الإثنين 2/5/1446 هـ الموافق 04/11/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لا تخشى العالم الإفتراضي !!...عبد الهادي شلا

 نسمع الكثير من الجدل في العلن وعبر وسائل الإعلام، عن مخاوف من إستخدام التقنيات الحديثة التي يصفها البعض بأنها قنابل موقوته تحمل في أحشائها ما يمكنه أن يدمر أخلاقيات المجتمعات السوية،أو أنها صناديق غريبة فيها من كل شيء ونقيضه، كما يرى هؤلاء!

 

الغريب أن الذين يثيرون هذا الموضوع يتحدثون عن مشكلة تتفاقم كما يتصورون دون التدقيق والإعتراف صراحة دون توجس بأن هذه التقنيات أصبحت جزء من الحياة العصرية اليومية ولا فكاك من التعامل معها وإلا تأخر المجتمع عن ركب الحياة في باقي بقاع الأرض.

 

النظرة الضيقة للأدوات التقنية الحديثة وخاصة مواقع التواصل الإجتماعي وما يثار حولها تجعل الكثيرين في حيرة من أمرهم،فهم يريدون أن يبقوا على تواصل مع كل أبواب المعرفة وتكوين صداقات يظنون ان من ورائها فوائد شخصية وعامة،وبين ما يثار من مخاوف مما يظن الأخرون أنه إستدراج لكشف الخصوصية والأسرار الشخصية عبر هذه المواقع التي يـَرِدُها ملايين المتابعين كل بشكل مختلف وبمفهوم مختلف إيضا.

 

مجتمعاتنا العربية في أغلبها لا تقبل الجديد بيسر وسهولة إلا في أضيق الحالات،بل نجد الإحجام والرفض يسبق فهم طبيعة الجديد ذلك أن الشك والتشكيك و أشياء أخرى من رواسب الماضي تسبق الثقة والرغبة في الإكتشاف.

 

طــَلب مذيع إحدى الفضائيات بضرورة عدم التوسع في إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي مثل الــ fakebook  و Tweeter  وغيرها كذلك من الأجهزة الذكية ،ظنا منه أن أصحاب هذه المواقع وهم الذين يملكون مفاتيح شفراتها يمكنهم الإطلاع على كل ما ينشر فيها وبإمكانهم التجسس على حياة الفرد الخاصة ، وهذا معروف للجميع ولكن في أضيق الحالات حين تتوجس الدول من بعض ما يجري في السر مما ينعكس بالشرعليها وعلى أمنها،لكنه ليس مع الملايين الذين يردون هذه المواقع بل في أضيق الحدود التي تستلزم ذلك و أن سرية التعامل عبر هذه المواقع مكفولة بالقانون ولا يمكن كشفها دون الشروط المتعاهد عليها والتي وافق عليها المشترك في هذه المواقع.

 

والمذيع لم يهمل الدورالإيجابي لهذه المواقع بما تقدمه من معلومات وتيسير في التواصل بين المتابعين في كل أرجاء المعمورة،لكنه أثار الشكوك في النفوس، وكأنه يدعو إلى الإنفصال عن العالم التقني..

 

هذه التقنيات والأدوات التي " إقتحمت " كل بيت و هي متاحة للصغير والكبير هي لغة عصر وأدواته وأن القادم منها أكبر وأوسع وأشمل مما يتصوره العقل اليوم ،وهذا حال الأجيال السابقة مع كل مستجد ، فلم يخطر ببالها أن يوما ما سيأتي ويتمكن الفرد أن يرسل رسالة نصية أو صورة بمجرد الضغط على مفتاح صغير قد يكون في ساعة اليد أو الهاتف إلى شخص في أقصى المعمورة.

 

مثل ما حدث منذ أكثر من نصف قرن حين دخل التلفزيون حياتنا فقد سمعنا الكثير من الحكايات المضحكة والغريبة،و من ناحية أخرى ظن البعض أنه سيقضي على صناعة السينما ،ولكن هذا لم يحدث لأن بين التلفزيون والسينما عوامل مشتركة وأساسية لا يمكن لأي منهما أن ينفرد بعيدا كثيرا عن الآخر بل مكملا له، وبقيت السينما متوجة بجانب التلفزيون.

 

إذا لا داعي للتوجس والخوف من تبعات أدوات العصر والمستقبل،وأن توجيهها الوجهة السليمة يبقى في يد وقدرة الذين يتعاملون معها وهم الذين يمكنهم الإستفادة منها وتطويعها لخدمتهم ومنفعتهم،وهم الأقدر على تجاوز المطبات الكثيرة فيما هو متاح ، ونعرف أنه غير مُجدٍ ولا نافع.

 

سيبقى هذا العالم الإفتراضي متاح للجميع ويلجه كل أنواع البشر،و المستفيدون منه سلبا ليسوا إستثناء.!!

2017-11-25