الجمعة 21/10/1444 هـ الموافق 12/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
موقف فصائل المقاومة من عقد مجلس عمان الانشقاقي/ د.غازي حسين

بعد توقيع ياسر عرفات مع فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1982 اتفاقيات خروج المقاتلين الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية من بيروت.
وبعد تشكل التحالف الوطني من أربع فصائل والتحالف الديمقراطي من فصيلين عام 1983 واندلاع الانتفاضة في حركة فتح وانضمام جميع مقاتلي الحركة في لبنان وسورية لها بسبب انحراف عرفات عن الميثاق الوطني وعن مبادئ ومنطلقات فتح قرر عرفات عقد المجلس الوطني بمن حضر من الأعضاء وقبل التوصل إلى اتفاق وطني شامل في أيلول 1984.
أراد عرفات أن يعقد المجلس الوطني قبل التوصل إلى اتفاق فلسطيني شامل ليكرس انحرافه وانخراطه في المشروع الأمريكي للتوصل إلى حل اسرائيلي لقضية فلسطين وليس لإيجاد حل عادل لقضية فلسطين.
أصر رئيس المجلس الوطني خالد الفاهوم على تأجيل عقد المجلس كي تتسنى الفرصة للفصائل للتوصل إلى اتفاق شامل ولكن عرفات أراد من الإسراع في عقده إبقاء الانشقاق وتحقيق الفرز في منظمة التحرير ومؤسساتها.
طالب التحالف الوطني بإسقاط عرفات والتوصل إلى اتفاق شامل قبل عقد المجلس. وطالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقوى وشخصيات وطنية عديدة بالتأجيل والحيلولة دون الانشقاق والتوصل إلى الاتفاق الشامل. وطالبت الجزائر التي رحبت بعقد المجلس الوطني فيها التوصل إلى إجماع وطني فلسطيني شامل قبل عقده، لأن الرئيس الجزائري لايريد أن يكون بلده المكان الذي يكرس الانشقاق في منظمة التحرير. ولكن عرفات لم يأبه بذلك بل أراد عقد المجلس الوطني في نهاية شهر أيلول 1984 كي ينجز ترتيب البيت الفلسطيني تلبية لرغبة الرئيس الأمريكي ريغان، كمقدمة للدخول في المفاوضات مع واشنطن ومع الصهاينة، أي الانخراط في التسوية السياسية مع العدو الصهيوني برعاية الولايات المتحدة الأمريكية. طالبت إدارة ريغان من عرفات الإسراع في عقد المجلس الوطني لتجديد شرعيته المتآكلة وتفويض الأردن طبقاً لمبادرة ريغان والتفاهم مع الملك حسين. وطالب الطاغية المخلوع حسني مبارك عرفات بالإسراع في عقد المجلس الوطني تمهيداً لإجراء مفاوضات مع حزب العمل الصهيوني برعاية الإدارة الأمريكية.
وأكد ياسر عرفات بأسلوب بهلواني وبحركات مسرحية بأنه سيعقد دورة المجلس الوطني في البحر، إمعاناً منه في التضليل والتدجيل واستنفار عواطف بعض الأوساط الفلسطينية، ولممارسة الضغط على الجزائر لكي تستجيب له وتوافق على عقده على الرغم من استمرار انشقاق الساحة الفلسطينية.
وأكد خليل الوزير نائب عرفات في إذاعة مونتي كارلو أن قضية عقد المجلس أصبحت قضية مركزية ولابد من عقده قبل نهاية تشرين الثاني 1984.
أصر عرفات ولجنته المركزية على عقد المجلس قبل نهاية تشرين الثاني، وبالتالي تبلور موقفان في الساحة الفلسطينية بالنسبة لعقد المجلس: الأول: طالب بعقد المجلس قبل نهاية تشرين الثاني ومثّله عرفات الذي انحرف عن الميثاق وعن قرارات المجالس الوطنية وعن منطلقات فتح، وعطّل مؤسسات منظمة التحرير وجعل الشلل والملل واليأس يسود في أوساطها.
الثاني: طالب بالتأجيل ريثما يتم التوصل إلى الاتفاق الوطني الشامل للحيلولة دون انشقاق منظمة التحرير وللمحافظة على وحدتها وخطها الوطني المعادي للامبريالية والصهيونية.
