الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
وهنا أنا لـِ أحمد طوباسي على خشبة مسرح الحرية

 

  مساحة صغيرة سوداء يعلوها ضوء كضوء الشمس يقف تحته هو فقط، يفتش بدقة عالية وعناية عن أشيائه التي رسمت مساره في ثلاثين سنة، وكان الضوء يباغته أحياناً ليكشف لنا كل الحقائق الباقية، ويكشف قصص كانت مخبأة متوارية في زواياه، صور للطفولة في الحارة، وصورة للحب، وصورة للمقاومة، وصورة للمعتقل، وصورة للأحلام.


هذه الصور التي رسمها الممثل أحمد طوباسي على خشبة مسرح الحرية في مخيم جنين في مسرحيته "وهنا أنا"، خلال ثلاثة عروض كانت في 28   و30 و31 كانون الأول من العام 2017، من كتابة العراقي البريطاني حسن عبد الرزاق، وإخراج البريطانية زوي لافيرتي.

العرض حاكى بشكل حيوي أحداث مستوحاة من حياة طوباسي كشاب فلسطيني يعيش في مخيم تحت الاحتلال، ويخط طريقه في عالم الفن والتمثيل، حاملاً رسالة المقاومة الثقافية من خلال فنه مستكشفاً ماهية الوجود في فلسطين بقلب المصاعب والتناقضات التي يعيشها شاب فلسطيني ينشأ تحت الاحتلال في مخيم جنين للاجئين، ثم سافر بحثاً عن نفسه في النرويج ليعود مجدداً الى مسقط رأسه مستمراً في البحث عن المعنى الحقيقي للحرية. 

هذا الفني جمع بين الواقع والخيال والمأساة والكوميديا، في تغطية لبعض أحداث الانتفاضة الأولى والثانية، والمسؤولية في مشاركة هذه الحقائق على خشبة المسرح، يمكنها أن تصنع فرقاً في حياة بعض الأشخاص.فأحمد كان ذاك الطفل الصغير الذي مر من أمام مسرح الحجر، وفيه التقى بأحلام طفل صغير، ومن ثم شاهد الحب في شخصية سناء التي سارت معه خلال العمل حتى أصبحت خيال بزواجها، وعبر بعدها أمام الجمهور من هناك ثم رجع إلى الحارة ليلعب مع منير وأشرف أصدقاء طفولته اللذان ما أن شاهدهم الجمهور على خشبة المسرح حتى ارتقوا وأصبحوا صور تعلو الجدران، ليبقوا الشهداء الأحياء الذين لا يموتون، وسرعان ما لحقت بهم صورة جوليانو مير خميس.

ومن ثم يلتحق أحمد في صفوف المقاومة الشعبية مع رفاقه في مخيم جنين في عمر السابعة عشر يتجول في زقاق المخيم ويحمل سلاح ليقاوم وهنا يشعر بالخوف والقوة معاً، ذاك الخوف القادم من قلب طفل صغير أمام دبابات وأسلحة كبيرة، ليودي به هذا الطريق إلى معتقل داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ثم يخرج في سن 21 سنة ليجد أمامه حياة فارغة لا يدري فيها ما يفعل، وسرعان ما يعود مسرح الحجر باسم مسرح الحرية في مكان قريب من بيته فيلتحق به مجدداً، ومن هناك يسافر إلى النرويج ويستقر في أوسلو ويكمل دراسة المسرح ومن ثم يعود إلى مسقط رأسه في مخيم جنين.

يقول أحمد طوباسي عن ذلك "نكون من نحن من حيث ولدنا، وأنا ولدت هنا، وأنا لا أحاول أن أعرض سياسة أو مفهوم التضحية، بل فقط قصتي من حيث أنا، كفلسطيني يعيش تحت الاحتلال."

سبأ أبو الرب كانت قد شاهدت العرض تتحدث لمسرح الحرية فتقول؛ أصابتني الصدمة كيف للشهداء أن تشاهد العرض!،فأجاب من بداخلي فقال إن كان العرض شيقا والممثل مجنوناً، وكيف لروح أن ترفض! وخاصة للفلسطيني، فحتى العدو ينتظر المسرحية بفارغ الصبر، والشهداء أحياء لا يموتون، أما الأحياء من الحضور فقد تعرفوا على مجنون المسرح، وأدركوا دفء المكان وتضيف: "كم تمنيت ألا أنهض من مكاني، لأكتشف ما بداخله! كما قال جوليانو".

العمل حمل تناقضات لروح ترفض وترفض، وتبقى تحلم لترى الحلم حقيقة دافئة، أحمد طوباسي في هذا العمل الفني حاول رسم هويته من خلال تجاربه الفردية والجمعية مع من حوله، دون تجميل فالجمهور شعور بضعفه وخوفه وحزنه دون إبراز جانب القوة فقط وهذا ما أعطى العمل مصداقية، فرأينا أحمد ذاك الطفل وحتى سن 30 عام، إنسان عاش تحويلات زمنية مختلفة، ومر عليه الوقت، له شخصية محددة كانت نتيجة ظروف عاشها لا يستطيع التخلص منها ولا سترها، وكان مضطراً للعيش معها دائماً، لكنه لم يقبلها للأبد، فكان يلعب ويعشق ويهوى ويقاوم ويحلم ويسير على طريقها ليحققها، ويسافر بعيداً ويعود، لأننا مدى الحياة نبقى نتعلق بالبيت الأول، مهما بعدنا واغتربنا، لان كل منا يبقى تائها يبحث عن مرباه لا ينساه، ومن هنا أتى عنوان المسرحية "وهنا أنا".
 
ومن الجدير بالذكر أن المسرحية بدأت في جولة عروض في المملكة المتحدة قبل ان تشارك في مهرجان «إدنبره فرينج» في اسكتلندا، وسيتم عرضها خلال العام 2018، بالتعاون مع مسرح الحرية في الضفة الغربية بالشراكة مع مسرح نعم في الخليل ومسرح الحارة في بيت لحم ومسرح عشتار في رام الله ومركز بلدية نابلس الثقافي (حمدي منكو)، قبل أن تختم جولة عروضها في نيسان القادم بمدينة جنين

2018-01-01