الجمعة 21/10/1444 هـ الموافق 12/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
غزل البنات -عبد الهادي شلا

 "غــَزَل البَنات" هو فيلم سينمائي مصري مدته مائة وعشر دقائق ،كتب قصته والسيناريو الفنان "أنور وجدي"،وكتب الحوار كل من الفنانين الكبيرين"نجيب الريحاني " و "بديع خيري" وعُرِضَ لأول مرة في العام 1949. ترتيب هذا الفيلم التاسع من أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية،المحزن أن هذا الفيلم كان أخر أعمال الفنان نجيب الريحاني حيث توفى بعد إكتمال العمل فيه والمحزن أكثر أنه لم يشهد عرضه فقد توفى قبل ذلك. قصة الفيلم جمعت الومانسية بالكوميديا من خلال حوارات هادفة بقصة جميلة قلما نجد مثلها في عصرنا الحالي ليس لفقر في أدوات السينما أو الفنانين والأمكانيات وإنما لطبيعة الحياة التي نعيشها وتعامل الجيل الجديد من المخرجين مع القصة الرومانسية التي خرجت عن عفافها ورسالتها ضمن منظومة القيم الإجتماعية التي تميز مجتمعاتنا العربية. في قمة المجد الكبيرللفنان نجيب الريحاني كان لابد أن يظهر فليما بهذا المستوى من الجمال في كل مقوماته،يوم إلتقى بالفنانة ليلى مراد التي تقطن معه في أشهر عمارة في القاهرة "عمارة الأيموبيليا" في إنتظار المصعد ذلك الوقت التي كان يعيش فيها عدد من الفنانين،كانت الصدفة قد لعبت دورا في صناعة هذا الفيلم حين سألته:متى سنعمل فيلما معا أستاذ نجيب؟ أجابها :بأن القصة حاضرة،لم تصدق ما سمعت وطارت إلى زوجها أنور وجدي لتنقل له الخبر حول ما كانا يناقشانه منذ أيام للعمل مع نجيب الريحاني. لماذا نكتب كل هذه التفاصيل عن فيلم عرض للجمهور منذ ثماني وستين عاما؟ نكتب لأن فيه قيم فنية عالية،ولنلفت النظر أن الفنان مهما كبر أو صغر حجم الدورالذي يقوم به سيبقى خالدا إن كان أداؤه مميزا وضمن سياق الفكرة والهدف السامي من الفيلم أو العمل الفني بشكل عام. نكتب لنلفت النظر بأن هذا الفيلم ضم حشد من أكبر وأشهر فناني مصر والعالم العربي في حينه،بالآضافة إلى نجيب الريحاني وليلى مراد كان هناك كل في دورة الصحيح وتوقيته السليم: عميد المسرح يوسف وهبي و الموسيقارمحمد عبد الوهاب الذي غنى"عاشق الروح"،وكان سليمان نجيب وعبد الوارث عسر ومحمود المليجي وفريد شوقي و سعيد أبو بكر وزينات صدقي،و"الطفلة" نبيلة السيد و استيفان روستي ولا نتصور أن فيلما له هذه القصة دون المربية في بيوت الذوات والباشوات ذلك الوقت فكانت فردوس محمد .

المدقق في اللقطة التي غنت فيها ليلى مراد أغنية "إتمختري يا خيل" سيجد ضمن الكومبارس الفنانة هند رستم وكذلك الفنانة دليدا في لقطة أخرى. يقول الموسيقار محمد عبد الوهاب عن دموع نجيب الريحاني في المشهد الذي غنى فيه"عاشق الروح" أن دموع الريحاني كانت حقيقية،فقد طلب من المخرج أن يتركه بعض دقائق فجلس في ركن بعيد يستحضر المشهد وعاد يطلب التصوير..وحين سأله عبد الوهاب عن السبب الذي لم يجعله يطلب مساعدة بوضع مواد معينه لتصنع الدموع ،أجابه: عندي من الآلام والأحزان ما يغرق بلد..!!

نكتب عن عمل فني مثل هذا بعد كل هذه السنين يشهد كل من شاهده بأنه مازال يحتفط بألقه ورسالته النبيلة في رسم صورة الحياة الجميلة في الزمن الجميل ويرسل رسالة تذيب الطبقية في زمن الأسياد والعبيد،فيلما خال من الحروب والنكسات والعصبيات التي تجر الإنسان إلى حيث لم يرغب ؟!.

ليس من الصعب علينا اليوم أن نقارن بين ما كان وبين ما تحت أيدينا،فقد تعلم المشاهد خلال الأعوام الطويلة منذ تألق صناعة السينما كيف يميز بين الأعمال الفنية الكبيرة في رسالتها وأهدافها وبين الهابط "التجاري" رغم إنجراف الكثير من الفنانين نحوها لتحقيق شهرة زائفة أو مادة زائلة، وأن فيلم البطل الأوحد لا يحقق النجاح إلا في حالات إستثنائية،وهذا ما يحدث في عالم السينما اليوم. بالرجوع على عجل إلى تاريخ معظم من ذكرنا من الفنانين في فيلم "غزل البنات" نجد أنهم حققوا ثروات طائلة من وراء أعمال خالدة،ولكنهم ماتوا فقراء بل معدمين لأنهم أنفقوا كل ما يملكون على فنهم ليبقى خالدا.

2017-11-10