حققت الولايات المتحدة بعد إلغاء اتفاق الإذعان في 17 أيار الذي وقعه الرئيس اللبناني تقارباً وتنسيقاً عرفاتياً ومصرياً وأردنياً، للدخول في المفاوضات المباشرة الفلسطينية- الاسرائيلية وبرعايتها. وقام عرفات بزيارة للأردن في خضم هذه الأجواء وأجواء تحسين العلاقات بين مصر والعراق، وبين مصر والأردن، وبين العراق والأردن. وأعلن من عمان أن المجلس سينعقد في نهاية تشرين الثاني. إما في عمان أو في بغداد، وأنه بحث انعقاد المجلس في عمان. وأكد له الملك حسين موافقة الإدارة على عقده في عمان.
إن تصميم عرفات على عقد المجلس يعني شق منظمة التحرير، وشق المنظمة يلحق أفدح الأضرار بنضال الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ولكن عرفات لم يأبه بذلك فأعلن في جريدة الشرق الأوسط السعودية أن صدام حسين وجه الدعوة لعقد المجلس في بغداد.
وأكد عرفات في مؤتمر صحفي عقده في عمان أنه تلقى دعوتين من عمان وبغداد لعقد المجلس على أراضيهما. وهكذا يلاحظ المرء أن الأردن والعراق وافقا على عقد المجلس في بلديهما. ورجح هاني الحسن مستشار عرفات عقد المجلس في عمان وليس في بغداد.
وأيدت القائمة التقدمية للسلام في (اسرائيل) عقد المجلس الوطني في بيان أصدرته جاء فيه (إن القائمة التقدمية للسلام والتي تضم في صفوفها يهوداً وعرباً تؤيد عقد المجلس الوطني).
ازدادت المعارضة الفلسطينية للإسراع في عقد المجلس الوطني، وذلك للأخطار الجسيمة التي يمكن أن تلحقها هذه الخطوة الخطيرة في وحدة منظمة التحرير وخطها الوطني المعادي للامبريالية والصهيونية والرجعية. فبالإضافة إلى رئيس المجلس الوطني وثلثي أعضاء المجلس عارض أيضاً التحالف الوطني والجبهة الشعبية الإسراع في عقده. واتهمت الجبهة الشعبية في 25/10/1984 عرفات بالسعي إلى عقد المجلس الوطني بلون واحد ومن دون نصاب قانوني. وأكدت مجلة الهدف الناطقة بلسان الجبهة: "أن الجبهة الشعبية لن ترضخ للابتزاز ولن تقبل شق منظمة التحرير وتدميرها، ولن تسمح باستخدام المجلس الوطني جسراً لعبور ياسر عرفات إلى ضفة المشاريع الأمريكية".
أصرت فصائل المقاومة على وجوب التوصل إلى اتفاق فلسطيني شامل قبل عقد المجلس. وطالبت بالتأجيل خوفاً على منظمة التحرير من الانشقاق. حتى الجزائر طالبت بالتوصل إلى اتفاق فلسطيني شامل قبل عقده وضمن الأطر الشرعية لمنظمة التحرير. بينما طالب التحالف الوطني الفلسطيني بإسقاط عرفات قبل عقد المجلس، لأنه خان الشعب والقضية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
أصر عرفات على عقده في عمان أو بغداد وبمن حضر. وفي حال عقده في عمان ستقاطعه المنظمات الفدائية والاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية والشخصيات والقوى الوطنية، ما عدا جماعة عرفات. وهو معروف بالتزوير والتحريف والتشويه. وبالتالي فإن عقده في عمان يعني انشقاق منظمة التحرير، واصطفاف إقليمي جديد للقيادة الجديدة غير الشرعية مع الأنظمة العربية التي تعمل على بيع فلسطين لليهود وعلى رأسهم الرئيس المخلوع مبارك. وشكّل التقارب والتعاون بين عرفات ومبارك عامل انشقاق للوحدة الوطنية، تماماً كالتقارب والحوار الفلسطيني- الصهيوني.
