الثلاثاء 7/10/1445 هـ الموافق 16/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الشعوب العربية قلاعٌ حصينة في مواجهة التطبيع...جبريل عوده

 يتم الترويج في الإعلام الصهيوني مؤخراً , عما يُعتقد بأنه إختراقاً صهيونياً , في ميدان التطبيع مع الدول العربية وخاصة دول الخليج , وتزداد تصريحات قادة الإحتلال ووزرائه حول ما يطلق عليه التحالف مع الدول السنية في مواجهة خطر إيران , ويتناغم مع هذه الأخبار التي تعج بها الصحافة الصهيونية , بعض من منتسبي التيار الليبرالي العربي , والذي يعيش في حالة تضاد ونزاع مع مجتمعه المحلي , فلا يجد له مكان للظهور الا التساوق مع أكذوبة التعايش والسلام مع القتلة والمحتلين , ولا عجب أن تراهم يتسابقون من أجل إجراء المقابلات الصحفية مع الإعلام الصهيوني , وكما تساهم بعض وسائل الإعلام العربية من صحف وفضائيات , في الترويج لهذه الأفكار الشاذة والغريبة عن المكون الثقافي والديني والتاريخي للمجتمعات العربية ,وتحاول جاهدة تصوير الكيان الصهيوني كواحة للديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة , وهي ذات الرواية الصهيوغربية  , ولا تخجل وسائل الإعلام تلك من المساهمة في زرع المغالطات التاريخية , بأن لليهود حق العيش في فلسطين , ومعلوماً أن هؤلاء لا يكون تحركهم بعيداً عن السلطة السياسية العربية الرسمية , حيث تشكل لهم الغطاء والحماية للترويج لتلك الأفكار الهدامة لثوابت الأمة الراسخة , فالأنظمة العربية الرسمية أعلنت قبولها بوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين , وأبدت إستعدادها للإعتراف بشرعيته ,وفقاً لمبادرة العربية للسلام التي رفضتها الحكومات الصهيونية المتعاقبة .

 

يحاول مروجي التطبيع مع الكيان الصهيوني في الأوساط العربية , ربط حالة الإنتكاسة الشاملة في الحياة العامة بالدول العربية لملف الصراع مع العدو الصهيوني , وكأن  التنمية في مجالات الصحة والتعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي , يؤخرها إنشغال الدول العربية وإستهلاك أموالها في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني في مقاومة الإحتلال , وهذا منافي للحقيقة ولا شك في ذلك , والقول به من هرطقات الإعلاميين والسياسيين التابعين للدوائر المخابراتية العربية , في محاولة تبرير فساد الأنظمة وفشلها في إدارة الشأن العام , وتأخر النهضة العربية في كافة المجالات , كما يأتي في إطار تمرير الهرولة الرسمية للإنظمة العربية , نحو التطبيع والتسوية مع العدو الصهيوني , كأحد متطلبات الرضى الأمريكي , ومحطة مهمة لمواصلة الدعم العسكري الأمريكي للأنظمة العربية , وبالتالي المحافظة على كراسي الحكم وتوارثه للأبناء حتى في الأنظمة الجمهورية , حيث أن  إستمرار بقاء الأنظمة العربية القمعية عاملاً مهماً في إستقرار الكيان الصهيوني , ومواصلة إحتلاله لفلسطين والسيطرة على مقدراتها وتهويد مقدساتها .

لقد شكلت الشعوب العربية حاجزاً صلباً في مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني , وأفشلت الجماهير العربية بوعيها وإدراكها لحقيقة الصراع مع العدو الصهيوني , أن لا يمكن القبول به ولا يمكن الإعتراف بدولته , وأن الكيان الصهيوني هو بمثابة العدو المركزي لكل عربي ومسلم, وهذه التأصيل هو الراسخ في وجدان الأمة وأجيالها , لا يمكن أن يزعزعة إعلام السلطة الحاكمة أو هرولة الحاكم لمصافحة القادة الصهاينة , فلم تتلقى الشعوب العربية إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني الا بالإشمئزاز والرفض ولولا القمع والسلطة البوليسية لخرجت الجماهير ثائرة , ضد هذا الحاكم وأسقطته ومشروعه التطبيعي ثأراً لفلسطين  التي تشكل قضية الأمة المركزية , وعنوانها الأول نحو الخلاص من التبعية للأجنبي , وإنهاء الإحتلال الغير مباشر لعواصم العرب.

