كانت تنشر وتنقل المعلومات والأخبار عن المذابح ضد اليهود ، أصبح من الصعب عليها اتخاذ موقف معاد لهجرة اليهود إلى فلسطين ، لدوافع انسانية من ناحية ، ومن ناحية ثانية ، خشية اتهام هذه الصحف بمعاداة السامية ، في الوقت الذي أبرزت فيه الصحافة الأوروبية ووكالتي " رويتر " و " هافاس " أخبار اضطهاد اليهود ، جرى التعتيم على الانتشار السرطاني للاستيطان اليهودي في فلسطين ، كما جرى التعتيم على معاناة الفلسطينيين من جراء هجرة اليهود المتلاحقة تحت غطاء انتشار اللاسامية في اوروبا .

( يتبع )

2017-10-30