الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
البنك الدولي يُحذِّر من أزمة مالية فلسطينية متفاقمة ويؤكد على جاهزية مؤسسات الدولة

رام الله-الوسط اليوم

حذر البنك الدولي من تفاقم الأزمة المالية العامة في الأراضي الفلسطينية، داعيا المانحين إلى سرعة التحرك لمواجهة هذه الأوضاع، في وقت رحب فيه بجهود السلطة الفلسطينية في بناء المؤسسات قائلا إنّ التقييم المؤسّسي الذي أُجري قبل عام مضى ما يزال صالحاً للتطبيق في الوقت الحاضر.

وأكد في تقرير ينشره اليوم الأربعاء على أن استثمارات القطاع الخاص القوية وحدها هي التي ستدفع النمو المستدام إلى الأمام، مبينا أن كثرة القيود المادية والإدارية والأمنية تشكل عائقا أمام القطاع الخاص في الوقت الراهن. ويُعتبر تيسير وصول الفلسطينيين إلى المنطقة (ج) بالضفة الغربية عاملا رئيسيا لإطلاق العنان لبعض الفرص التي يتيحها القطاع الخاص.

وجاء التقرير تحت عنوان أَزَمَةُ الماليةُ العامةُ، الآفاقٌ الاقتصاديةٌ :الحاجةُ المُلِحَّةُ إلى التّرابط الاقتصادي بين المناطق الفلسطينية، والذي ُيسلِّط التقرير الضوء على الموارد غير المستغلة بالضفة الغربية بوصفها مصدرا محتملا لنمو القطاع الخاص، الذي تمس الحاجة إليه بوجه خاص في ضوء تباطؤ الاقتصاد، وتناقص معونات المانحين، وقلة المؤشرات الإيجابية في البيئة السياسية الأوسع.

وسيقدم البنك الدولي تقريره إلى لجنة الارتباط الخاصة، وهي منتدى لمانحي المعونات للسلطة الفلسطينية، التي من المقرَّر أن تجتمع في نيويورك في 23 أيلول الجاري.

ويأتي اجتماع لجنة الارتباط الخاصة في وقت أخذت تتفاقمُ فيه أزمة المالية العامة للسلطة الفلسطينية، بالتّزامن مع ظهور علامات مثيرة للقلق تدلُّ على تباطؤ وتيرة النّمو الاقتصادي، وتَقلّص دعم المانحين للسلطة، وتوافر آفاق إيجابية ضئيلة على صعيد البيئة السياسية الأوسع نطاقاً.

وتبذلُ السلطة الفلسطينية جهوداً جديرةً بالثّقة بها وتهدف إلى معالجة أزمة المالية العامة والاستمرار في بناء المؤسسات.

وقال التقرير: بالفعل، فقد تحدّث البنك الدولي في هذا المنتدى، في تقرير له قبل عامٍ مضى، عن تقييمه للجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية على صعيد بناء المؤسسات، مُلاحظاً أنّ "المؤسسات العامة الفلسطينية تتقارن إيجاباً مع مؤسسات البلدان الأخرى في هذه المنطقة وفي غيرها من مناطق العالم، في المجالات التي تعتبر فيها فعّالية الأداء الحكومي هي الأكثر أهميةً، وهذه المجالات هي: الأمن والعدالة، وإدارة الإيرادات والنّفقات، والتّنمية الاقتصادية، وتقديم الخدمات".

ولاحظ ذلك التّقرير أيضاً أنّ مؤسسات السلطة الفلسطينية فعالة بصورة معقولة، سواءٌ أكان ذلك حسب أيّ معيار مُطلق قد يتوافر، أم كان حسب المقارنة مع البلدان الأخرى بصفة خاصة، في هذه المنطقة أو في أيّ منطقة أخرى من العالم".

وقال : إنّ التقييم المؤسّسي الذي أُجري قبل عام مضى ما يزال صالحاً للتطبيق في الوقت الحاضر. غير أنّ ذلك التّقرير أيضاً حذّر من الحاجة إلى تحقيق نموّ اقتصادي مستدام يُحرّكه ويقوده الاستثمار في القطاع الخاص الفلسطيني، وهذه القضية هي بؤرة التركيز في هذا التّقرير.

وأكد البنك الدولي أن السُّلطة الفلسطينية تُواجه وضعاً خطيراً جداً في ماليتها العامة مع ارتفاع عجز الموازنة عن المستوى المتوقّع له، واستمرار الدعم الخارجي للموازنة في الانخفاض في الوقت ذاته، كذلك فقد بلغ الدَّين المستحق للقطاع المصرفي المحلي حدّه الأعلى تقريباً، ومن غير المُحتمل أن تحصل السلطة الفلسطينية على المزيد من الإئتمانات من القطاع الخاص في وقت قريب نظراً للمستوى الحالي المرتفع للمتأخرات.

وقال: ومن الضروري، بناءً على ذلك، أنْ يستمرّ المانحون في دعمهم لموازنة السلطة الفلسطينية، وأنْ تَستمرَ السلطة الفلسطينية في المُضي قُدُماً في تنفيذ الإصلاحات الأساسية لرفع مستوى تحصيل الإيرادات المحلية ولمراقبة الإنفاق.