تحدد المادة الثامنة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية مدة المجلس الوطني بثلاث سنوات وينعقد المجلس دورياً بدعوة من رئيسه مرة كل سنة، أو في دورات غير عادية (استثنائية) بدعوة من رئيسه بناء على طلب من اللجنة التنفيذية أو من ربع عدد أعضاء المجلس.
وأكد رئيس المجلس الوطني فحوى هذه المادة في مؤتمر صحفي عقده وأضاف قائلاً:
"منذ عام 1971 وحتى الآن (أي عام 1984) أي خلال 13 سنة عقدنا فقط سبع دورات. كان من المفروض أن يعقد في 14 سنة 14 دورة. إنني أفضل أن يعقد مجلسنا على أرضية اتفاق شامل، والاتفاق الشامل يحتاج إلى حوار شامل. لهذا اعتقد أنه من الضروري إرجاء عقد المجلس مدة بسيطة أخرى إلى أن نتمكن من إجراء الحوار الشامل تمهيداً للاتفاق الشامل بين الجميع".
وأكد رئيس المجلس الوطني آنذاك خالد الفاهوم لإذاعة مونتي كارلو أنه "ضد حضور المجلس على أرضية انقسام لأن القضية لا تحتمل مؤامرات. عندنا الدورة 16 وقراراتها ملزمة لنا جميعاً وتتضمن رفضنا كامب ديفيد ومشروع ريغان والتفويض (للأردن) أو المشاركة أو الإنابة، قراراتها دائمة وليس من حق أي مجلس أن يناقض قرارات المجلس الذي سبقه، من حق المجلس أن يضيف أو أن يعمق أو يقوي هذه القرارات لا أن يتناقض معها، لذلك من الصعب علي أن أحضر اجتماع مجلس يؤدي إلى الانقسام ولا أتحمل وزر ذلك".
وأكد رئيس المجلس الوطني أن الاختلاف داخل فتح (فتح الانتفاضة وفتح اللجنة المركزية) والفصائل الأخرى هو الذي حال دون عقد المجلس الوطني.
ولكن إدارة الرئيس ريغان كانت على عجلة من أمرها وتريد عقد المجلس الوطني في عمان في تشرين الثاني.
إن مشكلة الإسراع في عقد المجلس الوطني قبل التوصل إلى الاتفاق الوطني الشامل ليست هي القضية الأساسية، فالقضية كانت هي الالتزام بالميثاق الوطني الفلسطيني وما تتضمنه من كفاح مسلح وتحرير فلسطين من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر، والالتزام باللائحة الداخلية للمجلس الوطني حيث تنص المادة التاسعة عشرة منها على أنه "لايجوز انعقاد المجلس إلا باكتمال النصاب القانوني من ثلثي أعضائه على الأقل (وبدعوة من رئيسه). كانت القضية الأساسية آنذاك هي الالتزام أيضاً بالوحدة الوطنية وهي الأهم من الإسراع والتسرع في عقد المجلس الوطني. لذلك كان تأجيل عقد المجلس حتى التوصل إلى الاتفاق الشامل ضرورة وطنية ملحة لمنع وقوع الانشقاق في منظمة التحرير وفي الساحة الفلسطينية ودفع النضال الفلسطيني العسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي إلى الأمام، والمحافظة على الميثاق والمنطلقات والمبادئ الأساسية للمقاومة الفلسطينية حتى التحرير وعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة والعهود والمواثيق الدولية وأسوة بالتعامل الدولي.
وظهر بجلاء أن الأزمة في منظمة التحرير ليست في عقد المجلس أو عدم عقده وإنما في النهجين اللذين تبلورا بعد الخروج من بيروت: نهج المقاومة ونهج التسوية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية لتصفية قضية فلسطين.
عناوين:
*إن عقد المجلس الوطني في عمان يعني انشقاق منظمة التحرير، واصطفاف إقليمي جديد للقيادة الجديدة غير الشرعية مع الأنظمة العربية التي تعمل على بيع فلسطين لليهود وعلى رأسهم الرئيس المخلوع مبارك
*كان تأجيل عقد المجلس حتى التوصل إلى الاتفاق الشامل ضرورة وطنية ملحة لمنع وقوع الانشقاق في منظمة التحرير وفي الساحة الفلسطينية ودفع النضال الفلسطيني العسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي إلى الأمام

2012-09-20