لقد إستمرت إتفاقية " كامب ديفيد " بين النظام المصري والكيان الصهيوني لأكثر من تسع وثلاثون عاماً ,تم خلالها إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء والزيارات الرسمية , كان ذلك كله في واد السلطة الرسمية والشعب المصري في واد آخر, يعلن مقاطعته للكيان الصهيوني ورفضه للتطبيع مع العدو الذي إرتكب المجازر بحق المصريين , في بحر البقر وسيناء والسويس وغيرها من المدن المصرية , وهناك كثير من الحوادث التي تؤكد عراقة الشعب المصري وإلتزامه بالموقف الثابت لجماهير الأمة , التي ترفض  القبول بالكيان الصهيوني أو التطبيع معه , وكذلك إتفاقية " وادي عربة" التي أبرمها الملك الأردني الراحل منذ ثلاثة وعشرون عاما , وما أعقب ذلك من إقامة علاقات دبلوماسية بين الأردن والكيان الصهيوني , تم ذلك وسط الرفض الشعبي الأردني العارم  , الذي إمتنع عن التعاطي مع تفاعلات الإتفاقية , ووقف الشعب الأردني حائط الصد المنيع من الإختراق الصهيوني للمجتمع الأردني ,  مما جعل السفير الصهيوني في عمان محاصر في سفارته , لا يستطيع الإندماج في الحياة السياسية الأردنية ,  فلا لقاءات مع سياسيين أو نقابات أو وسائل إعلام , ولا يستطيع السفير الصهيوني المشاركة في مهرجانات أو ندوات كما باقي السفراء , وتنظم الجماهير الأردنية بشكل متتابع , وقفات ومسيرات وندوات تندد بالتطبيع مع الكيان الصهيوني , وترفض التبادل التجاري أو التعاون الإقتصادي, والذي كان معولاً عليه في تنفيذ الإختراق الصهيوني للتطبيع مع المجتمع الأردني , عبر توفير فرص للعمل في المصانع الصهيونية , التي أقيمت على الأرض الأردنية , حيث تحقق في هذا الأمر الهدف السياسي بالإختراق التطبيعي , والهدف التجاري بتوفير أيدي عاملة رخيصة الأجر , يستفيد منها الإقتصاد الصهيوني الذي يذهب مُعظم ريعه إلى موازنة الجيش الصهيوني .

لقد سقط خيار التسوية مع العدو الصهيوني , برفض الجماهير العربية التطبيع مع الكيان الصهيوني ,وأن إلتزام الشعوب العربية بدعم ومساندة قضية فلسطين ثابت وراسخ , ولا تؤثر فيه آلات الإعلام المضللة ومنصات بيع الوهم والكذب , ليرسخ للجميع بأن الشعوب العربية والإسلامية , محصنة من التطبيع رافضة له تحت أي مبررات ودواعي زائفة , ولا يمكن أن يمر مشروع التطبيع مهما مُورست من الدعايات والإعلانات الترويجية عن التسامح والمحبة والسلام , ولازالت فلسطين المحتلة بجرحها النازف , وقدسها التي تُهود , وأقصاها الذي يُدنس, وهل تنسى الشعوب العربية مجازر الصهاينة الدموية في كل بلد عربي ؟ , وهل تغفل جماهير الأمة العربية عن المطامع الصهيونية , بإقامة كيانهم المزعوم من الفرات إلى النيل ؟ ,وإستجابة لهذه القناعات  يأتي دور الهيئات والمؤسسات والروابط الرافضة للتطبيع المحذرة منه وتعلي صوتها في كل المحافل , عبر نشاطاتها في أوساط الجماهير في كافة العواصم العربية والإسلامية , ويظهر دور الأحزاب والشخصيات العربية الوطنية , التي تلقى قبولاً وتأييداً واسعاً في أوساط شعوبها , لتحذر من خطورة الإختراق الصهيوني للمجتمعات العربية وأثاره السلبية والمدمرة على وحدة الأمة ومشروعها الحضاري .

لا يمكن أن نغفل الأثر السلبي الذي أحدثه ولوج منظمة التحرير إلى سرداب التسوية المظلم مع الكيان الصهيوني , مما أدى إلى زعزعة إنتماء بعض العرب إلى القضية الفلسطينية , فإذا صاحب الدار قد قبل باللص أن يتملك داره  , فماذا على جاره أن يفعل بعد هذا التنازل الخطير, وهذا الثغرة في جدار القضية الفلسطينية يستغلها أدعياء التطبيع وعرابي التسوية مع العدو الصهيوني , الا أن الحقيقة تقول بأن الشعب الفلسطيني لازال يمسك بحقوقه كاملة ويصمد في مواجهة الهجمة التهويدية , ويقاوم بكل ما يملك من وسائل في سبيل إسترجاع حقوقه كاملة , وأن القوى الحية فلسطينياً ترفض الإعتراف بكيان العدو الصهيوني , وتحرص على عدم منحه شرعية الإحتلال , رغم كثيراً من الضغوطات ومزيداً من الحصار والعدوان.

ومن أجل محاصرة المشروع الصهيوني ,وإفشال مخططات التطبيع مع العدو الصهيوني , يجب أن نعيد للقضية الفلسطينية إعتبارها , ولن يكون ذلك الا عبر تصعيد المقاومة والتمسك بفلسطين من بحرها إلى نهرها , ومن المؤكد بأن إلتزامنا بقضيتنا وتمسكنا بحقنا بلا تفريط أو تنازل نصنع سداً منيعاً في مواجهة سياسات التطبيع ومحاولات دمج الكيان الصهيوني في المنطقة, وسحب الإعتراف الآثم بـ " إسرائيل" التي تقدمت منظمة التحرير في فترة الضعف والتراجع العربي بعد حرب الخليج الأولى , فالشعب الفلسطيني لم يستشار بهذا القرار المخزي , ولم يطلب رأيه في المصافحات مع قتلة شعبنا الفلسطيني , الذين تلطخت أيديهم ووجوههم , بدماء الأبرياء الفلسطينيين في المجازر التي مهدت إلى قيام دولة الكيان الصهيوني  .

كاتب وباحث فلسطيني

29-11-2017م

 

2017-11-29