الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
يوما مع 'نوم الغزلان'....زاهد عزت حرش

 

 منذ آذار الماضي وحتى عصر يوم امس لم يستحوذني كتابًا نابضًا بالحياة كما استحوذني هذا الكتاب، فبعد كتاب "شهادات على القرن الفلسطيني الاول" للكاتب الرفيق الياس نصرالله الذي داهمني على حين غرة، وسكب امام مخيلتي من بين اوارقه ذاكرة شعب ووميض حقيقة استمرار النضال، منطلقاً من هذا الوطن ليجوب بعضًا من ارجاء الدنيا، لم يتسنى لي ان اعيش متعة القراءة مع كتاب آخر، الى ان حضر صديقي ورفيق العمر ابو السعيد اسكندر خوري، يحمل لي كتاب "نوم الغزلان" للكاتب الاديب محمد علي طه، كما حمل اليّ فيما سبق كتاب الرفيق الياس نصرالله.. وانا ببيتي قابع في سريري منذ اكثر من شهر، بسبب مشكلة صحية تعيق الحركة عليّ، لكنها دون وجع ودون ألم، مما اتاح لي فرصة الرسم بالقلم الضوئي على الحاسوب بطرقة الرسم الرقمي الحديث، وانا مستلق على جانبي، وقد انجزت خلاله ما يزيد عن عشرون لوحة بمقايس وتقنيات مختلفة.

        قلت جاءك كتاب، فسترح قليلاً من الرسم وترك مجالاً لما يمكن ان يأتي بعد الكتاب، ومن خلال صفحاته الاولى بدأ يشدني ويحثني على الاستمرار في القراءة صفحة تلو أخرى، فحين يستحوذني كتاب على ما فيه من سرد وقيمة ادبية وانسانية راقية، فانه يأبى ان يتركني حتى اجهز عليه، وهكذا كان الأمر مع كتاب "نوم الغزلان"، فقد بدأت بقراءته مساء أمس وعدت اليه في صباح اليوم حتى انتهيت منه بوقت قليل، كنت انتقل وانا اتخيل نبات الحقول واصوات الطيور وخرير ينابيع الماء تأنس مع حفيف الريح باوراق الاشجار من بساتين الجليل.. وهذا "الضالع بالهجرات" قصرًا، عن ثرى ميعار وما حولها.. يحث الخطى ويعود بعد صفحة وأخرى ليتغنى بهم، ويُذكر القلب بأهات الرحيل وضياع ايام طفولة التي شردتها آلية الحرب الصهيونية، منذ اول دفاتره واقلامه وطابته الملونة، الى ان اصبحت خطاه وكتاباته من هذه المنمنمات الصغيرة التشكيل، سجادة منقوشة بأحرف ورموز فلسطينية تروي للزمن قصة المكان الذي لا ولن يغيب، قصة هذا الوطن "الذي ليس لنا من وطن سواه".

        هنا يستطيع المرء بحق وحقيقة ان يعيش تجربة الكاتب ومأساته وانتصاره على الزمن وعلى الاعداء، ولو بعد حين، هنا يستطيع المبحر في رحاب الكلمات ان يستجلي ما كان وما يستوجب ان يكون في الآتي والقادم من الايام، فيشتد صموده وآماله في ان لا بد لهذا الليل من آخر، ولا بد لهذا القيد ان ينكسر. يَسندكَ بذاكرة الجرح النازف ويعضدك بالإيمان بأنه لا زال هناك بصيص من النور في النفق الاخير.. لتبقى على ما انت فيه من أمل، اذا ما تضعضع او اصابه النعاس،  من جراء ما تمر به حياتنا من قسوة ورذالة وحثالة غبار ينتشر في كل مكان.

        وتذكرت وتذكرت قصصًا عن ميعار وعن اهلها الطيبين من خلال معرفتي لعائلات سكنت بحي الفوار الذي اقطن فيه، وكان من بينهم زملاء على مقاعد الدراسة واساتذة وعمال وتجار. وخاصة من خلال روايته عن عوض الزامل الذي هرب حماره عائد الى القرية، حين خاطبه قالاً له "ما كنت أعرف أنك عميل" وعندما التقى به الكاتب مرة ثانية على الجدار.. قال عوض " يبدو انني كنت انا الحمار" ويقصد بذلك لانه لم يبقة في ارض وطنه.

        حين تقراء كتاباً فلسطيناً عن الارض، المكان،الزمان والانسان، يعتمر صدرك بالثقة بالنفس وتعتريك نشوة تُعمق فيكَ الايمان بان شعب له مثل هؤلاء لا  ولن يموت.

        شكرًا صديقي العزيز ابا السعيد على هديتك المذيلة بخط وتوقيع الكاتب الفذ محمد علي طه.. وشكرًا لصِدقك ابا علي، صدقكَ المشفوع بالحقيقة في رواية اثملتَ رحابها بحيثيات سيرة ومسيرة لما تبقى من الزمن القادم في صراعنا مع الوجود.

        استاذ محمد، في النهاية، اسمح لي بملاحظة بسيطة بعد إذنك، اعتقد ان غلاف الكتاب لا يتناسب وقيمته الادبية والفنية، وانه كان بالامكان ان يتم تصميمه بشكل اجمل يتوافق مع فحواه ومستواه.

 

مع تحيات

زاهد عزت حرش

شفاعمرو 26.11.17

 

 

2017-11-28