الجمعة 16/3/1446 هـ الموافق 20/09/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
م. زهير الشاعر يكتب: غزة اليوم قالت كلمتها، بأنها ستذل من يحاول أن يذله

في ساحة الكتيبة في مدينة غزة، تجمع عشرات آلاف المواطنين الغزيين لإحياء ذكرى الراحل ياسر عرفات ، وذلك وفاءاً منهم لذكراه كرمز وطني رسخت سيرته الوطنية في عقولهم وقلوبهم ،  رسخت سيرته في وجدانهم عشقاً وإيماناً برمزيته ، فهبت هذه الجماهير لتتحدث عن نفسها بوضوح وشموخ ، لتقول بأنها جماهير حية وبأن ذاكرتها نابضة بالحياة ولن تموت مهما تغول عليها الأشرار الذين أرهقوها طوال سنين عجاف، لأنهم أرادوا لها أن تكون دائماً جريحة ومغيبة.

غزة اليوم صدحت بصوتها العالي بأنها تمثل بوصلة الوحدة ، وبأنها ركيزة  الكرامة الوطنية ، لا بل هي شرعت سيفها في وجه من أرادوا أن يذلوها ، بعد أن ظنوا بأنها باتت جثة ميتة.

غزة اليوم خرجت جماهيرها بعشرات الآلاف موحدة بمعظم ألوانها،   وغير منقسمة بين الغالبية من أبنائها ، طاردة الأشرار والمنتفعين من بين صفوف أبنائها،  لتقول لهم بأن ذاكرتها غير مغيبة،  وبأنها لا تنسى الماضي بكل مآسيه وجراحه ، وبأن يوم الحساب قادم لا محالة لمن أراد أن يذلها.

رسالة قوية حملتها جماهير قطاع غزة التي تجمعت صباح الخميس  في ساحة الكتيبة بمناسبة إحياء ذكرى الراحل عرفات،  وبمناسبة التصالح والتعالي على الجراح ، لكل من جاءها متعالياً عليها أو عمل أو لا زال يعمل على كسرها وإذلال أبنائها، رسالة حملت في طياتها بأن جماهيرها حية وستجمعهم كرامتهم لا بل  هي قادرة على تلقين من يتغول عليها درس الحياة طال الزمن أم قصر ، ومهما علا شأنه.

نحن اليوم لا نتحدث عن جماهير لهذا أو ذاك ولكننا نتحدث عن مشاركة جماهيرية كثيفة وواسعة ومتعاونة وهادفة وملتفة حول الوحدة والشراكة، قالت رسالتها بأنها مصرة على صناعة الحياة وستلفظ كل من اراد قتلها أو تاجر بمعاناتها ، فكانت كبيرة في تجمعها الجماهيري الواسع.

لذلك عندما قال لي المضللين، بالأمس وهم الحالمين والمستوزرين من اللاعبين في الظلام على أوتار أوجاع وآلام وحرمان شعبهم ، بأنه لن يكون هناك سوى العشرات في مهرجان ساحة الكتيبة ، سخرت من ذلك حزناً عليهم واستخفافا بجهلهم ، ورحمة بانحدار وانحسار تفكيرهم.

قالوا ذلك من باب التمني وهم جالسون في مقاهي النميمة أو على فراش العز الموروث أو  وهم متكئين على كنبات الضيافة الفاخرة ، متناسين بذلك ما حل بشعبهم ، وذلك من حالة انكسار نتيجة سلوكيات فئة باغية يطبلون ويصفقون لها ويتراقصون على أنغام إملاءاتهم  الحالمة .

بالمقابل قال لي الرافضين لظلم غزة  وهم الذين باتوا الغالبية ، وهم أيضاً الطامحين بعزتها والراغبين بعودة هيبتها من جديد، بأن جماهير غزة ستخرج بعشرات الآلاف لتقول كلمتها ، وستتحدث عن نفسها وترسل رسالتها لمن يراقب أوضاعها، بأنها حية وقررت اختيار عناوينها، وأن كرم بعض المضللين من أبنائها الذين خرجوا كبضعة آلافٍ لاستقبال موكب حكومة الوفاق اثناء زيارتها  لغزة ، لم يكن  دعماً لهذه الحكومة ،  بقدر  ما  كان جهلاً بالحقيقة  أو أنه كان يمثل حالة انفعال عاطفي تشوقاً  لإعادة لحمة وطنية  ، أو لربما كانت تعبيراً عن حسن أخلاق ورغبة بالترفع عن الجراح،   لا بل  لربما كانت تحمل رسالة تعطش لحياة أمنة تحمل معها الأمل كباقي البشر ممن هم في حالة طبيعية.