وأضاف: ومع ذلك، وحتّى في ظلّ اتّخاذ هذه التّدابير، فإنّ الآفاق الحقيقيّة للتّقدّم على مسارٍ يتّجه نحو تحقيق نمو اقتصادي فلسطيني مستدام سوف ينطوي على التّحدّيات في ظلّ غياب تغييرات أساسية كبيرة تُزيل العوائق الناتجة عن فصل المناطق الفلسطينية وعزلها عن بعضها بعضاً. إنّها لمعوّقات تُقَيّدُ الاستثمار، وترفع التكاليف، وتُعيق التّرابط الاقتصادي.

ويشير التقرير إلى الآثار الاقتصادية المدمرة الناشئة عن التجزئة الجغرافية، مؤكداً في هذا الصدد على أهمية المنطقة (ج) التي تُعتبر الأراضي الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية والتي تربط بين 227 منطقة أصغر منفصلة جغرافيا وذات كثافة سكانية عالية. وتضم هذه المنطقة التي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية، التي لا تزال خاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، معظم أراضيها الزراعية ومواردها الطبيعية، واحتياطيها من الأراضي. ويقول التقرير إن استغلال هذه الموارد قد يتيح أساسا اقتصاديا للنمو في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الفلسطيني. ومن شأن تيسير الوصول إلى المنطقة (ج) لعب دور رئيسي في تنمية مؤسسات الأعمال العاملة في قطاعات مثل الإنشاءات والاتصالات السلكية واللاسلكية والزراعة والسياحة.

و قالت مريم شرمان، المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، "ينبغي للمانحين أن يتحركوا على وجه السرعة في مواجهة ما تتعرض له السلطة الفلسطينية من أزمة خطيرة في ماليتها العامة في الأجل القصير. لكن حتى مع هذا الدعم المالي، فإنه لا يمكن أن يتحقق نمو اقتصادي مستدام دون إزالة الحواجز التي تحول دون تنمية القطاع الخاص، ولاسيما في المنطقة (ج)...إن الرسالة الأهم التي يوجهها هذا التقرير هي أن التماسك الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق مادامت المناطق التي يتعين فيها على الناس أن يعملوا ويتدبروا شؤونهم تمزقها المعوقات والحواجز".

وقال التقرير: كما ورد ذكره مراراً وتكراراً في تقارير البنك الدولي السّابقة، فإنّ استدامة النمو في المناطق الفلسطينية يعتمد على زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص. غَيْرَ أنّ القيود النّافذة التي تفرضها الحكومة الإسرائيلية تستمر في اعتراض سبيل الاستثمار المُحتمل في القطاع الخاص، وتظلّ العقبة الكبرى في وجه النمو الاقتصادي المُستدام. ويفرض استمرارُ العزل الجغرافي "للمنطقة (ج)" من الضفة الغربية قَيْداً مُلزماً على النمو الاقتصادي الحقيقي جديراً بالاعتبار، باعتباره عنصراً أساسياً من عناصر دعم الدولة الفلسطينية المستقبلية (تعتبر اتّفاقات أُوسلو "المنطقة (ج)" أحد التّرتيبات المؤقّتة). وباعتبار المنطقة (ج) الأرضَ الوحيدة المتواصلة الجوار في الضفة الغربية، والتي تربط بين 227 منطقة جغرافية منفصلة (المنطقتان "أ" و "ب")، فإنّ أهمية هذه المنطقة هي العنصر الأساس في التّرابط الاقتصادي، وهي المساحةُ الأكثر وفرةً وغنىً بالموارد في الضفة الغربية؛ فهي تكنز جُلَّ الموارد المائية، والأراضي الزراعية، والموارد الطبيعية والاحتياطي من الأراضي في الضفة الغربية، التي توفّر أساساً اقتصادياً لتحقيق النمو في القطاعات الأساسية من الاقتصاد.

وقال البنك الدولي : يُوضّحُ التّحليلُ الأولي، الذي أُجريَ في عدد من القطاعات التي يُحتملُ أن تكون مربحةً اقتصادياً، الطرقَ التي يُعيقُ بوساطتها النظام الحالي للقيود التي تفرضها إسرائيل، المادّية منها والإدارية، أو التي يمنع باستخدامها تحقيق الاستثمار في القطاع الخاص الفلسطيني.

وأضاف : فالتّحليل يُبرزُ مجموعةً كبيرةً من التّحدّيات التي يُمكن معالجتها، سواءٌ ما يتعلّق منها بالوصول إلى الأراضي والمياه، أم بالقضايا التنظيمية والإجرائية، فضلاً عن الحواجز المادية البارزة للعيان بصورة متكررة كثيراً.

وأكد البنك الدولي انه : لكي يكون الدّعمُ المالي المستمر من جانب مجتمع المانحين وتكون زيادةُ حجم الجهود الإصلاحية التي تبذلها السلطة الفلسطينية فعّالةً ومؤثّرةً كلها تماماً، فإنّ ذلك الدّعم وتلك الجهود يجب أنْ تُصاحبها وتتضافرَ معها أعمالٌ تقوم بها حكومة إسرائيل لكي تُيسّر، إلى حدٍّ كبير، العقبات المتبقية التي تمنع، في الوقت الرّاهن، القطاع الخاص الفلسطيني من أن يُصبحَ المُحرّك الحقيقي للنمو المستدام، باعتباره الحلّ متوسط المدى الوحيد للخروج من أزمة المالية العامة المتطاولة الأمد.

2012-09-19