الأحد 1/11/1444 هـ الموافق 21/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رائحة كريهة في قوانين حرية التعبير الاميركية/ سعيد الشيخ

تصر الادارة الاميركية على رأيها في ان فيلم "براءة المسلمين" المسئ للاسلام يدخل في باب حرية التعبير المكفول بأحكام القانون. وترى ان لا جنحة يتحمل مسؤوليتها العاملون على انتاج الفيلم... تصر على ذلك ولا تفكر في سحب الفيلم أو منعه بالرغم من عشرات الضحايا الذين ما يزالون يتساقطون على أعتاب  او في قلب سفاراتها في العواصم والمدن العربية احتجاجا على المضمون سئ النية تجاه النبيّ محمد(صلعم). بما يلحق الاذى بمشاعر مليار ونصف من المسلمين في كافة دول العالم.
فيلم مثير للاشمئزاز، تقول وزيرة الخارجية الاميركية التي برأت بلادها من الفيلم... والمتابع سيلحظ انها براءة غير خالصة وتشوبها لغة العجرفة إياها المتبعة في كل السياسات الاميركية التي لا تريد ان تنثني او تتراجع أو تعتذر ولو اغرقت العالم بالفوضى والحرائق والعنف.
فيلم لا مجال فيه للابداع، وفيه من الانحطاط ما يطفح لارساله الى مزبلة الفن  والافكار، خاصة تلك المبنية على النية السيئة والكراهية..فكيف لحرية الرأي ان تتبنى الانحطاط في مجتمع يدعي انه الاول في الحضارة؟ وهل الاخلاص لحرية الرأي يتضمنه تبني الانحطاط بما يلوث الاخلاق ويحط من كرامة الاخرين، أم ان القيم الاميركية اصلا لا تعرف ما هي الاخلاق ولا ماهية الكرامة؟ ان شجب الفيلم من قبل الادارة الاميركية لا يعفيها من المسؤولية الاخلاقية تجاهه.
ولو كانت الحضارة الاميركية الحديثة تملك ذرة من الذوق السليم وتقيم للقيم الاخلاقية وزنا وللتسامح قيمة، لغضبت على فحوى الفيلم وانتصرت للغضب الاسلامي وذلك دفاعا عن قيم التسامح وترسيخا لمبدأ محاربة الكراهية. ولكن امريكا تتبنى الفيلم دون ان تعلن عن ذلك عبر دفاعها عن حرية الرأي ولو تضمنت هذه الحرية سفاهة تضر بالآخرين...ومن أولى من امريكا الاولى بكل شئ من ان تكون الاولى ايضا في احتضان السفاهة وانتاجها.  
ليست امريكا وحدها بل معها قارة اوروبا بأسرها تسن القوانين الصارمة والمانعة للآراء المناقضة للرواية الصهيونية فيما يتعلق بمحارق اليهود على يد النازية الالمانية. ان مجرد التشكيك بمبالغات الرواية كفيلة لارسال صاحب التشكيك الى المحاكم والحكم عليه بأشد العقوبات. كما ان انتقاد اليهود بشكل عام يودي بصاحب الانتقاد الى المحاكمة بتهمة معاداة السامية.
اين تكون قوانين حرية الرأي والتعبيرالاميركية والاوروبية امام هذه القضايا التي جعلت واستغلت كغطاء على جرائم دولة اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.. تفوح رائحة كريهة على مستوى الكون جراء تطبيق هذه القوانين بتمييز عنصري.
تستطيع الادارة الاميركية ايقاف نشر الفيلم لو ارادت بزعم ان الفيلم يشيع الكراهية ويثير القلاقل بما يهدد الامن القومي. وحسب شروط التحضر يتوجب على هذه الادارة الاعتذار لمليار ونصف المليار انسان مسلم كي تنطوي هذه الصفحة السوداء في الثقافة الاميركية..
ولكن عقلية رعاة البقر قد ذهبت في اتجاه آخر عندما صادق الرئيس اوباما على ارسال مئات من عناصر "المارينز" المدججين لحماية السفارات الاميركية من غضب الجماهير العربية والاسلامية التي اساءها تهجم الفيلم على ديانتهم ومعتقداتهم. وبوقاحة معهودة في السياسة الاميركية طالبت وزيرة الخارجية الحكومات العربية التصدي لما اسمته "استبداد الرعاع" هؤلاء الذين كانوا والى اليوم بنظر امريكا جزءا من ثوار "الربيع العربي" الذي دعمته امريكا ضد الاستبداد السلطوي.
لا يبدو ان الادارة الاميركية تسعى الى تسوية القضية بما يحفظ كرامة المسلمين المصدومين والمجروحين، بل ان معالجتها للقضية تبدو انها ذاهبة الى التصعيد عبر فرض الامر الواقع، وقولبة الشرق الاوسط بما يتناسب مع ثقافتها ومصالحها الاقتصادية وترسيخها، ولو أدى هذا السبيل الى استعمال القوة كالعادة في مسلسل الفيلم الاميركي الطويل..
*كاتب فلسطيني

2012-09-15