نعم خرجت عشرات الآلاف في ساحة الكتيبة في مدينة غزة بمشاركات واسعة من كل أطياف أبنائها ومختلف فصائلها ، لتقول بأنها لم تعد منقسمة على نفسها وبأنها باتت مدركة لحجم الجريمة التي ارتكبت في حقهم وحق أبنائهم ، وبأن من يخرج عن مسيرة بنائها من المنتفعين الذين يسوقون لباطلٍ ستلفظهم اليوم  ولن تنتظر عليهم للغد.

هذه الجماهير الكبيرة شرعت سيفها في وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقول له بأنها لا ولن تنسى أفعال من أذل أطفالها وجوعهم وحرمهم من الدواء والعلاج ولا زال يمعن في إذلالهم ، وبأنها جماهير  حية لا زالت تتمتع بذاكرة  قوية وباتت تعرف من هو الذي حاصرها ومن هو الذي يساهم في رفع الحصار عنها.

هذه الجماهير قالت كلمتها لأولئك الذين يستعدون لإحياء الذكرى نفسها بعد غدٍ،  السبت،  وهم الذين باتوا يقاتلون اليوم من أجل الحفاظ على مصالحهم الذاتية من خلال العمل على تظليل الشارع والاستمرار بخداعه ، والذين كانت فترة أوجاع غزة تصب في زيادة ارصدتهم ولم تحركهم أوجاع النساء ولا آلام الأطفال  ولا أهات المرضى ولا حاجة المحرومين، لا بل انحنت هاماتهم وتزايد جبنهم ولم يجرؤ أحد منهم على قول كلمة حق أمام سلطان جائر

وكما ذهبوا مهللين يوم المؤتمر السابع لحركة فتح وعادوا بائسين منكسرين ، بعد أن كانوا شهود زور في إنقاذ مركب كان غارق ، فهم اليوم شعروا بحسرة الحضور الجماهيري الكثيف الذي عملوا كل ما في جهدهم لتشويه الحقيقة حوله قبل أن يتم وقبل أن تظهر صورته البهية التي شاهدناها، وباتوا يخشون بأن لا يحضر مهرجان السبت الذين يعملون على إحيائه ، سوى بضع عشرات أو لا يزيد عن بضع مئات أو آلاف عدة  كرد من أبناء غزة العزة في موقف لا يتسع للون الرمادي ويحتاج لقول كملة الفصل ، إما أن أن يصطفوا فيه إلى جانب من عملوا من أجل رفع الحصار عنهم وصناعة الأمل لهم وإما أن يصطفوا إلى جانب من تاجروا بآلامهم وأوجاعهم وكسروا أجمل ما فيهم لا بل حاصروهم وأذلوهم.

أهل غزة باتوا يعرفون أيضا أن المجتمع الدولي اليوم يراقب ويشاهد الحقيقة بدون رتوش وبات يسجل ملاحظاته ليدعم الشرعية المستقبلية للشعب الفلسطيني ، وبات يعرف يقيناً بأن صناديق الاقتراع ستلفظ الرئيس محمود عباس من المشهد الفلسطيني وستأتي برجالٍ قادرين على صناعة الأمل وصناعة السلام .

لذلك على جماهير غزة أن تقرر يوم السبت كيف سيكون المشهد ، وأن ترسل رسالة قوية وواضحة بأنها لن تشارك في مسرحية بكاء وهمية ، ولن تساند  رئيس لم يقبل بزيارتها حتى اللحظة ، ولن تقف إلى جانب رئيس أراد إذلال أبنائها وتجويعهم وحرمانهم من حقهم الطبيعي بمستقبل آمن.

إن من يدعون للرقص والهتاف يوم السبت هم أقلية منتفعة وعليهم مراجعة أنفسهم بدلاً من تحشيد الشارع بطريقة مضللة ، وعليهم الانضمام للمركب الوحدوي الذي بات يمثل حالة صمام  الآمان للمستقبل الفلسطيني وذلك قبل فوات الآوان.

هذه هي الحقيقة كاملة التي تتلخص ، في أن غزة قالت كلمتها اليوم بأنها ستذل من أراد أن يذلها وسترفع الغطاء عن من تاجر بألآمها وأوجاعها ولن تسمح للمتاجرين والمنتفعين بالنجاح على حساب آلامهم وأوجاعهم ولن تمنحهم مثل هذه الفرصة من جديد!.

كاتب ومحلل سياسي

[email protected]

2017-11-09